خطبة عن ذكر الله ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ )
يوليو 29, 2021خطبة حول: نصر الله قادم ،وأسباب النصر، وقوله تعالى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
أغسطس 19, 2021الخطبة الأولى ( انظروا ماذا يفعل الإيمان بأهله ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (11) التحريم
إخوة الإسلام
هذه الآية الكريمة من كتاب الله تتحدث عن امرأة حكيمة عاقلة ،ملك الإيمان قلبها ،وتغلغل حب الله تعالى في جوانحها ،إنها آسية امرأة فرعون ، التي كانت تعيش في أعظم قصر في زمانها ، وتحت يديها الكثير من الجواري والعبيد ،فكانت في حياتها مرفهة منعمة، ولكن زوجها طغى وتجبر، وأراد أن يقدسه الناس ويعبدون من دون الله ،فنصب نفسه إلها عليهم، فقال ” أنا ربكم الأعلى ” ،ونسي فرعون أنه كان نطفة مذرة، فلما سمعت امرأة فرعون بدعوة التوحيد آمنت بالله رب العالمين ،وعلمت أن فرعون كاذب في دعواه ، وأنه ليس له من الأمر شيء ،وزادها إيمانا حينما رأت بعينيها ،وسمعت بأذنها ما قالته ماشطة بنت فرعون، التي جاء ذكرها في مسند الامام أحمد وغيره :(فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ،فَقُلْتُ :يَا جِبْرِيلُ ،مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ : هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلادِهَا ،قَالَ : قُلْتُ :وَمَا شَأْنُهَا ؟قَالَ : بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ ،إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا ، فَقَالَتْ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ : أَبِي ؟ قَالَتْ : لا ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ ، قَالَتْ : أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ ! قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَخْبَرَتْهُ ، فَدَعَاهَا فَقَالَ : يَا فُلانَةُ ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا ، قَالَتْ لَهُ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكِ ؟ قَالَتْ : أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا ، قَالَ : ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ ، قَالَ : يَا أُمَّهْ ؛ اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ،فَاقْتَحَمَتْ).
فعندما أمر فرعون بقتل هذه المرأة المؤمنة بهذه الطريقة الشنعاء ،وما ذلك إلا أنها قالت: (ربي وربك الله) لم ترض زوجته ” آسية “لأنها أختها في الله ،فأرادت أن تنتصر لأختها في الله ،فقالت لزوجها فرعون: ” الويل لك ما أجرأك على الله ” فقال لها: ” لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى الماشطة؟ ” فقالت: ما بي من جنون ولكني آمنت بالله تعالى رب العالمين. فأقسم فرعون لتذوقن الموت أو لتكفرن بإله موسى، فقالت: أما أن أكفر بالله فلا والله. هذا هو التحدي، تحدي الكافرين الظالمين، بكل ما يملك من قوة وجبروت ،فعندما رأى فرعون تمسكها بدينها وإيمانها ،خرج على الملأ من قومه فقال لهم: “ما تعلمون من آسية بنت مزاحم “؟، فأثنى عليها القوم خيرا، فقال: إنها تعبد رباً غيري، فقالوا: ” أقتلها ” ،ومن ثم نادى فرعون زبانيته، وأوتدوا لها أوتاداً ،وشدوا يديها ورجليها ووضعوها في الحر اللاهب، تحت أشعة الشمس المحرقة ، ظلت على تلك الحال ثلاثة أيام، ومع كل هذا أبت الرجوع عن الدين الحق ،فمر عليها فرعون في اليوم الأول يعرض عليها التراجع ؟ قالت : لا والله، ما زادني هذا إلا إيماناً و يقيناً. وفي اليوم الثاني أيضا مر عليها فرعون : ألا تتراجعين ؟ قالت : لا والله ما أتراجع . وفي اليوم الثالث قال لها : ألا تتراجعين؟ قالت : لا أتراجع .قال فرعون : اقتلوها، احملوا صخرة إلى أعلى مكان ثم ارموا الصخرة عليها من فوق، فإن رجعت عن قولها فهي امرأتي، وأخذ يتلذذ بتعذيبها وهذا شأن الطغاة في كل زمان ،وفي أثناء ذلك نظرت إلى ما عند الله فقالت :{ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }.وكشف الله عن بصيرتها فأطلعها على مكانها في الجنة، ففرحت وضحكت وكان فرعون حاضراً هذا المشهد ! ،فقال : ألا تعجبون من جنونها ؟ إنا نعذبها وهي تضحك!، فقبض الله روحها إلى الجنة ، وألقيت الصخرة عليها ، فلم تجد ألما لأنها ألقيت على جسد لا روح فيه، فقد توفيت قبل ذلك. هكذا يفعل الإيمان بأهله ،إنها وقفه إيمانية، نجد مدى إشراقة نور الإيمان في قلب هذه المؤمنة. امرأة وحيدة الضعيفة ،كانت آمنة مطمئنة في قصرها ، وها هي تتحدى واقعاً جاهلياً يرأسه زوجها. لقد كانت نظرتها نظرة متعدية، تعدت القصر،و تعدت الفرش الوثيرة. و تعدت الحياة الرغيدة، لذلك كانت تستحق أن يذكرها رب العالمين في كتابه المكنون. ويضعها مثالاً للذين آمنوا وذلك عندما قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [التحريم: 11] ،قال العلماء عند تفسير هذه الآية الكريمة لقد اختارت آسية الجار قبل الدار، واستحقت أيضاً أن يضعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع النساء اللاتي كملن، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ »
أيها المسلمون
