خطبة عن (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) مختصرة
يونيو 14, 2025خطبة عن (بشريات الصَّابِرِينَ) مختصرة
يونيو 14, 2025الخطبة الأولى (انْتِظَارُ الْفَرَجِ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7) الطلاق، وفي مسند أحمد: قال صلى الله عليه وسلم: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
إخوة الإسلام
من أَفْضَل الْعِبَادَاتِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ بعد الضيق ،واليسر بعد العسر، والفرح بعد الحزن، فانتظار الفرج بعد الضيق: هو الذي صير النار للخليل بردا وسلاما، وهو الذي فرج عن يونس، فأخرجه من بطن الحوت، وهو الذي فلق لنبي الله موسى وقومه البحر، وأنجاهم من الكرب العظيم، وهو الذي أخرج يوسف من الجب، وأخرجه من السجن، انتظار الفرج بعد الضيق: هو الذي رفع عيسى، ونجاه من القتل، وهو الذي نجا رسوله محمدا من قومه، حين هموا بقتله، فالشدّة لا تدوم، والعسر يعقبه اليسر، وما من ضائقة إلا ويزيلها الفرج، فمن إيمان العبد بربه، أن يستشعر أن للآلام نهاية، وأن لكل داء دواء. فأيّها المهموم والمكروب والمحزون، كن واثقا من فرج الله، وكن على يقين بأن بعد العسر يسرا، فأحسن ظنك بربك، وإياك والتسخط والجزع، والاعتراض على قضاء الله وقدره، فانتظر الفرج؛ لأن انتظارك عباده، وصبرك طاعة، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، وفيه أيضا: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
أيها المسلمون
لقد روى الامام مالك في الموطإ: (كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران:200، فانتظار المؤمنِ لفرَج اللهِ تعالى هو أملٌ في اللهِ كبيرٌ، وتَوقُّعٌ جازمٌ بالخيرِ، يَجودُ به اللطيفُ الخبيرُ؛ فالمؤمن في كلِّ أحواله وساعاتِه مُرْتَقِبٌ تفريجَ كربتِه ،وتيسيرَ عسرتِه؛ فكما أنَّ الأملَ فيه معْقودٌ وحدَه -سبحانه-؛ فكذلك، لا تكونُ الشكايةُ إلا إليه، كما قال يعقوبُ -عليه السلامُ-: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف: 86]،
وفي انتظارِ الفرجِ قَطْعُ للعلائقِ والأسبابِ، وتعلُّقُ القلبِ بالله تعالى وحده، والتبرِّي من الحَوْلِ والقوةِ؛ وهذا خالِصُ الإيمانِ، فأشرفُ العبادات، ولب الطاعات، أنْ يتوجَّهَ القلبُ بهمومِه كلِّها إلى خالقه، ومدبر أمره ومولاه؛ فإذا نزلَ به ضيقٌ انتظرَ الفرَجَ منه، لا من سواه، مع صبرِه، وعدمِ ضجرِه، وعدمِ شكواه، وعدمِ اتهامِه للحقَّ فيما ابتلاه؛ فانتظار المؤمنِ لفرَج اللهِ تعالى فيه من الانقيادِ للقضاءِ، والتسليمِ لقدْرِ اللهِ، فما أقربَ فرَجُ اللهِ لمن انكسرَ قلبُه بين يديه، ولم يرتضِ جابراً لكَسْرِه سوى الجبَّارِ -سبحانه- وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (فلنْ يَغلبَ عسرٌ يسريْنِ)، وقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ” إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا كِفَاءَ لَكَ بِهِ؛ فَاصْبِرْ، وَانْتَظِرِ الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- “، وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ»، فسبحانه يعجب من قنوط عباده، ويأسهم من الرحمة، وقد اقترب وقت فرجه ورحمته لعباده،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (انْتِظَارُ الْفَرَجِ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
نحن-المسلمين- نَنتَظرُ الفَرجَ: لأنَّنا نَعلمُ أنَّ لنا رَبَّاً عَليماً حَكيماً، سَميعاً كَريماً، بَصيراً رَحيماً، ونَنتظرُ الفَرجَ: بِحُسنِ ظَنٍّ باللهِ الذي لا يَنقَطِعُ بِهِ الرَّجاءُ، فَمهمَا اشتَدَّ الظَّلامُ، فلا بُدَّ أن يَعقِبَهُ ضِياءٌ، وسَطوةُ الفَقرِ لا بُدَّ لَها مِن جَلاءٍ، وشِدَّةُ الضِّيقِ عَاقِبَتُها إلى سِعةٍ ورَخاءٍ، هَكَذا عَلَّمنا القُرآنُ، عَلمنا أنَّهُ ليسَ لَها مِن دُونِ اللهِ كاشفةٌ، وعلمنا القرآن: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) يونس (107)،،
وفي صحيح البخاري: (كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»، وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ. قَالَ «أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ».
الدعاء