خطبة عن ( مع المشتاقين للجنة )
أكتوبر 26, 2024خطبة عن (المرأة المسلمة)
أكتوبر 29, 2024الخطبة الأولى (الْوَسِيلَةُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (35) المائدة، وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (57) الاسراء، وفي الصحيحين: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفي رواية مسلم: (ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ».
إخوة الإسلام
من معاني الوسيلة: القربة الموصلة إلى رضا الله تعالى، فكل ما يتقرب به العبد إلى ربه، فهو وسيلة إلى رضاه، وقال قتادة: (أي: تقربوا إلى الله تعالى بطاعته، والعمل بما يرضيه)، فالوسيلة: هي كلمة جامعة لكل عمل صالح، يتقرب به العبد إلى الله تعالى، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) [المائدة:35]، فالصلاة قربى إلى الله ووسيلة، والذبح لله وسيلة، والصوم وسيلة، والصدقات وسيلة، وذكر الله وقراءة القرآن وسيلة، فابتغوا أيها المؤمنون القرب إلى الله بطاعته، والتمسوها وابتغوها واطلبوها أينما كنتم، بما شرع الله لكم، من صلاة، وصوم، وصدقات، وغير ذلك، فالرسل جميعا، وأتباعهم كافة، يتقربون إلى الله تعالى بالوسائل التي شرعها سبحانه.
والوسيلة أيضا: هي أعلی درجةٍ في الجنّة، وينالها رجل واحد، وهو النّبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». ويقول ابن القيم: (ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبودية لربه, وأعلمهم به, وأشدهم له خشية, وأعظمهم له محبة, كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله, وهي أعلى درجة في الجنة, وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يسألوها له, لينالوا بهذا الدعاء الزلفى من الله وزيادة الإيمان)،
ومن المؤسف أن بعض الناس فهم أن الوسيلة هي التعلق بالأموات، والاستغاثة بالأولياء، والنذر لهم، وهذا خطأ، وفهم باطل، وهذا هو اعتقاد المشركين الذين قال الله فيهم: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) [يونس:18]، فالمشركون يدعون الأموات، ويستغيثون بالجن والملائكة، ويدعون أنهم وسائلهم إلى الله تعالى، وهذا شرك وضلال، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3]، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر:3] فسماهم كذبة كفرة، كذبة في قولهم أنها تقرب من الله، وكفرة في قولهم: إن الله أمرهم بهذا ،فالله سبحانه لم يأمر بهذا، وهي لا تقربهم ولا تدنيهم من الله، بل تبعدهم من الله، ومن رحمته، والله تعالى يقول: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر:2]، وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة:5]، وهذا معنى لا إله إلا الله، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [محمد:19].
أيها المسلمون
ومن معاني الوسيلة: أنها السبب الموصل إلى المطلوب برغبة، وهي تنقسم إلى قسمين: وسيلة كونية، ووسيلة شرعية، فأما الوسيلة الكونية: فهي كل سبب طبيعي، يوصل إلى المقصود، بخلقته التي خلقها الله بها، ويؤدي إلى المطلوب بفطرته التي فطره الله عليها، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر من غير تفريق، ومن أمثلتها: الماء: فهو وسيلة إلى ريّ الإنسان، والطعام: وسيلة إلى شبعه، واللباس: وسيلة إلى حمايته من الحر والقر، والسيارة :وسيلة إلى انتقاله من مكان إلى مكان، وهكذا. وأما الوسيلة الشرعية: فهي كل سبب يوصل إلى المقصود، عن طريق ما شرعه الله تعالى، وبينه في كتابه وسنة نبيه، وهي خاصة بالمؤمن المتبع أمر الله ورسوله. ومن أمثلتها: النطق بالشهادتين – بإخلاص وفهم – وسيلة إلى دخول الجنة، والنجاة من الخلود في النار، وإتباع السيئة الحسنة وسيلة إلى محو السيئة، وقول الدعاء المأثور بعد الأذان، وسيلة إلى نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلة الأرحام وسيلة لطول العمر، وسعة الرزق، وهكذا. فهذه الأمور وأمثالها إنما عرفنا أنها وسائل تحقق تلك الغايات، ويشترط في ذلك: أن يكون التوسل به مشروعاً، وذلك لا يعرف إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة، وثانيهما: أن يكون التوسل بسبب كوني صحيحاً يوصل إلى المطلوب… أما عن أنواع التوسل المشروع فهي: التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العليا: كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني. أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي. ومثله قول القائل: اللهم إني أسألك بحبك لمحمد صلى الله عليه وسلم. فإن الحب من صفاته تعالى. ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأعراف:180، والمعنى: ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى. ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب، ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} النمل:19، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي: (كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الإِخْلاَصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ». وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي).
