خطبة عن (كَلِمَةُ الْحَقِّ)
يونيو 17, 2019خطبة عن قوله تعالى (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
يونيو 22, 2019الخطبة الأولى ( الْقُدْوَةُ والأُسْوَةُ الصالحة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الاحزاب ، وقال الله تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) (4) الممتحنة
إخوة الإسلام
من المعلوم أن القدوة والأسوة على ضربين : أحدهما : قدوة وأسوة حسنة صالحة ومصلحة ، والأخرى : قدوة وأسوة سيئة فاسدة ومفسدة ، أما القدوة والأسوة الحسنة فقد عُرِّفت بأنها: “إحداث تغيير في سُلُوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه، عن طريق القدوة الصالحة؛ وذلك بأن يتَّخذ شخصًا أو أكثر يتحقَّق فيهم الصلاح؛ ليتشبَّه به، ويُصبح ما يطلب من السلوك المثالي أمرًا واقعيًّا ممكنَ التطبيق” والقدوة والأسوة الحسنة من الأمور المهمة جدًّا في حياة البشرية، فالقدوة الحسنة هي الركيزة في المجتمع، وهي عامل التحوُّل السريع الفعَّال، فالقدوة عنصر مهم في كلِّ مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين، فهم في أمَسِّ الحاجة للاقتداء بالنماذج الحيَّة، كيف لا وقد أمرَ الله نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بالاقتداء، فقال الله تعالى : ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]. وتشتدُّ الحاجة إلى القدوة الحسنة كلَّما بَعُد الناس عن الالتزام بقِيَم الإسلام وأخلاقه وأحكامه ، كما أنَّ الله – عزَّ وجل – حذَّر من مخالفة القول الفعلَ الذي ينفي كون الإنسان قدوة بين الناس، فقال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2 – 3]. ودين الإسلام دين القدوة، وأصحاب الهِمم العالية هم الذين يسعون ليكونوا قدوة حسنة، وأعظم قدوة في الإسلام هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،وعلى رأسهم نبيُّنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولذلك جعَله الله لنا أُسوة وقدوة، بل وأمرنا بذلك، فقال الله تعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. فالقُدوة الحسنة هي المحرِّك والدافع للإنسان للارتقاء بالذات، فمَن جعَل له قدوة عظيمة في صفاته، فلا بدَّ أن يتأسى به في كلِّ صفاته، فالقدوة المؤثرة مثال حي للارتقاء في درجات الكمال، فهو دائمًا يطلب الكمال ويطلب المعالي، فهو بذلك مثارٌ للإعجاب والتقليد من الناس؛ لأن التأثُّر بالأفعال والسلوك أبلغُ وأكثر من التأثر بالكلام والأقوال، يقول سيِّد قطب : “كانت سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحياته الواقعيَّة – بكلِّ ما فيها؛ من تجارب الإنسان، ومحاولات الإنسان، وضَعف الإنسان، وقوة الإنسان – مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية، مُرتقية بها خُطوة خطوة؛ كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه، فكانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة، يراها ويتأثر بها مَن يريد القدوة الميسرة، العملية الواقعيَّة، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات”
فالقدوة لها دورٌ كبير في إعلاء الهِمم وإصلاح المسلمين، فمَن كان عالي الهِمَّة ،اقتَدى به غيره، فأصلَح نفسه ،وأصلَح غيره ، يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ الفرقان: 74 ، ففي هذه الآية يريد الله عز وجل من المسلمين التطلُّع للأفضل وإلى أعلى المقامات، فلَم يقل الله سبحانه : (واجعَلنا في المتقين)ولكن (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ )، ففيها تربية للمؤمنين على الهِمَّة العالية، وأن يكونوا مثل إبراهيم عليه السلام ، يطلب إمامةَ المتقين؛ يقول شيخ الإسلام: “أي: فاجْعَلنا أئمَّة لِمَن يَقتدي بنا ويأْتَمُّ، ولا تَجعلنا فتنة لمن يضلُّ بنا ويشقى” ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: “أي: أَوْصِلنا يا ربَّنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصِّديقين والكُمَّل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتَّقين في أقوالهم وأفعالهم، يُقتدى بأفعالهم، ويُطمَأَنُّ لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم، فيهدون ويهتدون؛ ولهذا لما كانت هِممهم ومطالبهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات، فقال الله تعالى : ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ [الفرقان: 75].
