خطبة عن (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)
نوفمبر 25, 2024الخطبة الأولى (الْقَرِينُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (36): (39) الزخرف، وقال تعالى: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (23): (29) ق، وقال تعالى: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (50): (57) الصافات
إخوة الإسلام
القرين: هو الصاحب والملازم والمقارن للشخص، ولا يفارقه لحظة، من ولادته وحتى مماته، وعلى هذا المفهوم للقرين، فإن لكل إنسان قرينين، قرين من الملائكة، وقرين من الجن،
فالقرين من الملائكة: هو الذي يأمر الإنسان بالخير، (وهو بخلاف القرين الموكل بحفظ الإنسان)، والوارد ذكره في قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد:11، إنما القرين من الملائكة: هو الموكلٌ بإرشاد الإنسان بإذن ربه إلى أعمال الخيرات، ويكون عونا له على فعل الطاعات.
وأما القرين من الجن: فهو الذي يأمر الإنسان بالشر، وهو شيطان يسلطه الله -تبارك وتعالى- على الإنسان، فيأمره بالفحشاء، وينهاه عن المعروف، كما قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ) البقرة:268، فوظيفة القرين من الجن: أن يقوم بالوسوسة لبني آدم، بترك الطاعات، وارتكاب المعاصي والموبقات، قال تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) الاسراء (64)، وقرين الجن: هو أحد شياطين الجن، يوكل بالإنسان، ليدفع به إلى المعاصي لإغوائه وإضلاله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ [النساء:38]، وقال تعالى: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ [فصلت:25]
وأما إن كان قلب الانسان عامراً بذكر الله، ومطمئنا بالإيمان، فليس للقرين والشيطان سلطان عليه، قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) الاسراء (65)، وقال تعالى: (وَإِمّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللَّـهِ إِنَّهُ سَميعٌ عَليمٌ) الاعراف :200.
والدليل والشاهد على أن الإنسان له قرينان من الملائكة وشياطين الجن: ما رواه الترمذي في سننه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)»،
يقول شراح الحديث: (“إنَّ للشَّيطانِ”، وهو إبليسُ وجُندُه، “لِمَّةً” أي: هِمَّةً وإصابةً، وخاطِرًا وقُربًا، “بابنِ آدمَ”، يقَعُ في قلبِه، “وللمَلَكِ” مِن الملائكةِ، “لِمَّةً”، أي: همَّةً وخاطرًا وإصابةً تقَعُ في قلبِ العبدِ، “فأمَّا لِمَّةُ الشَّيطانِ”، أي: بابنِ آدمَ، “فإيعادٌ”، أي: وعيدٌ، “بالشَّرِّ”، أي: الكُفرِ والفُسوقِ والعِصْيانِ، “وتكذيبٌ بالحقِّ”، أي: الشَّرعِ والدِّينِ والإيمانِ، “وأمَّا لِمَّةُ الملَكِ”، أي: بابنِ آدمَ، “فإيعادٌ”، أي: وعدٌ، “بالخيرِ”، أي: الطَّاعةِ، “وتصديقٌ بالحقِّ”، أي: إيمانٌ باللهِ تعالى وملائكتِه وكُتبِه ورُسلِه واليومِ الآخِرِ، والوعدِ مِن الرَّحمنِ بالجِنانِ؛ “فمَن وجَد”، أي: أحَسَّ وأدرَك في نفْسِه وقلبِه، “ذلك”، أي: لِمَّةَ الملَكِ، “فَلْيَعلَمْ”، أي: العبدُ الَّذي أصابَتْه لِمَّةُ الملَكِ، “أنَّه مِن اللهِ”، أي: مِن فَضلِه ومَنِّه ونِعَمِه على عبدِه، “فَلْيحمَدِ اللهَ”، أي: يَشكُرْه على نِعَمِه بالتَّزامِ تلك الطَّاعةِ، “ومَن وجَد الأخرى”، أي: أحَسَّ وأدرَك لِمَّةَ الشَّيطانِ وخاطِرَه، “فَلْيتعوَّذْ باللهِ”، أي: يَلجَأْ ويَحْتَمِ بذِكْرِ اللهِ تعالى، “مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ”، ويُخالِفْه فيما أمَره به)،
قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنه: “ثمَّ قرأ”، أي: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]، أي: الشَّيطانُ وحِزبُه يُخوِّفُكم بالفَقرِ والحاجةِ إذا أنفَقتُم، ويَأمُرُكم بالبخلِ، والحِرصِ والمعاصي والمآثمِ، وما حرَّم اللهُ عزَّ وجلَّ، واللهُ سبحانه برَحمتِه يَعِدُكم بالمغفرةِ والزِّيادةِ منه سبحانه؛ لأنَّ رحمتَه وقُدرتَه واسعةٌ لا حُدودَ لها، وهو سبحانه يَعلَمُ ما أنتم عليه).