ومن أنواع التوسل المشروع: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي: كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي، فهذا توسل جيد، قد شرعه الله تعالى وارتضاه، ويدل على مشروعيته، قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آل عمران:16، ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار، ففي صحيح البخاري: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ …. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ» الحديث
ومن أنواع التوسل المشروع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح: كأن يذهب المسلم إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة، فيطلب منه أن يدعوا له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه، فهذا توسل مشروع، دلت عليه الشريعة المطهرة، فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَدَيْهِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قَالَ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، قَالَ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَفِى الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِى يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَدَيْهِ وَقَالَ «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا». قَالَ فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلاَّ تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي – وَادِى قَنَاةَ – شَهْرًا. قَالَ فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ)، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا . قَالَ فَيُسْقَوْنَ)، فمعنى قول عمر: (أننا كنا نقصد نبينا صلى الله عليه وسلم، ونطلب منه أن يدعو لنا، ونتقرب إلى الله بدعائه، والآن وقد انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا، فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس، ونطلب منه أن يدعوَ لنا)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْوَسِيلَةُ والتوسل)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان موضوع الوسيلة والتوسُّل قد اشتد الخلاف فيه في هذا الزمان، فإن الحد الذي يجب أن نقف عنده جميعًا هو: الاعتقاد بوحدانية الله تعالى، لا شريك له في مُلْكِه، وهو الخالق والرازق والنافع والضار، وإليه يُرجع الأمر كلُّه، وكلُّ شيء يَمَسُّ هذه الوَحْدَانية ممنوع. والاتجاه بالعبادة إليه وحده، لا نُشْرِك به أحدًا فيها، كما قال سبحانه (إياك نَعْبُدُ وإيَّاك نَسْتَعِين) (الفاتحة:5)، وقال تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًا إلا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ومَا مَسّنيَ السُّوء إنْ أنَا إلا نَذِير وَبشِير لِقَوْم يُؤْمِنون) (الأعراف:188). وأيضا: الإيمان بأن الله يُكرِّم من يشاء من عباده، بما يشاءُ من فضله، ومن أنواع هذا الإكرام قبول دعائه، والاستجابة له، كما قُبِلَ: دعاءُ المرسلين بتحقيق الخير لهم، أو دفع الشر عنهم، ومن ذلك ما ورد عن دعاء نوح بنصره على من كذَّبه، ونجاته ومَن معه من الغرق، وأيوب بكشف الضر عنه، ويونس بنجاته من بطن الحوت، وزكريا بطلب الذُّرية، ودعاء إبراهيم وإسماعيل بأمْن البلد الحرام والحج إليه، وبعث رسول في الأمة المسلمة من ذريتهما.
وأيضا: الإيمان بأنَّ الله قادرٌ على أن يَخْرق العادات التي أَلِفَها الناس، ونظَّموا عليها أمور حياتهم، وخَرْقُ العادة إن كان لنبي سُمِّيَ معجزة، وإن كان لولِيٍّ صالح سُمِّيَ كرامة، وفي القرآن والسنة عن أخبار المعجزات والكرامات كثير. وكلُّ مَنْ ظهرت على أيديهم المُعْجِزات والكَرَامَات يَعْتَقدون أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو فاعلها، ولا قدرة لهم عليها إلا بقدرته تعالى، ولم يَنْسِبَها أحدٌ لنفسه، وذلك واضح في قول عيسى عليه السلام: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيِه فَيَكُون طَيْرًا بِإذنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَه والأبْرَصَ وَأُحْيي المَوْتَى بِإذْنِ اللهِ) (آل عمران:49). وأيضا: عبادة الله يجب أن تكون على الوَجْه الذي ارتضاه للتقرُّب به إليه، وما سوى ذلك مرفوض، وهذا الوَجْه الذي ارتضاه موجود في كتابه وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم.
الدعاء