خطبة عن (من مواطن الرحمات)
مايو 7, 2023خطبة عن (مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)
مايو 8, 2023الخطبة الأولى (الَّذِينَ يَبْغُونَهَا عِوَجًا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (3) إبراهيم، وقال الله تعالى: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ) (45) الاعراف، وقال الله تعالى: (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (86) الاعراف
إخوة الإسلام
إن المتدبر والمتأمل في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا): يتبين له أن الكثير من الناس يُعْرِضون عن طريق الله المستقيم، ويطلبون بل ويتمنون أن تكون السبيل إليه معوجة، ومنحرفة، وغير مستقيمة، حتى لا يتبعها الناس، ولا يتبينها أحد، وعدم إيمانهم بالآخرة، وبالثواب والعقاب، وكفرهم بالله تعالى، هو الذي أوصلهم إلى هذا الانحراف عن الصراط المستقيم، والإقبال على شهوات النفوس المحرمة،
وقد جاءت الرسالات السماوية لإصلاح العوج، ولإقامة العدل في الأرض، والهداية للتي هي أقوم وأحسن في كل شيء، وعدم التأثر أو الميل إلى العقول والأهواء المنحرفة، أو الآراء المضلة، وقد أنزل الله القرآن عنوانا لهذه الاستقامة، فقال الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ الكهف (1): (4)، فهذا الكتاب العظيم هو الضامن لهذه الاستقامة، بهداية الناس إليها، في كل الشؤون، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ الاسراء (9). ولهذا كان المؤمنون بهذه الرسالة بحق أحرص الناس على هذه الاستقامة، وأبعد الناس من التلون والالتواء، وأكثر الناس اجتهادا في حماية حقوق الجميع، بمن فيهم المخالفون لهم.
وفي المقابل، نجد أن أعداء الرسالات، في كل زمان ومكان، يقفون أمام هذه الاستقامة، ويبغونها عوجا، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد﴾ (3) إبراهيم، ومعنى ﴿ يَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ أيْ يلتمسون الاعوجاج فِي دين الله، ويطلبون للشريعة عوجا وتناقضا يظهر فيها، ومع أنها مُسْتَقِيمَةٌ فِي نَفْسِهَا، ولكنهم يريدون أن يحدثوا فيها عوجا وانحرافا، ليصرفوا الناس عنها، بعد إيمانهم بها، وانقيادهم لها، ويجتهدون في إِلْقَاء الشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ فِي قلوب الناس، بِكُلِّ مَا يَقْدِرُون عَلَيْهِ مِنَ الْحِيَلِ، ويسعون فِي صَدِّ الناس وَمَنْعِهِم مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فهم يريدون زيغًا وميلا عن الاستقامة في كل الأمور، ويتعمدون تحريفًا للحقائق، بالكذب والزّور لِمُوَافَقَةِ أَهْوَائِهِمْ، وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ، فهم يريدون الطريق العوجاء، ولا يريدون الطريق المستقيم، ويرون أن في أجواء الانحراف والفساد ما يساعدهم على تحقيق رغباتهم ومآربهم وأهدافهم، لأنهم لا يملكون أن يصلوا إلى ذلك في نور الإيمان، وفي ظل الاستقامة على الهدى. ومن ثم، فهم يصدون الناس عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً لا استقامة فيها ولا عدالة. والله تبارك وتعالى يخبرنا أن هؤلاء يقدمون أنفسهم للناس على أنهم مصلحون، فيقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ البقرة (11)، (12).
والعجيب أن هذه النوعية قد خالفت الفطرة السليمة، فهي ترى أن من أوجب واجباتها، ومن أهم مهماتها: محاربةَ كلِّ دعوات الاستقامة، وكلِّ أدوات الإصلاح، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (152): (154) الشعراء، والأعجب من ذلك أنهم يحاولون ترويج أنفسهم على أنهم مصلحون، بل واتهموا أصحاب الاستقامة بالسفاهة، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ﴾ البقرة (13)، وهذا ما فعله فرعون حين قال: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (26) غافر، فمن نكد الزمان أن يرفعَ راياتِ الإصلاح زعيمُ المفسدين، أو أنْ ترفع راياتِ الفضيلة والعفة قوَّادةٌ بغِيٌ، وهذا ما يحدث في هذا الزمان، وأعجب العجب أن يستجيب بعض الناس لهذا العوج، كما فعل الملأ من قوم فرعون حين دعاهم، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (96)، (97) هود، فكانت النتيجة هلاكه وهلاكهم، قال تعالى: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ طه (79).
