خطبة حول (الأَمَل وَالأَجَل) وحديث (هَذَا الإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ)
أغسطس 13, 2022خطبة عن الصلاة تمحو الذنوب وحديث ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ)
أغسطس 13, 2022الخطبة الأولى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) (1) المائدة
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونتأمل معانيها ، ونفهم مراميها ، مع قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، والعقود : جمع عقد، والعقد يطلق ويراد به الربط، وهذه اللفظة من حيث هي تدل على الشدِّ والتأكيد والاستيثاق من الشيء، وذلك يكون في الأمور المحسوسة ،وفي الأمور المعنوية، فالأول كالعقدة في الحبل ، وفي الأمور المعنوية: كالعقود في هذه الآية، ومن أقوال المفسرين في هذه الآية ، قال الطبري في تفسيرها : المعنى : (يا أيها الذين أقرّوا بوحدانية الله، وأذعنوا له بالعبودية, وسلموا له الألوهة ، وصدَّقوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم في نبوته ،وفيما جاءهم به من عند ربهم من شرائع دينه ، ” أَوْفُوا بِالْعُقُودِ “، يعني : أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربَّكم، والعقود التي عاقدتموها إياه, وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقًا، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضًا, فأتمُّوها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها, ولمن عاقدتموه منكم، بما أوجبتموه له بها على أنفسكم, ولا تنكُثُوها فتنقضوها بعد توكيدها) ، وقال السعدى في تفسيرها : (هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها، وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم، والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ْ} الحجرات 10، بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع، فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا من خلال قراءتنا لأقوال العلماء : أن العقود هي ما يبرمهُ العباد فيما بينهم من المواثيق والمعاملات، وقبل ذلك ما بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى فإن الله أخذ عليهم العهد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا فقال الله سبحانه: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) يس (60) ،(61)، فأول العهود والعقود ما كان بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، فقد قال الله تعالى : (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) الفتح (10) ، وكذلك العهد الذي بين ولي أمر المسلمين وبين الرعية ، فيجب على الجميع أن يراعوه، ويجب على ولي الأمر أن يفي لرعيته بموجب العهد ،فينظر في مصالحهم ،ويدفع عنهم الضرر والظلم ،ويعمل لهم كل ما فيه مصلحة لدينهم ودنياهم، لأنه راعٍ عليهم ،ومسئول عن رعيته، ومن أولى ذلك أن يلزمهم بطاعة الله ،ويمنعهم من معصية الله سبحانه وتعالى ،لأنه راع ومسئول عن رعيته، ثم على الرعية أن يفوا بالعهد الذين بينهم وبين ولي أمرهم ، وذلك بالسمع والطاعة له بالمعروف ، ما لم يأمر بمعصية الله عزَّ وجل، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء 59،
ومن العقود التي يجب الوفاء بها : العقود التي بين الناس بعضهم مع بعض ، كعقود المعاملات والشركات والمقاولات، وكل ما يحصل بين الناس من العقود ،بشرط أن لا تكون على محرم ، وتكون عقود مباحه ،وعلى أمر مباح ، فإنه يجب الوفاء بها ولا تجوز الخيانة، وأول ذلك عقد الزوجية بين الزوجين، فعقد الزوجية يوجب على كل من الزوجين القيام بحق الآخر عليه، فالزوج يقوم بحقوق زوجته ،والزوجة تقوم بحقوق زوجها ، قال الله تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء 19، وقال الله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة 288، فيجب على كل من الزوجين أن يقوما بحقوق الآخر ، في حدود ما شرعه الله سبحانه وتعالى، والله جلَّ وعلا سمى عقد الزوجية (مِيثَاقاً غَلِيظاً) في قوله تعالى : (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) النساء 21، فيجب بهذا الميثاق أن يوفى به من كل من الطرفين الزوج والزوجة، وكذلك عقود البيع يجب الوفاء بها وعدم الخيانة وعدم الغش والخداع والغرر والصدق تجنب الكذب ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا » ، فعلى المتبايعين في السلع وغيرها أن يصدق كل منهما مع الطرف الآخر ،لا يغش ،ولا يخون ،ولا يكذب ،ولا يغدر ،هذا شأن المؤمنين الصدق والأمانة، وكذلك في الشركات ، فيجب على الشريك أن ينصح لشركائه ،ولا يخون في شيء من أحوال الشركة ،أو يبخس شيئاً من أموال الشركة ،لأنه أمين من قبل شريكه ،أمينٌ ووكيل من قبل شريكه، فعليه أن يصدق مع شريكه ، وفي سنن أبي داود وصححه الحاكم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا ». ، ومن الوفاء بالعقود : عقود المقاولات، فيجب على المقاول أن يفي بعمل المقاولة ،وينصح في ذلك ولا يغش ،ولا ينقص شيئا من أعمال المقاولة ،بل يقوم بما يقتضيه العقد على الوجه المطلوب، وكذلك على الطرف الآخر أن يُعطي المقاول حقه ،إذا أتم العمل من غير مماطلة ،ومن غير تأخير، وكذلك الأجير في الأعمال الإجارة الخاصة والإجارة العامة فيعطى أجره عند نهاية عمله ، ففي سنن ابن ماجه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ».، ومن الذين يكون الله خصمهم يوم القيامة رجل استأجر أجيراً فستوفى منه العمل ولم يوفِه حقه ، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ »
أيها المسلمون
وقد استنبط العلماء من هذه الآية الكريمة قاعدة شرعية ، وهي: (أن المسلمين عند شروطهم) ، فإن كان هناك عقد بينك وبين إنسان ، فأنت كمسلم ملتزم أن تطبق منهج الله، فمنهج الله يأمرك أن تفي بهذا العقد، ومن العقود ، العقد مع الله -تبارك وتعالى- ويكون بفعل فرائضه واجتناب محارمه، وأعظم ذلك هو التوحيد، وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له من غير نكث لذلك، ومنه النذر، ومنه أيضاً ما يعاهد الإنسان به ربه، كما قال تعالى: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [التوبة:75].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) المائدة ، فالحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يفي بالعهود مع الله، وأن يفي بالعهود والعقود مع الناس فلا يخل بشيء من ذلك، ومن أمثلته الداخلة تحته ما يحصل بين الناس من أحلاف ومعاقدات في أنواع المعاملات التي يتعاملون بها، فالآية تشمل ذلك جميعاً، أي: ما ألزم الله تعالى به من الفرائض والأحكام، وما يكون بين الناس من العهود والعقود والمواثيق وما يتفقون عليه، سواء كان في باب النكاح ،كالشروط التي تشترطها المرأة وليست محرّمة، أو ما يكون بين الناس في الشركات أو البيوع أو غيرها من أنواع المعاملات، فهذا كله يجب الوفاء به، لعموم قوله سبحانه: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) [المائدة:1].
ومن المعلوم أن الوفاء قرين الصدق، وأن الغدر قرين الكذب، وقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غدر العهد علامة من علامات النفاق، فقد رُوي في الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا » ، فالوفاء بالوعد والعهد والعقد من المواضيع الهامة، التي فرط فيها كثير من الناس وتهاونوا بها، وخاصة فيما يتعلق بالمواعيد، وأيضًا مع الأبناء، وكذلك مع الزوجة ،ومع العاملين والحرفيين ، فقلما تجد مع يسلم لك العمل في الوقت المحدد، وهذه أمثله بسيطة من أشياء كثيرة لها علاقة بالوفاء بالعهد والوعد.
الدعاء