خطبة عن (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
نوفمبر 4, 2023خطبة عن حديث (تُربةُ أرضِنا بريقةِ بعضِنا يُشفى سقيمُنا بِإِذْنِ رَبِّنَا)
نوفمبر 4, 2023الخطبة الأولى (اهتمام الإسلام بصحة الأبدان)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، وفي سنن الترمذي :(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي»
إخوة الإسلام
الصحة في المنظور الإسلامي ضرورة إنسانية، وحاجة أساسية، لذا، فقد اهتمَّ الإسلامُ بالصِحَّةِ أيَّما اهتمام، لأنها نعمة عظيمة، وهبها الله للإنسان، وقد ذَّكرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بـأهميتها، وعظيم شأنها، ففي صحيح البخاري: (يقول -صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، والغبنُ: عدم استعمال الصحة فيما ينفع العبد. وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من مُنح الصحة والعافية، فإنه أصبح في نعمةٍ عظيمة، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».
وقد حرص الإسلامُ كل الحرصِ على أن يتمتع المسلمُ بالصحة الجسمية والنفسية والبدنية، فبهما يَقْوَى الإنسان على العبادة، وعمل الخير لنفسه، ولأهله ولأمته، وبهما يكون قادراً على عمارة الأرض، ولقد أثنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم على المؤمنَ القوي، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ)، ويعني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بذلك: القويَّ بإيمانه بالله سبحانه وعقيدته، ونفسه وجسده، والمحافظة عليها جميعاً.
وقد تنوعت مظاهر اهتمام الاسلام بالصحة، فلم تقتصر على الصحة البدنية والجسدية وحدها؛ بل تعدت إلى صحة العقلِ، والصحة النفسية. وقد اهتم الاسلام بصحة البدن من خلال أمور عظيمة، منها: الحث على النظافة، والأمر بها؛ لأن النظافة من أسباب صحة الأبدان، فأخبرنا – الله جل وعلا- أنه أنزل من السماء ماءً طهوراً، هذا الماء الطهور هو نظافة للأبدان، وسلامةٌ لها. فقال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) الانفال (11)، وأخبرنا – سبحانه- أنه يحب التوابين، ويحب المتطهرين، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]، وفي سنن الترمذي: (عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِى حَسَّانَ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أُرَاهُ قَالَ أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ)، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ)، وكما عني الاسلام بنظافة البيت وساحاته وأفنيته، فقد عني بنظافة الطريق، وتوعد كل من ألقى فيه أذى أو قذرًا. وفي سنن أبي داود: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ ». قَالُوا وَمَا اللاَّعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ ».
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أنه فرض على المسلم الوضوء، وجعل الوضوء شرطاً لصحة الصلاة، وأنَّ الله لا يقبل صلاةً بلا طهور، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) إلى أن قال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6]. وفي سنن الترمذي: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »، وفي رواية: يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَقْبَلُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ)،
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أنه أمر بتطهر الأجزاء البدنية التي تمكن أن تكون مجمع الأوساخ والأدناس، ففي صحيح البخاري: قال -صلى الله عليه وسلم-: (خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ – الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ»، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الإِبْطِ أَنْ لاَ نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا). كما أمر بالاستنزاه من البول، والطهارة من الغائط، ففي سنن النسائي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ»، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالسواك، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَمَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلاَّ أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي وَلَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُهُ لَهُمْ وَإِنِّي لأَسْتَاكُ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقَادِمَ فَمِي ».
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أن الاسلام حرم وطء الحائض في حيضها، والنفساء في نفاسها، لما في ذلك من الأضرار الصحية المعروفة، فقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]. ومنع المسلم من الاختلاط في الأمراض المُعدية، ففي صحيح البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا »،
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أمر بالغسل بعد الجماع والحيض والنفاس، ويوم الجمعة: فقال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة:6]، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ إِنِّي أُسْتَحَاضُ. فَقَالَ « إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي »، وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ».
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أن الاسلام حرم الإسراف في المأكول والمشروب، لما في السرف من تهديد لصحة الانسان، وإضرار ببدنه، فقال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]، وفي سنن الترمذي: (عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». بل وأمر بغسل اليدين قبل الطعام وبعده، ففي سنن الترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ».
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أنه رغب بالتداوي والعلاج، ففي مسند أحمد: (أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال « مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ »، وفي سنن ابن ماجه: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: « تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلاَّ الْهَرَمَ ». فصحةَ الأبدانِ من المقاصد الإسلامية، والعلاج مطلوبٌ ومشروعٌ لما فيه من المحافظة على الصحة وسلامة البدن.
