خطبة عن (مؤمنات عفيفات في زمن المغريات
يناير 13, 2018خطبة عن (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ في زمن الغربة والبهتان)
يناير 13, 2018الخطبة الأولى ( الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه :(عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ).
إخوة الإسلام
إن العلاقة بين المؤمنين هي علاقة تكامل وتعاضد وترابط ، وفي هذا الحديث المتقدم تصوير حسي وتوضيح لهذا المعنى بصورة حية ظاهرة، يدركها كل أحد، فهي تقرب المعنى المعقول بالصورة المحسوسة، فالمؤمن في علاقته بأخيه المؤمن كعلاقة البنيان بعضه بجانب بعض ، ويشد كل منها الآخر ، ولا يسمى البنيان بنيانا إلا إذا تماسك وترابط بعضه ببعض، وكذلك المؤمن لا يستقل بأمور دينه ولا بأمور دنياه، ولا تقوم مصالحه على الوجه المطلوب إلا بالمعاونة، والمعاضدة بينه وبين إخوانه، فإذا لم يحصل هذا ،وانشغل كل واحد بنفسه ، فإن ذلك مؤذن بتفكك مجتمع المسلمين ، وضياع مجدهم ، وضعف دينهم ، وفي الحديثِ السابق يحثّ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين على أن يكون المؤمنُ خيرَ معينٍ لأخيه المؤمنِ في تقويتِه وإعانتِه ونصرتِه، وإكمالِ نقصِه إذا رأى منه عيباً أو تقصيراً أو خطئاً، ويساعدُه إذا احتاج، ويعودُه إذا مرض، ويفرِّجُ عنه ويُعينهُ إذا ضاقتْ بهِ الكروبُ والمحنُ والابتلاءاتُ. فالمؤمن إذا ألمت به حاجة ، ويريد مساعدة من إخوانه ، فعليهم أن يقضوا حاجته، وإن كانت امرأة أرملة لا تجد أحداً يقف معها فلابد أن يقف معها الناس، وهؤلاء الأولاد اليتامى ربما يضيعون ويتيهون مع أقران السوء، إن لم يجدوا من يكفلهم ، فعلى المؤمنين أن يقوموا على مصالحهم إذا غاب من يرعى هذه الأسرة، وفي صحيح البخاري (عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِى الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى . وفي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ احْتَكَرَ طَعَاماً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى » ، وفيه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ أَوْ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »
أيها المسلمون
وكلما كانت معاني الإخوة والإيمان حية في النفوس ،كلما كانت هذه الروابط أقوى، ولذلك فإن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- تركوا كل شيء لإخوانهم من المهاجرين، فهذا عبدالرحمن بن عوف يأتي من مكة ليس معه إلا إزاره، فيؤاخي النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فيعرض عليه نصف ماله ، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَآخَى النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىِّ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِى أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، دُلَّنِى عَلَى السُّوقِ .فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ، فَرَآهُ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ . قَالَ « فَمَا سُقْتَ فِيهَا » . فَقَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ » ، فهذه الرابطة لم تكن مجاملات ولا جاءت عن فراغ، بل كانت نتيجة لتربية إيمانية عالية.
ولما جاء المهاجرون وهم ليسوا من مكة فقط، بل من كل القبائل المحيطة بالمدينة، وكانوا أكثر من الأنصار، ثم فتحت قريظة، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، الأنصار، وفي البداية قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن المهاجرين ليسوا بأهل زرع، وأنتم أهل زرع، فبدلاً من أن تقاسموهم الأرض والثمر ستكون هناك قسمة أخرى، تبقى الأصول لكم، والثمر بينكم، بحيث لا يشتغلون معكم، فتنفردون بالعمل أنتم لأنكم أهل زرع، فكانت القسمة بهذه الطريقة، ثم لما فتحت النضير جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار وخيرهم بين أمرين قال لهم: إما أن يبقى المهاجرون في أرضكم يقاسمونكم الأموال كما كانوا في السابق، وأقسمها بينكم -أي أرض النضير المليئة بالزروع والعقارات والدور-، أو أنهم يخرجون من أرضكم وأقسمها بينهم خاصة، قالوا: لا يا رسول الله، يبقون في أرضنا وتقسمها بينهم دوننا، إنها تربية عالية، وهكذا فعل الإيمان بهذه النفوس، فهؤلاء الأنصار من الأوس والخزرج الذين كانوا يقتتلون لربما أكثر من أربعين سنة على أشياء تافهة، وفي غاية الحسد، والبغضاء والشحناء يتحولون إلى هذا المستوى، وهذه لم تكن مجاملات، ليس أحد أعلم من الله -عز وجل- بخبايا النفوس، وتكفي تزكية الله -عز وجل-لهم حيث قال الله تعالى في محكم آياته:{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] ،فهم لا يجدون حسداً مما أوتوا، أي مما أوتيه المهاجرون دونهم، “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”، والخصاصة هي شدة الحاجة والانفراد بها، أي يختص بها، وسبب ذلك أن الله وقاهم شح أنفسهم، قال الله تعالى : {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، فهم أي الصحابة-رضي الله عنهم- ((كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) لا يضيع الضعيف ولا الفقير في مجتمعهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا) ،قال ابن بطَّال: (تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا في أمور الدُّنْيا والآخرة مندوبٌ إليه بهذا الحديث) ،وقال أبو الفرج ابن الجوزي: (ظاهره الإخبار، ومعناه الأمر، وهو تحريضٌ على التَّعاون) ،وقال ابنُ حجرٍ رحمه الله: ” وهو بيانُ وجهِ الشبهِ، أي يشدُّ بعضُه بعضاً مثلَ هذا الشدِّ، فالغرضُ من تشبيكِ أصابعهِ التمثيلُ وتصويرُ المعنى في النفسِ بصورةِ الحسِّ ، ومثلُ ذلك كالأصابعِ المتفرقةِ تكونُ ضعيفةً، فإذا اشتبكتْ قويتْ، والمؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يُمسِكُ بعضُه بعضاً، ويشدُّ بعضُه بعضاً. فالمؤمنُ كالبنيانِ لا يستقلُّ بأمورِ دينهِ ودنياه، ولا تقومُ مصالحُه إلا بالمعاونةِ، والمعاضدةِ بينه وبين إخوانِه، فإذا لم يحصلْ هذا وانشغلَ كلُّ واحدٍ بنفسِه فإنَّ ذلك مؤذنٌ بتفككِ المجتمعِ والأمةِ، وكم رأينا كثيراً من المشكلاتِ التي تشيبُ لها المفارقُ، ولا تقومُ الجبالُ لحملهَا، ولربما عجز الناسُ عن حلِّها، والسببُ هو تفرقُ الناسِ واستغناءُ بعضهِم عن بعض. وفي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ، وكلما كانتْ معاني الإيمانِ حيًّة في النفوسِ كانتْ هذهِ الروابطُ أقوى، ولذلك فإنَّ أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصارِ وقفوا مع إخوانِهم المهاجرين وقفةً إيمانيةً صادقةً لما تركوا أهليهم وديارهَم وأموالَهم من أجلِ دينِ الله.
الدعاء