خطبة عن قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)
أبريل 4, 2020خطبة عن كشف الغمة عن الأمة (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ)
أبريل 14, 2020الخطبة الأولى ( إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين البخاري ومسلم : ( أن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ،وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا »، وفي رواية : « إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ سُلِّطَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَوْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ».، وفي رواية :« إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أَوْ بَقِيَّةُ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ قَبْلِكُمْ فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا وَإِذَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا »
إخوة الإسلام
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ النفس وصيانتها، فقال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ،وأكدت الأحاديث النبوية الكريمة هذه المعاني العظيمة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَا يُورَدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)، أَي مَرِيض على صَحِيح أَو صَاحب إبل مَرِيضَة على صَاحب إبل صَحِيحَة، وقال عليه الصلاة والسلام فِي الطَّاعُونِ: (إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا كُنْتُم بِهَا فَلا تَفِرُّوا مِنْهُ)، وصح عنه قوله صلى الله عليه وسلم : (فِرَّ من المَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ)، ولما كَانَ فِي وَفدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ، فَارْجِعْ). ولهذا فقد نص الفقهاء على عدم خروج المرضى للقرى والحواضر إذا كانوا يسيراً، وإن كثروا فإنهم يجمعوا في مكان لمنع تأذي الناس بهم، وأفتى ابن تيمية بمنع سكن المريض مع الأصحاء، وأما حديث (لَا عَدْوَى) فلا يعارض تلك الأحاديث، بل المراد به نَفْيُ مَا كَانَتِ الجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ وتعتقده أن المرض والعاهة تعدى بطبعها لا بفعل الله تعالى، أو التشاؤم، كمن يقع عليه مكروه فينسبه لرؤيته شخص ما أو نحوه، وحمل البعض النهي، بأنه: لا يكن أحدكم متسبباً في عدوى غيره.
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث الذي هو بين أيدينا اليوم ،برواياته الصحيحة المتعددة ،يرشدنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موقف المسلم حيال انتشار الأوبئة والأمراض المعدية ،فالطاعون كما عرفه العلماء : هو كل مرض عام ،والذي يفسد له الهواء ،وتفسد به الأمزجة والأبدان ،وقال أبو الوليد الباجي :هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات ،بخلاف المعتاد من أمراض الناس ، ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة ،وسمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله ،وفي بيانه صلى الله عليه وسلم لموقف المسلم من ذلك ، يقول صلى الله عليه وسلم : :« إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ،وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا » ،وهكذا يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة أساسية ،تعتبر من أساسيات الطب الوقائي الحديث بعد اكتشاف مسببات الأمراض والأوبئة، وهي قاعدة الحجر الصحي، منعاً لانتشار الأوبئة المدمرة في المدن والتجمعات البشرية، فقرر صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة العلمية في قوله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا سَمِعْتُمْ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ،وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ » رواه الشيخان ، ولضمان تنفيذ هذه الوصية النبوية العظيمة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوراً منيعاً حول مكان الوباء، فوعد الصابر والمحتسب بالبقاء في مكان المرض بأجر الشهداء، وحذر الفار منه بالويل والثبور، فقال صلى الله عليه وسلم: « الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالصَّابِرِ فِي الزَّحْفِ ») رواه أحمد، فإذا قيل لرجل صحيح منذ مائتي عام فقط، وهو يرى صرعى المرض الوبائي يتساقطون حوله، وهو بكامل قواه وقيل له: امكث في مكانك لا تخرج، لاعتبر هذا الكلام جنوناً ،أو عدواناً على حقه في الحياة، ويفر هارباً بنفسه إلى مكان آخر خال من الوباء، وقد كان المسلمون هم الوحيدون بين البشر الذين لا يفرون من مكان الوباء ،منفذين بذلك أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم ،ولا يدركون لذلك حكمة ،وكانوا محط سخرية من غير المسلمين لذلك التصرف ،حتى اكتشف أخيرا أن الأصحاء ذوا المناعة الأقوى؛ الذين لا تبدو عليهم أعراض المرض في مكان الوباء ،هم حاملون لميكروب المرض الوبائي، وأنهم يشكلون مصدر الخطر الحقيقي في نقل الوباء إلى أماكن أخرى إذا انتقلوا إليها، ولأنهم يتحركون ويختلطون بالأصحاء بلا حذر أو خوف ،فينقلون لهم جرثومة الوباء المدمرة ،فهم أخطر من المرضى الحقيقيين لتجنب الناس لهم، والسؤال : من أطلع محمداً صلى الله عليه وسلم على هذه الحقيقة ؟ ،أيمكن أن يتكلم بشر عن هذه الحقائق الدقيقة منذ أربعة عشر قرناً من الزمان؟ ،اللهم إلا أن يكون كلامه وحياً يأتيه من عليم خبير بخلقه! ،قال الله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) النمل 93
أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) [النساء:78]. وقال الله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195].، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ .فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا .فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ . فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِى الأَنْصَارَ . فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ ، فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ . فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ ،وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ ، إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ ،فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ .قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ،نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ ،أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ ،إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ،وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ،أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ،وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ،وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ،وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ » .قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ) ،فمتى وقع الطاعون وأنت في البلد فاصبر على قدر الله، فالآجال مضروبة فلا أحد يتقدم عن أجله ولا يتأخر، كما قال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء:78] ،ولكن الإنسان مأمور بالبعد عن أسباب الهلاك، قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195] ،والإنسان يأخذ بالأسباب ،وما كتب الله ماض ونافذ لا حيلة فيه، لكنه مأمور بالأسباب التي شرعها الله، فكل وباء عام ينتشر بسرعة ،فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيها هذا الوباء ،وإذا وقع وأنتم فيها ،فلا تخرجوا منها ،لأنكم تخرجون منها فرارا من قدر الله ،لو فررتم فإنكم مدركون لا محالة ،ولهذا قال لا تخرجون منها فرارا منه
أما خروج الإنسان منها لا فرارا منه ،ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ،ثم انقضت حاجته، وأراد أن يرجع إلى بلده فلا بأس ،فقد قال العلماء : (الخروج من بلد الطاعون له ثلاث حالات : الأولى : أن يخرج فراراً منه لا لقصد آخر ،فهذا يتناوله النهي بلا شك ،والثانية : أن يخرج لقصد آخر غير الفرار ،كالعمل ونحوه ،فلا يدخل في النهي ،وهذا القسم هو الذي نقل النووي رحمه الله الاتفاق على جوازه ،الحالة الثالثة : أن يخرج لعمل أو غيره ،ويضيف إلى ذلك قصد السلامة من الوباء ،فهذا قد اختلف العلماء فيه ،وذكر الحافظ ابن حجر أن مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جواز الخروج في هذه الحالة ،وهو ما اختاره الإمام البخاري ،فإنه قد ترجم في صحيحه : “من خرج من الأرض التي لا تلائمه” ، وساق حديث العرنيين ،ليستدل به على جواز ذلك ، وفي هذا الحديث : أن جماعة أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وأظهروا الإسلام ،ولكنهم أصابهم مرض من جو المدينة ،حيث لم يوافق أجسامهم ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتداووا من ذلك بألبان وأبوال الإبل ، فخرجوا من المدينة لأن تلك الإبل كانت في مراعيها . والحديث لا يمنع الأخذ بالأسباب : فلا بأس أن يستعمل الإنسان من الأدوية والحبوب والإبر ما يمنع الوباء ،لأن ذلك من الوقاية قبل نزول البلاء ولا بأس بها ،كما أن الإنسان إذا نزل به وباء وعالجه فلا حرج عليه فكذلك إذا أخذ وقاية منه فلا حرج عليه ،ولا يعد ذلك من نقص التوكل ،بل هذا من التوكل ،لأن فعل الأسباب الواقية من الهلاك والعذاب أمر مطلوب ،والذي يتوكل ،أو يدعي أنه متوكل ،ولا يأخذ بالأسباب ليس بمتوكل في الحقيقة ،بل إنه طاعن في حكمة الله عز وجل ،لأن حكمة الله تأبى أن يكون الشيء إلا بالسبب الذي قدره الله تعالى له. وبناء على ما تقدم ذكره : فإن الإجراءات التي تم اتخاذها للوقاية من «فيروس كورونا» داخلة في قاعدة شرعية وهي: تقديم مصلحة الجماعة، وقاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أجر الماكث في بلده في زمن الطاعون كالشهيد كما في صحيح البخاري وغيره: (لَيْسَ مِن أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ)، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر من أكل الثوم أو البصل باعتزال الناس ،والجلوس بالبيت، فقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَليَعْتَزِلنَا – أو قال: فَليَعْتَزِل مَسجِدَنَا – وَليَقعُد فِي بَيتِهِ)، فكيف الحال بمن يخشى من مرض سريع الانتشار ،والذي قد يفضي إلى الموت، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ ثواب إحياء نفس واحدة كثواب إحياء الناس كلهم، فقال تعالى: {وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [الْمَائِدَة: 32]، وهذا الإحياء يشمل إعطَاءُ الإِنسَانِ ما بِهِ كَمَالُ إنسانيته، فَيَعُمُّ كُلَّ مَا بِهِ ذَلِكَ الْكَمَالُ مِن حفظ للأنفس ،وإِنَارَةِ الْعُقُولِ بِالِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْخُلُقِ الْكَرِيمِ، وَالدَّلَالَةِ على الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَإِصلَاحِ الفَردِ والمجتمع
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعلى المسلمِ أَنْ يأخذَ بأسبابِ الوقايةِ مِنَ الأمراضِ، خصوصاً إذا كَثُرتْ وانتشرتْ, ومِن ذلكَ قولُه صلى اللهُ عليه وسلم: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: (بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ” رواه ابنُ ماجه بإسنادٍ صحيح. وقال صلى اللهُ عليه وسلم: “مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ” رواه البخاريُّ. وقوله صلى اللهُ عليه وسلم: “اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ” رواهُ أبو داودَ، وحسنه الألبانيُّ. وقال صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ” رواه الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ وصححه الألبانيّ . وإذا قدَّر اللهُ تعالى له المرضَ فعليهِ بطلبِ التّداوِي، والأخذِ بأسبابِ الاستشفاءِ، التي بيَّنَها أهلُ الطبِّ في مجالِهِم، وهذا مِن حُسنِ التّوكّلِ على اللهِ سبحانه وتعالى. ويجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يتجنَّبَ نَشرَ ما يُسبِّبُ الخوفَ والهلَعَ لإخوانِه المسلمينَ تجاهَ هذا المرضِ، وأن يحذرَ مِنَ الشائعاتِ التي تُطلَقُ وتروَّجُ للتهويلِ مِن خطورتِهِ, فقد قال صلى الله عليه وسلم: “كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ” رواه مسلمٌ ، وقال الله تعالى : ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].
الدعاء