خطبة عن حديث (الدِّينُ النَّصِيحَةُ)
فبراير 16, 2019خطبة عن (الصدق) من أخلاق المسلم
فبراير 16, 2019الخطبة الأولى ( انتبه انتبه ..فأنت الآن مراقب)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (7) المجادلة ، وقال الله تعالى : (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس ، وقال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (1) النساء
إخوة الإسلام
إنها خواطر قلبية ، وومضات إيمانية ، إنها صرخة محاسبة من النفس اللوامة الأبية : انتبه انتبه .. فأنت الآن مراقب : إنها جرس إنذار ، ودعوة إلى الاقبال ، إنها إشارة تحذير ، انتبه .فأنت الآن مراقب، فقد قال الله تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق 18، انتبه ..فأنت مراقب ،قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) البقرة 235، انتبه فأنت مراقب ، فقد قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء 1، انتبه فأنت مراقب ، ومسجل عليك في صحيفة أعمالك كل كبية وصغيرة، فقد قال الله تعالى :{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ } آل عمران 30، وانتبه فأنت مراقب من أعضاء جسمك، قال الله تعالى : ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وذالكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ) فصلت 22، 23، وانتبه فأنت مراقب بما تتكلم ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل حين قال : فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ». وانتبه فأنت مراقب ، وهذه أعضاؤك كل يوم تناديك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا » رواه الترمذي.
أيها المسلمون
مراقبة العبد لربه عز وجل أصل عظيم من أصول الايمان ، والمؤمن يراقب الله عز وجل في كل مكان وفي كل الاحوال, فهو سبحانه السميع البصير ،الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , يسمع دبيب النملة السوداء ،على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء. قال الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4]، وكان صلى الله عليه و سلم يقول في دعائه : « اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ” رواه الترمذي وكان يقول أيضا ” أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلِذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ) رواه احمد ، فالمؤمن بمراقبة الله ،يذكر ربه في الخلوات والفلوات … وبالمراقبة ،يحب الله ويعظمه …وبالمراقبة ،يناجي ربه ومولاه ،فبالمراقبة : يُعبد الرحمن ،ويبنى الإيمان ، ويطرد الشيطان .. وبالمراقبة :يكون جمال الحياة ،وصلاح الدنيا ،وسعادة الناس .. وبالمراقبة : تصلح حياة الخلق مع الله ، وبالمراقبة : تمنع النفس هواها …وبالمراقبة تؤدى الواجبات والحقوق والأمانات .. وبالمراقبة : تذرف الدموع ، وتخشع القلوب ، وتسكب العبرات … وبالمراقبة : يقام العدل ، ويتوقف الظلم والجور
أيها المسلمون
وماذا لو خلى قلب المسلم من مراقبة الله؟ ، فبدونها : يضعف الأمن في الأوطان، وفي النفوس ،وتضيع القيم والأخلاق ، وينتشر القتل ،وتعم الرذيلة .. وبدون مراقبة الله ، يسفك الحياء ، وينتحر العفاف ،وينزع الحجاب ،ويحدث الغش والخداع ،والرشوة والخيانة والضياع ، .. أما إذا غرست مراقبة الله في القلوب ، فإننا لا نحتاج إلى أجهزة المراقبة التي أصبحت في كل مكان ، ولو غرست مراقبة الله في النفوس ، لما احتجنا للمراقبين ،ولا لهيئات الرقابة على الموظفين ،
فمراقبة الله :هي أقوى مراقبة في كل زمان ومكان ،وفي كل وقت وآن، وإيمان العبد بأن الله يراه ،ويطلع على سره وعلانيته ،وباطنه وظاهره ،وأنه لا يخفى عليه شيء من أمره ،من أعظم أسباب ترك المعاصي الظاهرة والباطنة؛ وإنما يسرف الإنسان على نفسه بالمعاصي والذنوب ،إذا غفل عن الله، وغابت عنه مراقبته لعلام الغيوب ، فمن أيقن أنه لا تخفى على الله خافية، راقب ربه ،وحاسب نفسه ،وتزود لمعاده، واستوى عنده السر والإعلان، ولذلك كان من وصاياه صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره : « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ..» أي في السر والعلانية ،حيث يراك الناس ،وحيث لا يرونك، فخشية الله تعالى في الغيب والشهادة من أعظم ما ينجي العبد في الدنيا والآخرة
أيها المسلم
انتبه.. فأنت مراقب ، وعليك شهود ، نعم ، عليك شهود يراقبونك في أي مكان ،وفي كل زمان ،فأما الشاهد الأول : فهذه الأرض التي نمشي عليها، ونأكل عليها، وننام عليها ومنا من يعصي الله عليها، هذه الأرض لها يوم ستتحدث فيه وتتكلم فيه بما عملت عليها ـــ سوف يأتي اليوم الذي تفضحك فيه وتكشف أسرارك، يقول الله تعالى :( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) الزلزلة (1) :(5) ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( انتبه انتبه ..فأنت مراقب)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما الشاهد الثاني : فهم الملائكة الذين يكتبون علينا أعمالنا، ويسجلون علينا سيئاتنا وحسناتنا ، قال الله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (10) :(12) الانفطار، وأما الشاهد الثالث : فهي الجوارح التي هي من نعم الله علينا: اليدان، والقدمان، واللسان، والعينان، والأذنان، بل وسائر الجلود.. ستأتي يوم القيامة لتشهد عليك ، إنه مشهد لا مثيل له ، حين يقف العبد أمام ربه ويبدأ الحساب، ثم تبدأ الجوارح لتكشف الأسرار ولتخبر بالفضائح والجرائم التي فعلتها في أيامك ،قال الله تعالى : (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) فصلت 20، 21، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : (قَالَ – ثُمَّ يُقَالُ لَهُ الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ. وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِى يَشْهَدُ عَلَىَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ. أما الشاهد الذي لا يغيب : فهو الله ، وكفى بالله شهيدا ، نعم إنه الواحد الأحد رب الشهود، إنه الواحد المعبود ، قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (53) فصلت ،فسبحان الذي لا تخفى عليه خافية ، ويعلم ما في الصدور.
أيها المسلمون
إن الأمر خطير، ويوم العرض عسير، وهناك تبدو الأسرار، وتنكشف الفضائح ، ولا ينجو إلا من جعل الله عليه رقيبا : فهذا نبي الله (يوسف الصديق) – عليه السلام- ضرب المثل الأعلى للشباب في مراقبة الله تعالى؛ قال الله تعالى : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (23) (يوسف).. إنها مراقبة الله ، فهذه الكلمة خرجت من فم يوسف الصديق وقت أن كانت كل الظروف مهيأة؛ فهو شاب وله شهوة، وامرأة العزيز هي التي تُراوده، والأبواب مغلقة، وهو عبد ولكنه من عباد الله المخلصين فصرف عنه الله الفحشاء والمنكر ،وروى الطبراني عن زيد بن أسلم قال : مَـرّ ابن عمر براعي غنم فقال : يا راعي الغنم هل مِن جَزرة ؟ قال الراعي : ليس ها هنا ربها ، فقال ابن عمر : تقول أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال : فأين الله ؟ قال ابن عمر : فأنا والله أحق أن أقول فأين الله ، فاشترى ابن عمر الراعي ، واشترى الغنم ،فأعتقه ،وأعطاه الغنم . وأخيرا : انتبه .. انتبه .. فأنت الآن مراقب !!!
الدعاء