أيها المسلمون
ومن بين هؤلاء الذين يبغونها عوجا: أهل الكتاب من اليهود والنصارى، قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (آل عمران:99). وللمرء أن يعجب، كيف يصر هؤلاء على هذا الصد وهذا الاعوجاج ، وهم يعلمون الحق واضحًا جليًا -لا سيما كبراؤهم- قال الله تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:146). وكم تفنن الرهبان والأحبار في الصد عن سبيل الله؛ إما تشويهًا للحق الذي مع المؤمنين، أو تزيينًا للباطل الذي معهم، وتلبيسًا على أذنابهم وأتباعهم، وهم ما زالوا على هذا الحال منذ القدم، لا يتوقفون عن الإغواء والإضلال،
ولا تقتصر محاولات الصد عن سبيل الله، والتحريض على العوج، على أهل الكتاب، بل تجدها مِن عموم مَن كفر، فهم يضيقون ذرعًا بالإيمان والمؤمنين، ويريدون إضلالهم بعد ما ضلوا السبيل، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:167)، بل الكثير من أهل الأرض -إلا من أكرمه الله بالإيمان- ليسوا على الحق، بل ودوا أن يلحق بهم المؤمنون في ضلالهم، قال الله تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (الأنعام:116-117)، تعرف ذلك من حالهم وأقوالهم وأفعالهم، وذلك حينما تراهم يعرضون عن الحق، ويتفننون في كل ما يلهي الناس عن ذكر الله، والرجوع إليه، قال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (لقمان:6-7)، وتعرف ذلك أيضا: حينما يؤثرون على الحق الغالي النفيس الدنيا ومتاعها؛ ليمنعوا المؤمنين من الإيمان، قال تعالى: (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة:9)، وتعرف ذلك حينما يمنعون الناس من المساجد، بيوت الله ، ويريدون خرابها، قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الأنفال:34)، وتعرف ذلك حينما يضيقون ذرعًا من المؤمنين ومظهرهم وعقائدهم وعفتهم حتى قالوا: (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (الأعراف:82). بل وتعرف ذلك في التسفيه للمؤمنين، والمعاداة لهم، والموالاة لأعدائهم، ومحاولات الإضلال والمكر والخداع، والحرب الإعلامية والنكال الذي يتوعدون به المؤمنين، فهل فعلوا ذلك إلا كراهة للحق واتباعه وصدًا للناس عن اللحاق بسبيل الله القويم وصراطه المستقيم؟، نعم، إنهم يبغونها عوجا، ويحسبون أنهم مهتدون.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الَّذِينَ يَبْغُونَهَا عِوَجًا )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان أعداؤكم يبغونها عوجا، ولكن أبشروا، فكما بصَّركم الله بعداوتهم، وصدهم عن الحق، إلا أنه سبحانه- أخبركم ببوار مكرهم، وخسران سعيهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:32)، فأعمالهم خاسرة، وسعيهم في ضلال، بعكس المؤمنين الذين يهديهم الله، ويرزقهم السكينة والتوفيق، قال تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) (محمد:1-3)، كما بشركم الله أن كيدهم سيرد إلى نحورهم، وسينقلبوا أذلاء مدحورين، قال تعالى: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ) (الأعراف:118-119). ومن بطلان عملهم وصغارهم، ما يلحقهم من الحسرة وهزيمة الكيد في الدنيا، وسوء المنقلب في الآخرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ . لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال:36-37). وكما وعد الله المؤمنين في الدنيا بالنصر والتمكين في الدنيا وعدهم الجنة والنعيم في الآخرة؛ ففازوا بأعظم الحسنيين أو كليهما، وعلى النقيض: فالكافرون الصادون عن سبيل الله، عليهم اللعن والخزي والخسران في الدنيا، ولا تلحقهم مغفرة، حيث ماتوا على ذلك، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) (محمد:34)، ولهم كذلك العذاب الشديد في الآخرة، قال تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (إبراهيم:2-3). ولا يتبدل هذا العذاب بنعيم، بل يزاد لهم العذاب، قال تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) (النحل:88)، وهذا العذاب وهذه الزيادة إنما هي جزاء أعمالهم حيث إنهم ضلوا وأضلوا خلقًا كثيرًا؛ فاستحقوا أن يحملوا آثامًا أخرى، قال تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (العنكبوت:13).
الدعاء