أيها المسلمون
والشباب المسلم في أمة الإسلام يعانون اليوم وفي هذا الزمان من أمر خطير، ألا وهو افتقاد القدوة الصالحة، علما بأن التربية بالقدوة هي أعلى آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات ، وفعل رجل في ألف رجل ، خيرٌ من قول ألف رجل في رجل. فالمربي الذي يخالف فعله قوله واهمٌ في اعتقاده أنه يربي.. بل هو يهدم، وإن كانت كلماته هي كلمات البناء؛ قال الله تعالى : {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]. فكيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم التدخين -مثلاً- والسيجارة لا تفارق يده؟ أو كيف يأمرهم بحسن معاملة الجار وهو في شجارٍ دائم مع جيرانه؟ أو كيف يأمرهم بحفظ اللسان ،وهو يتناول كل من حوله بالسباب والشتائم؟ أو كيف يأمرهم بالحلم ، وهو دائما غضبان؟ أو بالكرم ، وهو بخيل شحيح؟! كيف؟! وكيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في تلاميذه الرحمة ،وهو يستنزف أموالهم في الدروس الخصوصية، في حين لا يعطي لدروس المدرسة أو الجامعة حقها؟!.. وكيف يمكن له أن يربي تلامذته على الحرص على المال العام والأمانة في العمل ،وهو لا ينضبط في دروسه، بل ويترك بعضها، ويُهمل في أخرى، وينام في ثالثة، ويلعب في رابعة؟! وكيف يمكن لحاكم أو شرطي أن يأمر الشباب بعدم العنف ،وترك الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف ، وبطش وإرهاب مع عموم الشعب؟! فكيف يمكن أن تكون هناك تربية بغير قدوة؟! ، ورأس الأمر في القدوة والأسوة الحسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا، يقول عبدالواحد بن زياد: “ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه”. ولما نبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه وقال: “إني اتخذت خاتماً من ذهب” فنبذه وقال: “إني لن ألبسه أبداً” ، فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
أيها المسلمون
لقد افتقد الشباب المسلم إلى القدوة الصالحة في كثير من الأحيان.. ومن هو بديل القدوة عند الشباب الآن؟! ، فليراجع كلٌّ منا نفسه، وليراقب قدوة ابنه أو أخيه أو نفسه.. من هو القدوة؟! ، فبعض الشباب المسلم يتخذ قدوته فنّانًا ماجنًا أقرب إلى النساء منه إلى الرجال..! ، وبعضهم يتخذ قدوته لاعبًا أنفق زهرة شبابه في اللعب، وقد يكون هذا اللاعب غير مسلم أصلاً، ويصبح حلم حياة الشاب، وهدف عمره أن يصبح لاعبًا مثله، أو حتى يحصل على توقيع من هذا اللاعب القدوة ، وبعض الشباب المسلم يتخذ قدوته مليونيرًا فاسدًا سرق أموال البلاد والعباد، أو مسئولاً مرتشيًا تسلق على أكتاف الشعب إلى درجات عالية ما يستحق معشارها.. وبعض الشباب المسلم ( للأسف ) يتخذ قدوته زعيمًا ماركسيًّا، أو قائدًا ملحدًا، أو أديبًا فاسقًا، من الشيوعيين ،أو النصارى ، أو اليهود ،أو الهندوس ، أو بغير ملة أصلا ،والقليل القليل من الشباب المسلم من يتخذ قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم!، مع أن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز بوضوح : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. ومن العجب أن ترى هذا الشاب المسلم الذي يسير برفقة فتاة لا يحلّ له أن يختلط بها ، ثم يقول لك: قدوتي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!. وهذا الذي يمسك بيده سيجارة ، أو من يلقي بالنكات الماجنة ليُضحِك بها الحاضرين ثم يقول لك: قدوتي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!..
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الْقُدْوَةُ والأُسْوَةُ الصالحة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة ليس بعيدًا عن أيدينا.. والله عز وجل قد حفظ لنا سنته وطريقته ومنهاجه، والله عز وجل قد يسّر لنا من الدعاة والمربين من يتحدث عنه، ويصف أفعاله، ويشرح طريقته.. نعم كثيرًا ما يُضيَّق على هؤلاء العلماء، ولكنهم -بفضل الله- ما زالوا يتكلمون.. وهذا في كل قُطْر إسلامي، وفي كل مدينة، وفي كل شارع، وفي كل مسجد أو جامعة أو نادٍ أو عمل.. في كل مكان ستجد من يتكلم ويعلّم.. لكن المهم في المقام الأول أن يريد الشاب أن يتعلم ، فلن تعجز أبدًا أن تصل إلى قدوة الرسول صلى الله عليه وسلم.، ولن تعجز أبدًا أن تصل إلى قدوة الصحابة -رضي الله عنهم- أو قدوة الصالحين.. فبيت القصيد أن تبدأ في البحث عن قدوة صالحة، والتاريخ الإسلامي زاخر بالقدوات الصالحة.. كما أن الواقع الذي نعيشه ليس خاليًا من القدوات.. والرموز الطيبة التي جمعت بين التمسك ، بالإسلام في العبادات والشعائر ، وبين الحياة بالإسلام في كل صغيرة وكبيرة موجودة، بل كثيرة بفضل الله.. وليس في بلد واحد، بل في كل بلاد المسلمين، وليس في مجال واحد، بل في كل مجالات الحياة.. في الدعوة والشريعة، وفي الطب والهندسة، وفي الكيمياء والفلك، وفي الزراعة والصناعة، وفي التجارة والاقتصاد، وفي الكبار والصغار، وفي الرجال والنساء، وفي المتعلمين وغير المتعلمين.. فالقدوات الصالحة التي عضّت على دينها بالنواجذ، وتمسكت بشرع ربها، لن تنعدم أبدًا من أمة الإسلام، والخير لا ينقطع أبدًا في هذه الأمة، وإلى يوم القيامة، بشرط أن يبحث الشاب عن قدوته في المكان الصحيح، وبالطريقة الصحيحة..وليس المهم في القدوة هو المنصب والمظهر والمكانة الاجتماعية والوضع الاقتصادي والبريق الإعلامي، إنما المهم حقيقة هو الدين والخُلق والعمل والجدية. فيا شباب الإسلام، لا تسيروا دون إرادة ولا تفكير وراء أي قدوة.. فقدوتك لا تحدِّد فقط مصيرك في دنياك، بل تؤثر -وبصورة أكبر- على آخرتك.
الدعاء