خطبة عن (تحكيم شرع الله تعالى)
يوليو 29, 2025خطبة عن (احْذَرُوا عِقَابَ اللَّهِ)
يوليو 30, 2025الخطبة الأولى (الْغَدْرُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:91]. وفي الصحيحين: (عَنْ عبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرو بْنِ العاص رضي اللَّه عَنْهُمَا: أنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤتُمِنَ خانَ، وَإِذَا حدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عاهَدَ غَدَر، وَإِذَا خَاصَم فَجر). وفيهما: (عن ابن مسْعُودٍ، وابنِ عُمرَ، وأنسٍ، رضي الله عنهم، قَالُوا: قَالَ النبيُّ ﷺ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يوْمَ القِيامةِ، يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ)، وفي صحيح البخاري: (عنْ أَبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّه تَعَالَى: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعطَى بي ثُمْ غَدَرَ، وَرجُلٌ بَاعَ حُرًّا فأَكل ثمنَهُ، ورجُلٌ استَأجرَ أجِيرًا فَاسْتَوْفى مِنهُ ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ).
إخوة الإسلام
الغدر: هو نقض العهد وعدم الوفاء به، والغادر: هو الذي يواعد على أمر ولا يفي به، وعلى هذا فالغدر صفة ذميمة، وخلق سيئ، يدل على خسة النفس، وحقارتها، فالغدر والخيانة صفتان ذميمتان خسيستان، لا يتصف بهما إلا أحقر الناس، وأضعفهم وأذلهم، فالغادر إذا عجز عن مواجهة خصومه، غدر بهم في الخفاء، وطعنهم من الخلف، وخانهم وهم يأمنونه، ولخسة الغدر والخيانة، وحقارة من اتصف بهما، نهت الشريعة عنهما، محذرة منهما، ففي صحيح البخاري: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»،
فأي شيء أقبح من غدر يسوق إلى النفاق، وقد عدَّ بعض العلماء الغدر من كبائر الذنوب، وكيف لا والغادر خصمه الله تعالى يوم القيامة، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ»، ولهذا كان من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمراء جيشه كما في صحيح مسلم: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا)، والغادر سيفضحه الله تعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة، ففي صحيح مسلم: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ».
فكم أوقع الغدر في المهالك من غادر، وطوَّقه غدره طوق خزي، فهو على فكِّه غيرُ قادر، ومما هو معلوم أن الغادر لا يكاد يتم له أمر، ولا يقبل الله منه عملا ؛ ففي صحيح البخاري: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ،لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ)،
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون الأوائل أروع الأمثلة في الوفاء بالعهد، وعدم الغدر، حتى وإن فوت عليهم بعض المصالح، ففي صحيح مسلم: (قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي – حُسَيْلٌ – قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ «انْصَرِفَا نَفِى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ».
وفي سنن أبي داود: (كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلاَدِهِمْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لاَ غَدْرٌ فَنَظَرُوا فَإِذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَشُدُّ عُقْدَةً وَلاَ يَحُلُّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ». فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ). فما أحوجنا إلى اقتفاء آثارهم، والتحلي بأخلاقهم.
أيها المسلمون
ولأن الغدر والخيانة صفتان مذمومتان، فالله تعالى نهى عنهما، حتى مع من يتوقع منه الغدر والخيانة، فيُنبذ إليه عهده، ولا يُغدر به، قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [الأنفال:58]، وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء:107]، وفي في سنن الترمذي: (عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».
وحين زكى النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب القرون الثلاثة الأولى، بيّن ما يقع بعدهم من انتشار الغدر والخيانة، ففي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». قَالَ عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا «ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ»،
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن صفة الغدر والخيانة من أخلاق الكافرين، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال:55-56]، وقال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71]. وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10]
وقد دل التاريخ القديم والمعاصر على أن أكثر الناس خيانة هم اليهود والكفار، فكثيرا ما عاهدوا ثم غدروا، فجميع طوائف اليهود في المدينة خانت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تف واحدة منها بعهدها مع المؤمنين، فكانت عاقبة خيانتهم القتل والجلاء عن المدينة؛ عقوبة من الله تعالى لهم على غدرهم وخيانتهم، وكفار مكة لما عقدوا الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لم يمكثوا على عهدهم إلا يسيرا حتى نقضوه، فكان فتح مكة مكافأة للمؤمنين على وفائهم، وعقوبة للمشركين على غدرهم وخيانتهم.
أيها المسلمون
وللغدر والخيانة صور متعددة في حياتنا، فمن صور الغدر والخيانة: نقض العهد الذي أخذ الله على بني آدم، يقول سبحانه: “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ” [الأعراف:172-173]. ومن صور الغدر والخيانة: نقض العهد الذي أخذه الله على النبيين وأتباعهم، أن يؤمنوا بهذا النبي، وأن ينصروه، قال تعالى: “وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” [آل عمران:81-82].
ومن صور الغدر والخيانة: خلف الموعد بأن يعطي موعدًا، وفي نيته عدم الوفاء، أما إذا أعطى موعدًا، وفي نيته الوفاء، ولم يفِ لأمر خارج عن إرادته، فلا يعدُّ ذلك نقضًا. ومن صور الغدر والخيانة: نقض الحكام ونوابهم ما عاهدوا الله عليه حين بويعوا على العمل لصالح الرعية، وفق منهج الله، فيكون سيفًا مصلتًا على رقاب العباد، ومن صور الغدر والخيانة: تفريط المرء في عمله، فمن فرَّط فقد خان، ومن صور الخيانة: قلب الحقائق، وتزوير الأقاويل، وهذا كثير في أهل الإعلام إلا الناصح منهم، ومنها: خيانة الأمة في أموالها، والغلول منها، وعدم دفعها لأهلها المستحقين لها، فعندما يوكل إليك شيئًا من أمور المسلمين، ثم تقصر فيه، ولا تقوم بما أوجب الله عليك ،من البذل والنصح، فإنك تكون خائنًا لدينك وأميرك وبلدك وللمسلمين جميعا، فهم خصومك يوم القيامة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الغدر)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وللغدر آثار سيئة وعواقب وخيمة، ومن أبرز هذه الآثار وتلك العواقب: الغواية والضلال: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 26-27]. ومن الآثار السيئة للغدر: قسوة القلب: قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [المائدة:13-14].
ومن الآثار السيئة للغدر: ضياع المروءة، وذهاب الهيبة، وتسليط الأعداء: قال تعالى: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح:10]. ومن الآثار السيئة للغدر: حلول اللعنة على الغادر من الله، والملائكة، والناس أجمعين، وكذلك الانتظام في سلك المنافقين، والفضيحة على رؤوس الأشهاد، فالله تعالى لا يُوقف عقابه للغادرين في الدنيا، بل يضمُّ إلى ذلك عقاب الآخرة، وأوَّله الفضيحة على رؤوس الأشهاد، وما أعظمه وما أشده من عقاب، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الْغَادِرَ يَنْصِبُ اللَّهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ أَلاَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ». وفي رواية للبخاري: (عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلاَّ كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ)،
ويشمل الغَدر المتوعد عليه، كُلّ من ائتمنك على دمٍ، أو عِرضٍ، أو سِرٍّ، أو مالٍ، فخنْتَه فيه، فقد غَدرته، فكيف بمن غدر بالإسلام والمسلمين.
الدعاء