وقال ابنُ باز: (كُلُّ إنسانٍ مَعَه قَرِينٌ مِنَ المَلائِكةِ، وقَرِينٌ مِنَ الشَّياطينِ؛ فالمُؤْمِنُ يَقهَرُ شَيطانَه بطاعةِ اللهِ، والِاستِقامةِ على دينِهِ، ويُذِلُّ شَيطانَه حَتَّى يَكونَ ضَعيفًا، لا يَستَطيعُ أن يَمنَعَ المُؤْمِنَ مِنَ الخَيرِ، ولا أن يَوقِعَه في الشَّرِّ، إلَّا ما شاءَ اللهُ، والعاصي بمَعاصيه وسَيِّئاتِه يُعِينُ شَيطانَه، حَتَّى يَقْوى على مُساعَدَتِه على الباطِلِ، وتَشجيعِه على الباطِلِ، وعلى تَثبيطِه عَنِ الخَيرِ. فعلى المُؤْمِنِ أن يَتَّقِيَ اللهَ وأن يَحرِصَ على جِهادِ شَيطانِه بطاعةِ اللهِ ورَسولِه والتَّعوُّذِ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ)
ومن هذا نعلم أن القرينين يجاوران الإنسان، فالمَلَك يرغبه بالخير ويأمره به، والجن يرغبه بالشر ويأمره به، وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ». قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «وَإِيَّايَ إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ»، وفي رواية له: (أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ «مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ». فَقُلْتُ وَمَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَمَعِيَ شَيْطَانٌ قَالَ «نَعَمْ». قُلْتُ وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَالَ «نَعَمْ». قُلْتُ وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «نَعَمْ وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ»،
فعندما أخرج الله -تعالى- إبليس من الجنة، وطرده الله من رحمته، طلب إبليس من الله أن يسلطه على ابن آدم، فأصبح إبليس وذريته من الشياطين مسلطين على الإنسان، فلا يولد ولد من الإنسان إلا وله قرين من الجن، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
فعندما يقوم قرين الشيطان بحث الإنسان على ارتكاب المعصية، يقوم قرين الملائكة بتذكيره بالخير، ويحثه عن الابتعاد عن المعصية، وتقوى الله -تعالى-، فإن ندم الإنسان على فعل المعصية، إنما هو بدافع القرين الملك، الذي سخره الله -عز وجل- للإنسان. وإذا تعوذ المسلم من الشيطان، أو اشتغل بالذكر، انخنس الشيطان وتأخر عنه، فوقاه الله شره ووسوسته في ذلك الوقت، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإستعاذة بالله من همزات الشياطين، وحضورهم، قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) [المؤمنون:97-98]. ومن حديث أنس رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله تعالى خنس، وإن نسي الله التقم قلبه). أخرجه أبو يعلى في مسنده، والبيهقي في شعب الإيمان. ومعنى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني، ودنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفّه عن الإنسان إلا الله؛ ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته، بإسداء الجميل إليه؛ ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجنّ؛ لأنه لا يقبل رشوة، ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه.
وروى الإمام أحمد في مسنده: (عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَمَّنْ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ كُنْتُ رَدِيفَهُ عَلَى حِمَارٍ فَعَثَرَ الْحِمَارُ فَقُلْتُ تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ تَعِسَ الشَّيْطَانُ تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي فَإِذَا قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنْ ذُبَابٍ»، فالشيطان يلتقم قلب العبد، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، وفي الصحيحين: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَقَالَ «يَا فُلاَنُ هَذِهِ زَوْجَتِي فُلاَنَةُ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْقَرِينُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فقرين الشيطان يقترن بابن آدم، ويسعى جاهداً ليضله عن سواء السبيل، ولا يمكن للمسلم أن يسيطر على قرينه، لأن الله سبحانه جعل ذلك ابتلاءً للعبد، ليعلم المؤمن من غيره، فعلى المسلم مدافعة هذا الشيطان، وهذا القرين تارة يوسوس بالشر، وتارة ينسي الخير، قال تعالى: (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [يوسف:42]، وتارة يعدُ ويُمَنِّي، قال تعالى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء:120]، وتارة يقذف في القلب الوسوسة المرعبة، قال سبحانه: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) [آل عمران:175]،
قال ابنُ عُثَيمين: (القَرِينُ هوَ الشَّيطانُ مُسَلَّطٌ على الإنسانِ بإذْنِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، يَأمُرُه بالفَحْشاءِ ويَنْهاه عَنِ المَعروفِ، ولَكِنْ إذا مَنَّ اللهُ سُبْحانَه وتعالى على العَبدِ بقَلبٍ سَليمٍ، صادِقٍ مُتَّجِهٍ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، مُريدٍ للآخِرةِ، مُؤْثِرٍ اللَّهَ على الدُّنيا؛ فإنَّ اللهَ تعالى يُعِينُه على هَذا القَرينِ حَتَّى يَعجِزَ عَن إغوائِه؛ ولذلك يَنبَغي للإنسانِ كُلَّما نَزغَه مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ أن يَستَعِيذَ باللَّهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، كما أمرَ اللهُ؛ فإذا أحسَسْتَ من نَفسِكَ المَيلَ إلى تَركِ الطَّاعةِ، فذلك مِنَ الشَّيطانِ، أوِ المَيلَ إلى فِعلِ المَعصيةِ فهَذا مِنَ الشَّيطانِ؛ فبادِرْ بالِاستِعاذةِ باللَّهِ مِنه يُعيذُكَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مِنه).
الدعاء