خطبة عن حديث (الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِىٌّ)
ديسمبر 29, 2019خطبة عن (من فوائد الابتلاء) مختصرة
يناير 1, 2020الخطبة الأولى ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين ، واللفظ لمسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ». قَالَ : فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالُوا كَذَا وَكَذَا. قَالَ صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيَّ نَزَلَتْ ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : « هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ ». فَقُلْتُ لاَ. قَالَ « فَيَمِينُهُ ». قُلْتُ إِذًا يَحْلِفُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ». فَنَزَلَتْ : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً) آل عمران 77، إِلَى آخِرِ الآيَةِ. وفي رواية للترمذي : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِىَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ».
إخوة الإسلام
لقد عظم الإسلام شأن اليمين، وحذر من التساهل بها؛ لأنها عهد وميثاق يجب أن يُعطى حقه، قال الله تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89]. قال القرطبي: “المعنى: أقلوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى، فإن الإكثار يكون معه الحنث ، وقلة رعي لحق الله تعالى” ، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ﴾ [القلم: 10]، يعني كثير الحلف، ، وقال الله تعالى عن المنافقين: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [المجادلة: 14] ، وقال الله تعالى عنهم أيضًا: ﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 56]، فبين سبحانه في هذه الآيات ، أن الحلف الكاذب من صفات المنافقين . ومن أشد أنواع الأيمان الكاذبة اليمين الغموس، وهي التي تغمس صاحبها في الإثم ،ومن ثم في النار، قال العلماء: هي التي يحلفها على أمر ماضٍ كاذبًا عالمًا، وعدُّوها من كبائر الذنوب . فمن الواجب على المؤمن أن يحذر الكذب بالأيمان، وغير الأيمان إذا حلف، وإذا حلف على ذلك صار آثمًا أكثر، ولا سيما إذا اقتطع بها حق أخيه، بأَنْ يَحْلِفَ: أنه ليس عنده لفلان شيء، وهو عنده له مال، يحلف أنه ما أخذ منه شيئًا، وهو قد أخذ منه، هذا ظلم، كذب وظلم ، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة”، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ: “وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاك” ، وروى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، أن أعرابيًا جَاءَ إِلَى النَّبيِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: يَا رَسولَ الله: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: “الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ”، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: “ثُم عُقُوق الوَالِدين”، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: “الْيَمِينُ الْغَمُوسُ”، قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: “الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ”
فاليمين الغموس من الكبائر الموجبة للنار كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77] وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: “الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ” ، ومعناه: أن يحلف صاحب السلعة أنه أُعطي فيها كذا وكذا، أو أنه اشتراها بكذا وكذا، وهو كاذب في ذلك، وإنما يريد التغرير بالمشتري ليصدقه بموجب اليمين، فيكون هذا الحالف عاصيًا لله آخذًا للزيادة بغير حق، فيعاقبه الله بمحق البركة من كسبه، وربما يتلف الله ماله كله” ،وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: “ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّه إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْر فَقَالَ: وَاللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ أُعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [آل عمران: 77]” ، قال الخطابي: “وخص وقت العصر لتعظيم الإثم فيه، وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت، لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه، وهو وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها تجرؤًا، فإن من تجرأ عليها فيه اعتادها في غيره، وكان السلف يحلفون بعد العصر وجاء ذلك في الحديث أيضًا”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فمما لا شك أن التعدي على مال المسلم أمر محرم كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل) النساء 29، . والجرم يعظم ،والإثم يشتد ،إذا كان المرء يتوصل إلى أخذ حق أخيه بالحلف الكاذبة ،واليمين الفاجرة ،فيحلف أنه مستحق لهذا المال ،وهو كاذب في حلفه ، وإنما عظم ذلك لأنه استخف بالجبار ،ولم يوقر الله ويقدره حق قدره ،ولأن الحاكم يقضي له بهذا المال ، فيكون له نوع مستمسك ، وحق في الظاهر، ولأجل ذلك كانت العقوبة المترتبة مغلظة في الآخرة، وهي أن يلقى الكاذب غضب الرب عليه ،فكيف ستكون حاله حينئذ ،والعياذ بالله من سخطه. وفي الحديث إثبات صفة الغضب لله سبحانه ،فالغضب صفة فعلية اختيارية متعلقة بالمشيئة، وأهل السنة يثبتون لله ما ثبت في الكتاب والسنة ،من الصفات الذاتية والاختيارية ، على الوجه اللائق به خلافا للمعطلة. وفيه أن القاضي يحكم بما ظهر له من الحجة ،ويعمل باليمين على ظاهرها ،إذا كانت سالمة ، ولا يبطلها إلا بدليل بين ، أو مخالفتها لأصل أقوى منها. وفيه دليل على أن حكم الحاكم في الظاهر لا يبيح الحرام في الباطن للكاذب ، وهذا مذهب الجمهور خلافا لأبي حنيفة. ودلت الآية على ذم كل من باع دينه وأمانته ويمينه بشيء من متاع الدنيا الزائل ، فيا ويل من فعل ذلك ، ويا خسارته يوم القيامة. وهذا كحال بعض الباعة في الأسواق ،ممن يمتهنون الكذب والغش والتدليس ،وترويج سلعهم بالأيمان الكاذبة. وكذلك أهل الخصومات في المحاكم ،المتساهلين بالشهادة الفاسدة والحلف على فجور، وقد أصبح ذلك ظاهرة في بعض البلاد ، والله المستعان. فينبغي للمؤمن أن يعظم اليمين ،خاصة في باب الأموال والحقوق ،ولو كانت يسيرة ،ويوقر الله ،ويكون صادقا ،ولا يحلف إلا على حق ثابت كالشمس ،وقد كان كثير من أهل الورع يتوقون الحلف في الخصومة عند الحاكم ،ولو أفضى ذلك بهم إلى التنازل عن حقهم ،خشية الوقوع في الوعيد.
الدعاء