خطبة عن (لماذا أخترت الإسلام دينا؟)
نوفمبر 4, 2017خطبة عن ( قصة الراهب : دروس وعبر)
نوفمبر 11, 2017الخطبة الأولى ( بسواعد الشباب وحكمة الشيوخ ترقى الأمم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ سَبْعِينَ رَجُلاً يُسَمَّوْنَ الْقُرَّاءَ. قَالَ كَانُوا يَكُونُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَمْسَوُا انْتَحَوْا نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ فَيَتَدَارَسُونَ وَيُصَلُّونَ يَحْسِبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْسِبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي وَجْهِ الصُّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنَ الْمَاءِ وَاحْتَطَبُوا مِنَ الْحَطَبِ فَجَاءُوا بِهِ فَأَسْنَدُوهُ إِلَى حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَمِيعاً فَأُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَدَعَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ ) . وروى البيهقي في سننه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَبُوكًا فَمَرَّ بِنَا شَابٌّ نَشِيطٌ يَسُوقُ غُنَيْمَةً لَهُ فَقُلْنَا : لَوْ كَانَ شَبَابُ هَذَا وَنَشَاطُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْهَا فَانْتَهَى قَوْلُنَا حَتَّى بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« مَا قُلْتُمْ؟ ». قُلْنَا : كَذَا وَكَذَا. قَالَ :« أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى عِيَالٍ يَكْفِيهِمْ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ».
إخوة الإسلام
الشباب هم الهمم والعزائم التي تتطلع إلى المجد ، وتأبى الذلّ والهوان ، وهم القوى والطاقات ونواة للإبداع والاختراع في المجتمع ، فيهم قوّة على العمل ، وجلد على المثابرة ،فالشباب هم العمل الدؤوب، والجهد الكبير، والهمة العالية، وعليهم المعول في كثير من شعب العمل، بل هناك جزء من العمل لا يمكن أن يقوم به إلا الشباب، وهذا أمر معلوم معروف عبر التاريخ، من أيام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كان كثير من الصحابة الأُوَل – رضي الله عنهم جميعًا – من الشباب؛ فالشباب هم الذين وقفوا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حمل أمانة الدعوة، من الساعات الأولى التي دخلوا فيها في الإسلام، وهم الذين آوَوا ونصروا، وجاهدوا وبذلوا، وساسوا وقادوا، وتعلَّموا وعلموا، وكلَّف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعضهم بمهام عظام، فكانوا نعم العلماء والقادة والدعاة، وصنَّاع الحياة ،ولقد كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – يستثمر طاقات الشباب، ويوظِّفها أحسن توظيف، وهذه مهمة القادة على طول الزمن، ولا خير في قائد لا يحسن توظيف الطاقات التي تحت يده. ومن هنا، نجد أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – درَّب كثيرًا من الشباب على القيادة، ثم اعتمد عليهم في القيادة في أدق الظروف، وأعقد الأحوال؛ فمنح خالد بن الوليد – رضي الله عنه – وسام التشجيع، الذي كان دافعًا إلى مجد الأمة، بوصفه صلى الله عليه وسلم خالدا أنه سيف الله المسلول، وأمَّر الرسول صلى الله عليه وسلم على الجيش أسامة بن زيد – رضي الله عنه -، وكان في ريعان الشباب، وفي الجيش كبارُ الصحابة، وقد اعترض البعض علي صغر سنه بعد انتقال النبي صلي الله عليه وسلم إلي الرفيق الأعلى ،ونصح بعضهم أبا بكر خليفته أن يعزله فقال : أيعينه رسول الله ويعزله أبو بكر ، ومشي الخليفة الكبير في السن علي قدميه وأسامة راكبا فرسه, فقال أسامة بأدب جم ، إما أن تركب ، وإما ان أنزل, فقال أبو بكر ، والله لن أركب ولن تنزل ، ومالي لا أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ،وكان عمر حتي بعد أن ولي الخلافة ،إذا رأي أسامة قال له: السلام عليك أيها الأمير, فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين, تقول لي هذا؟ فيقول عمر: لا أزال أدعوك ما عشت الأمير, مات رسول الله وأنت علي أمير.
أيها المسلمون
فالشباب عماد الأمم, وعلي أكتافهم تنهض الشعوب, وعلي عاتقهم تقع المسئولية الكبرى للنهوض بالمجتمع, وكان جل الذين حول النبي هم من الشباب, فهذا معاذ بن جبل الذي قال فيه صلي الله عليه وسلم أعلم امتي بالحلال والحرام وكان قبل العشرين, ومنهم زيد ابن ثابت, وكان من كتاب الوحي وهو ابن سبع عشرة سنة, وأمره النبي أن يتعلم العبرية فتعلمها في خمسة عشر يوما, ومنهم الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري, الذي جاء عارضا نفسه علي يد أبيه للجهاد مع النبي صلي الله عليه وسلم وهو ابن سبع عشرة سنة, ومنهم عبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله, وعشرات آخرون كانوا قادة ،وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يشاور الشباب، ويسمع منهم ، ففي يوم أحد لما جمعت قريش جموعها, وجيشت جيوشها, وخرجت في ثلاثة آلاف مقاتل متوجهين إلي المدينة ليثأروا لشرفهم الذي مرغ يوم بدر, جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه, وعرض عليهم الموقف, فرأي الشيوخ البقاء, بالمدينة علي أن تدور رحي المعركة في شوارعها ودروبها, وبذلك يستطيع الصبيان والنساء أن يساهموا في المعركة, وكان رأي الشباب أن يخرجوا لمناجزة القوم, وقالوا لرسول الله: اخرج بنا إلي أعدائنا لا يرونا أنا جبنا عنهم وضعفنا, والله لا نطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا, ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رأي الشباب, وانسحب عبدالله بن أبي من جيش النبي متعللا بنزول الرسول علي رأي الشباب, ورجع وهو يتمتم قائلا: أيعصيني ويطيع الولدان؟!.