وانظروا ماذا يفعل الإيمان بأهله : فهؤلاء سحرة فرعون أتى بهم فرعون وجمعهم ليحارب بهم موسى ،وما جاء به من الآيات البينات ، فماذا كانت غاية السحرة؟، وما هي مطالبهم؟ ،قال الله تعالى: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) (113) الأعراف ،إنهم يطلبون مالا ،فوعدهم به ،بل زادهم إغراءا ومكافأة :(قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (114) الاعراف . فتعلقت قلوبهم بفرعون وعظموه في أنفسهم ،بل أقسموا به قبل أن تبدأ المنازلة : (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) (44) الشعراء. هذا حالهم الأول ،فكيف حالهم بعد ذلك؟ ،كيف حالهم حين تبين لهم الحق، ورأوا الآيات البينات؟ ،ففي دقائق معدودة ،ولحظات محسوبة ،تبدل كل هذا .( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) الشعراء (46) : (48). فأين طمعهم بالمال الجاه والمنصب، كل ذلك تلاشى في لحظة ،فهددهم فرعون وتوعدهم لتغيير حالهم : (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) طه (71)، فما كان جوابهم : ( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) طه (72)، لقد تحول الطمع في الدنيا إلى طمع آخر (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) الشعراء (51) ،إنهم لم يتغيروا من حال التقصير إلى الجد والعزيمة ،ولم يكونوا غافلين وتنبهوا ،بل كانوا كفارا فأسلموا ،كانت قلوبهم ميتة فدبت فيها الحياة ، فما الذي حصل وما الذي غيرهم ،قال الله تعالى في شأنهم : (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) طه (73) :(76)،إنه الإيمان ولا شيء غير الإيمان .فالإيمان حينما يتغلغل ويصل إلى سويداء القلوب يفعل الأعاجيب بصاحبه ،الإيمان هو الذي يهيئ النفوس لتَقْبَلَ المبادئ مهما يكن وراءها من تكاليف وواجبات ،وتضحيات ومشاق ،فالإيمان لم يُحول السحرة المحاربين لله ولرسوله الطامعين بالدنيا وملذاتها ومناصبها إلى مسلمين خانعين ذليلين ،بل حولهم إلى مسلمين صابرين أقوياء ثابتين لا يردهم تهديد ،ولا يخوفهم وعيد ،وأصبحوا هم الدعاة الناصحين المصلحين ،فما أعظم الإيمان حين يسكن القلوب يملأها رضا ويقينا وثباتا وقوة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ربي وربك الله: انظروا ماذا يفعل الإيمان في أهله؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن: ماذا يفعل الإيمان بأهله؟ : ولنا مثال آخر في ذلك بموقف الأنصار قبل الهجرة، ففي مسند أحمد :(حدث جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَّبِعُ الْحَاجَّ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ وَبِمَجَنَّةٍ وَبِعُكَاظٍ وَمَنَازِلِهِمْ بِمِنًى « مَنْ يُئْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالاَتِ رَبِّى عَزَّ وَجَّلَّ وَلَهُ الْجَنَّةُ ». فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَنْصُرُهُ وَيُئْوِيهِ َحتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ مِنْ مُضَرَ أَوِ الْيَمَنِ أَوْ زَوْرِ صَمَدٍ فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ فَيَقُولُونَ احْذَرْ غُلاَمَ قُرَيْشٍ لاَ يَفْتِنُكَ وَيَمْشِى بَيْنَ رِحَالِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ
حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ فَيُؤْمِنُ بِهِ فَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلاَمِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ يَثْرِبَ إِلاَّ فِيهَا رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الإِسْلاَمَ ثُمَّ بَعَثَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَائْتَمَرْنَا وَاجْتَمَعْنَا سَبْعُونَ رَجُلاً مِنَّا فَقُلْنَا حَتَّى مَتَى نَذْرُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَنَخَافُ فَدَخَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ فَقَالَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي لاَ أَدْرِي مَا هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ. فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا قَالَ َهؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَ أَعْرِفُهُمْ هَؤُلاَءِ أَحْدَاثٌ. فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلاَمَ نُبَايِعُكَ قَالَ « تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَعَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لاَ تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ يَثْرِبَ فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمُ الْجَنَّةُ ».
فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ فَقَالَ رُوَيْداً يَا أَهْلَ يَثْرِبَ إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلاَّ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ عِنْدَ اللَّهِ. قَالُوا يَا أَسْعَدُ بْنَ زُرَارَةَ أَمِطْ عَنَّا يَدَكَ فَوَاللَّهِ لاَ نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلاَ نَسْتَقِيلُهَا . فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلاً رَجُلاً يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشُرْطَةِ الْعَبَّاسِ وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ).
هكذا نرى ما فعله الإيمان في نفوس هؤلاء الخيار، ولا يختلف الحال هنا عن حالهم في كافة الغزوات والمعارك والمواقف التي شهدوها مع النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الذي تحملوه وبذلوه إنما فعلوه بدافع الإيمان لا غير، وهكذا يفعل الإيمان بأهله .
الدعاء