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أنه رَغَّبَ في العمل والنشاطِ والحركة، وحذَّرَ من التباطؤ والتكاسل، ودعا إلى رياضة الأجسام بالسباحة والرماية وركوب الخيل، كما حذَّر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من تَرْكِ آنيةِ الطعامِ والشرابِ مكشوفةً عُرْضَة للهواء، وللحشرات الناقلة للأمراض، ففي صحيح مسلم : قال عليه الصلاة والسلام: «غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكوا السِّقَاءَ»، ونهى صلى الله عليه وسلم، أن يتنفس الشاربُ في الماء ، ففي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ» ،وذلك لأن هواء الزَّفِيرِ يلوث الشراب ويُفسده، كما سَنَّ للشارِب تقسيم الشُّرْب علَى ثلاثِ دفعات، يتنفس في نهاية كل منها خارجَ الإناء.
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أن حرم الإسلام المسكرات والمخدرات والمفتِّرات، وغير ذلك مما له آثار سلبيةٌ على الصحةِ العامة، كما أنه حرَّم إرهاقَ البدن بالعمل وطول السهر والجوع، لأي سبب من الأسباب إلا ما كان في طاعة الله سبحانه، فقد أنكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على رَهْطٍ من أصحابه أرادَ أحدُهم أن يقومَ الليلَ فلا ينام، والثاني أن يصومَ فلا يفطر. فقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: المحافظة على الحياة، حيث نهى الإسلام عن قتل النفس. وتحريم المتعة غير الشرعية مثل الزنا، وذلك لما لها من العديد من الأضرار والمخاطر على الصحة. وحفظ الصحة من خلال حسن تدبير المشرب، والملبس، والمسكن، والهواء، والنوم، واليقظة، والحركة، والسكون، حيث يرى الهدي النبوي أنّ اعتدال جميع هذه الأمور يقود إلى دوام الصحة والعافية.
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: إنكاره على من حرم ما أحل الله من الطيبات تدينًا، أو شحًا، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (الأعراف:32)، وقال تعالى:{لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ} (المائدة:87)، وفي مقابل ذلك نهى عن الإسراف في الطعام والشراب خشية الإضرار بالبدن، فقال تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31)، فالإسلام دين اعتدال في كل شيء.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اهتمام الاسلام بصحة الأبدان)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: أن وجَّه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلى سؤال الله تعالى العافية، ففي مسند أحمد: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطَ عَبْدٌ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ)
ومعنى العافية كما ذكر المناوي رحمه الله: (السلامة من الأسقام والبلاء… والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه)، فحري بالعبد المسلم أن يأخذ بأسباب السلامة والعافية، وأن يحافظ على صحته ويقوي بدنه.
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: الرخص الشرعية: فإنك ستجد أن الهدف من الرخص الشرعية هو رفع الحرج والمشقة عن العباد، والمحافظة عليهم وعلى سلامتهم، فقد رخص الشرع للمريض غير القادر على القيام في الصلاة أن يجلس فإن لم يستطع صلى مضطجعا، كما أن العاجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه أباح له التيمم، والمسافر والمريض يباح لهما الفطر، والقضاء، فإن كان المرض مزمنا فليس عليه قضاء إنما يطعم عن كل يوم مسكينا، ووضع عن الحائض الصلاة وأوجب عليها الفطر والقضاء بعد الطهر، لما يعتريها أثناء الحيض من نزول دم وحاجتها إلى الراحة والغذاء، وهكذا نجد في الرخص الشرعية جانبا من جوانب عناية الإسلام بالصحة.
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الأبدان: تحريم الخبائث الضارة بالعقل أو البدن، فبين الله تعالى أن من مهام النبي صلى الله عليه وسلم أن يحل لأمته الطيب من المطاعم والمشارب وأن يحرم عليهم الخبيث الضار، فقال الله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } ( 157: الأعراف). وحرم الله تعالى الخمر لأنها تذهب العقول وتضر بالأبدان فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:90-91). وتحريم الإفساد في الأرض، وتحريم إهلاك الحرث والنسل، يقول الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 56). ويقول تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة:205). ويجعل النبي صلى الله عليه وسلم إزاحة الأذى عن طريق الناس شعبة من شعب الإيمان، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يتقلب في الجنة بسبب إزاحته الأذى عن طريق المسلمين. ففي صحيح مسلم: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ ».
الدعاء