خطبة عن (تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ)
يناير 20, 2025الخطبة الأولى (الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ مِنْحَةُ بَعْدَ مِحْنَةِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الاسراء (1)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (13): (18) النجم.
إخوة الإسلام
إنَّ رِحْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ رحلة ذَات أَسْرَارٍ عَظِيمَةٍ؛ فَهِيَ (مِنْحَةُ بَعْدَ مِحْنَةِ)، فقد جَاءَتْ رحلة الاسراء والمعراج منحة وتَكْرِيمًا لِخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَتَسْرِيَةً عَنْهُ ﷺ، بَعْدَ سَنَوَاتٍ من الضيق والشدة، ذَاقَ الرسول صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ الأجلاء خِلَالَهَا أَلْوَانًا مِنَ الِاضْطِهَادِ، وَالْأَذَى وَالتَّكْذِيبِ، فَبَعْدَ أَنْ فَقَدَ الرسول صلى الله عليه وسلم فِي أَيَّامٍ قلائل مِنَ السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْبَعْثَةِ النبوية عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، الَّذِي كَانَ سَنَدًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ، كما في معجم الطبراني: (عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زالت قريش كافة عني حتى مات أبو طالب)، وَفي نفس العام فقد أيضا زَوْجَتَهُ الْعَاقِلَةَ الْحَنُونَ، أُمَّنَا خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- والَّتِي كَانَتْ حِصْنًا وَمَلَاذًا آمِنًا -بَعْدَ اللهِ تعالى- يَلْجَأُ إِلَيْهِا فِي شِدَّتِهِ،
وكانت الشدة الثالثة: حينما ذهب إلى الطائف؛ حيث لم يُقعِده أذى، ولم يؤخِّره بلاء، ولم يَخلد لراحة، ولم يقعد عن بَذْل، ولم يمتنع عن عطاء، فأمَّل النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الطائف ما لم يؤمِّل في أهل مكة، ورجا عندهم ما لم يَرجُه في مكة، فذهب إليهم ومعه زيد بن حارثة، يدعوهم إلى الله، ويأخذهم إلى الحق، فما انفرجت لرؤيته سرائرهم، ولا تقبَّلت لرسالته بصائرهم، ولا تفتَّحت لدعوته قلوبهم، ولم يجد من صغارهم إلا هزءًا، ولم يلقَ مِن صبيانهم إلا صدًّا، ولم يَرَ من كبارهم إلا كفرًا، حتى سلطوا عليه سفهاءهم، فرمَوه بالحجارة، فعاد جريح الجسد، دامي القدمَين، تختلط دموعه بعرقه ودمائه، وفي طريق عودته لم يَجد إلا ربًّا يلوذ به، وإلهًا يَضرع إليه، وخالقًا يَحتمي بحِماه، ويبثُّ إليه شكواه: (اللهمَّ إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّه حيلتي، وهواني على الناس، إلى مَن تَكلني؟، إلى بعيد يتجهَّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكتَه أمري؟، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلَح عليه أمر الدنيا والآخرة؛ من أن ينزل عليَّ غضبُك، أو يحلَّ عليَّ سخطُك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك). وفي الصحيحين: (أَنَّ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»،
فجَاءَتْ حَادِثَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ فَتْحًا بَعْدَ أَنْ وَقَعَ هَذَا كله، بل ولَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، إِلَّا فِي جِوَارِ رَجُلٍ مُشْرِكٍ، وَهُوَ الْمُطْعَمُ بْنُ عَدِيٍّ؛ فَجَفَاهُ النَّاسُ مِنْ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ، فجَعَلَ اللهُ حَادِثَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ بِعَقِبِ هذه الأحداث المؤلمة، ليكون الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ مِنْحَة بَعْدَ مِحْنَةِ، وفرجا بعد ضيق وشدة، ويسرا بعد عسر، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَسْرَى بِنَبِيِّهِ ﷺ بِعَقِبِ ذَلِكَ، ليقول له: إِذَا كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ جَفَوْكَ يَا مُحَمَّدُ؛ فَأَهْلُ السَّمَاءِ يَحْتَفُونَ بِكَ ويكرمونك، وإذا كانت الأرض قد ضاقت به ذرعًا، فقد فتحت له السماء أبوابها سماءً بعد سماء، وإذا كان أهل الأرض قد تنكروا لك ولدعوتك، فإن أهل السماء رحَّبوا بك والتفُّوا حولك، فكان قائدَهم وإمامَهم، وكانت رِحلتا الإسراء والمعراج للقائد، وكانت الصلاة للأمة،
ورحلة الاسراء والمعرج تبين لنا: أنه ما من محنة إلا في طياتها مِنحة، وما من شدة إلا وراءها لله شَدة، وما من عُسر إلا معه يسران، فهذه قوانين ربانية، وقواعد سماوية، وسنن إلهية، يتجلى كل ذلك من رحلتي الإسراء والمعراج؛ حيث تعرَّض المصطفى صلى الله عليه وسلم لشدائد جمَّة، وابتلاءات ضخمة، وامتحانات صعبة، خرج منها أقوى إيمانًا، وأوسع صدرًا، وأثبت يقينًا، وأصلب عودًا، وأعلى همَّة، تُمكِّنه من الصمود في وجه العوادي والنكبات، وتسلِّحُه ضد أهوال الحياة، وتقلبات الدهر.
وهكذا المؤمن: فهو يَخرج من الشدائد أكثر صمودًا، وأقوى عزمًا؛ وَهَذِهِ الْبُشْرَيَاتُ يَحْتَاجُهَا الْمُسْلِمُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، ليكون على يقين أن بعد الشدة والضيق يأتي الفرج، فالطريقَ إلى الله عز وجل محفوف بالمخاطِر، والطريق إلى جنَّته كلُّه أشواكٌ، والله تعالى يسوق الأحداثَ والشدائدَ ليَمِيز الخبيثَ من الطَّيِّب، والمؤمنَ من الكافر، والجاحدَ من الشاكر، والناسي من الذاكر؛ قال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:179]. وقال تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت:1 – 3].
ورحلة الإسراء والمعراج جاء ذكرها في القرآن الكريم في سورتين مكيَّتين “النجم” وهي توضح تفاصيلَ المِعراج، وسورة “الإسراء” وفي مطلعها: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء:1]. فالهدف الأساسي من رحلة الإسراء والمعراج ” لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا ” فيرى ملكوت السماوات والأرض، ويرى الجنة والنار؛ فيزداد يقينا وثباتا، فيتحمل الصعاب، وتزداد عزيمته، وتقوى همته، فستقف جبهات متعددة ضد دعوته العالمية (المشركون العرب واليهود والنصارى والمجوس) كل هؤلاء سيقفون في وجه الدعوة المباركة، فكان لابد من تربية وتهيئة لهذه المرحلة الضخمة المقبلة، ومواجهة كل هذه الجبهات والصعاب، فأراد الله أن يريه آيات السماوات والأرض في هذا الكون، قال تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (13): (18) النجم.
وقال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) الاسراء:60، وفي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ): قَالَ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ). وقد اختلف موقف الناس منها على حسب إيمانهم ،فصاحب الإيمان القوى الراسخ آمن بها، مثل سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) الذي قال “إن كان قال فقد صدق، فإني أصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه في خبر السماء”، ومنهم من ارتد ولم يصدق، فكانت حادثة الإسراء والمعراج تطميناً ومواساة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفتنة للكافرين، وامتحاناً لضعاف الإيمان، الذين زلزل الحادث إيمانهم، فكفروا، وكان في هذه المواقف المتباينة حكم إلهيّة عظيمة، ففي تصديق أبي بكر رضي الله عنه إبرازٌ لأهميّة الإيمان بالغيب، والتسليم له، طالما صحّ فيه الخبر، وفي ردّة ضعفاء الإيمان تمحيصٌ للصفّ الإسلامي من شوائبه، حتى يقوم الإسلام على أكتاف الرّجال الذين لا تهزّهم المحن، أو تزلزلهم الفتن، وفي تكذيب كفار قريشٍ للنبي – صلى الله عليه وسلم – وتماديها في الطغيان والكفر تهيئةٌ من الله سبحانه لتسليم القيادة إلى القادمين من المدينة، وقد تحقّق ذلك عندما طاف النبي – صلى الله عليه وسلم – على القبائل طلباً للنصرة، فالتقى بهم وعرض عليهم الإسلام، فبادروا إلى التصديق والإيمان، ليكونوا سبباً في قيام الدولة الإسلامية وانتشار دعوتها في الجزيرة العربية.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ مِنْحَةُ بَعْدَ مِحْنَةِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الجنّة ونعيمها، وأراه جبريل عليه السلام الكوثر، وهو نهرٌ أعطاه الله لنبيّه إكراماً له، ففي صحيح البخاري: (فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ قَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ)، وفيه أيضا: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى أَعْطَاكَ رَبُّكَ. فَإِذَا طِينُهُ – أَوْ طِيبُهُ – مِسْكٌ أَذْفَرُ»
ووقف النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أحوال المعذبين، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَنَظَرْتُ فَوْقَ – قَالَ عَفَّان فَوْقِي – فَإِذَا أَنَا بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَصَوَاعِقَ – قَالَ – فَأَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ قُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ أَكَلَةُ الرِّبَا. فَلَمَّا نَزَلْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نَظَرْتُ أَسْفَلَ مِنِّي فَإِذَا أَنَا بِرَهْجٍ وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذِهِ الشَّيَاطِينُ يُحَرِّفُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِى آدَمَ أَنْ لاَ يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَرَأَوُا الْعَجَائِبَ».
وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ فَقَالَ هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا. قَالَ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهَا قَالَ بَيْنَا هِيَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ أَبِي قَالَتْ لاَ وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا فَقَالَ يَا فُلاَنَةُ وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِي قَالَتْ نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ وَمَا حَاجَتُكِ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. قَالَ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِداً وَاحِداً إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ».
الدعاء