أيها المسلمون
وهكذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي علي مسامع الأمة وأعينها درسا عمليا ،في أن الشباب المسلم لابد أن يتحقق له ذاته, ويفسح له المجال ليعبر عن نفسه، من خلال أخطر الأعمال وأجلها, ولقد وعي خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الدرس فكرموا الشباب, واحترموا فكرهم, وأشركوهم بالرأي والفعل في أعظم الأمور، وأخطرها, هذا هو الشباب, وتلك مكانته ومنزلته في الإسلام, وإنا لنعقد كل الأمل علي شباب هذه الأمة ليعيد الوجه الإسلامي علي أرضه بعد غيبة طويلة. فالفتوة تعني القوة, والشباب زمن القوة, وإن لم تستثمر هذه القوة في الخير ،فإن ألف يد من الشر تمتد إليها, وعلي الأمة والحكماء وعلماء الدين والتربية والفلسفة والاجتماع أن يتوجهوا بجميع طاقاتهم إلي بناء الشباب, بناء صحيحا ، فكريا ووجدانيا ، حتي يقوموا بمهامهم العضال في بناء الأمة, وألا يستخفوا من آرائهم, وألا يبعدوهم عن المشاركة الحقيقية في بناء الأمة ،واتخاذ القرارات لمصلحتها, فما ربي النبي صلى الله عليه وسلم شباب الأمة في صدر الإسلام إلا علي الثقة والاطمئنان، فقاموا خير قيام بما كلفهم به من واجبات ، فبنوا الدنيا وأقاموا الدين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( بسواعد الشباب وحكمة الشيوخ ترقى الأمم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللأسف ، فإننا كثيرا ما نرى ونسمع اليوم عن خلافات بين فكر الشباب ، وآراء الشيوخ ، فبعض الشيوخ يرى أن الشباب لا يمكن أن يتولوا المناصب القيادية في مؤسسة من المؤسسات؛ لأنهم إذا تولَّوها فسوف يأتون عليه، بحكم أنهم تنقصهم التجربة والخبرة ، وفيهم حماس زائد ، وفي الغالب يكلفنا الكثير، ويوقعنا في دوائر الخسارة والحرَج، ولا توجد تجرِبة فاشلة ، إلا ووراؤها وسببها قيادة شابة غير ناضجة، ليستْ مؤهلة لحمل الأمانة … هذا هو رأي بعض الشيوخ ، وفي المقابل … يرى بعض الشباب : أن الشيوخ قد أدَّوا ما عليهم، وجزاهم الله خيرًا، وقد ظهر الترهل على كل شعبة من شعب حياتهم؛ فجسدهم ضعف، وفكرهم من مخلفات الماضي، ولا يعيشون عصرهم، ولا يجيدون التعامل مع مستجدات الحياة، وأدوات العصر ،فلا جديد عندهم، ولا تطوير لذاتهم، والنتيجة أنهم قتلوا العمل، وجعلوا الحركة من مخلفات الماضي، وكانوا سببًا في تخلف العمل ، وقلة الانتاج ،وفي الحقيقة فإن كلا هذين الرأيين جانبه الصواب ، وتنقصه الحكمة، وحاد عن الجادة، فالأمة لا تستغني عن حكمة شيوخها وتجاربهم في الحياة ، ولا تستطيع الأمة أيضا أن تقصي الشباب وطاقاته وهممه العالية ، فكلا الفريقين يكمل بعضهم بعضا ، فما أحوجنا إلى حكمة الشيوخ ، وطاقات الشباب . فالشباب لا بد أن يأخذوا مكانهم في العمل، وعلى كل المستويات والمناحي كافة ، ومن القتل للعمل ألاَّ يكون للشباب أثرهم، و”دورهم”، ومكانتهم في العمل والقيادة الميدانية؛ من أجل إثراء العمل والنهوض به. وفي نفس الوقت فالشيوخ تجرِبة طويلة، وخبرة واسعة، ورزانة متميزة، ووقار لافت، وهيبة تؤدي إلى استقرار عمل، فهم يوازنون بين الأمور مُوازنة تدفع نحو ترجيح الأجود، وتدفع به في المسار الأصوب، فهم بيت الحكمة، ودار الرؤية البعيدة، وموئل الفكرة الدافئة، مع غيرة تراكمية لا تُنكَر، قوامها العطاء الطيب، وأساسها الثمرة اليانعة، وهم عبق التاريخ، وبسمة الحاضر، واستشراف المستقبل، فالاستغناء عنهم حماقة، والتخلي عنهم تنقصه اللباقة، ومطالبتهم بالتنحي عن كل شيء ليس فيه وعي ولا حكمة ، فجُهد الشيوخ عبر التاريخ أمر معروف ومعلوم، وما الخلفاء الراشدون – بعد تقدم أسنانهم – عنا ببعيد في بناء الدولة، وصناعة مجد الأمة، ونشر الإسلام، وما الفتوحات التي شملت كثيرًا من المعمورة إلا مثال صادق على هذا الذي نذكره، فالعملُ في الاسلام لا يعرف سنًّا محددة للعطاء، ولا يعترف بما يُعرَف “بالتقاعد”، فالعمل يتوقف على قدرة الشخص على العمل والعطاء ، فمادام المرء قادرا عليه ، يكون العمل من المهد إلى اللحد، جهادًا في سبيل الله، وبذلاً من أجل عزِّ الأمة، وتضحية لتكون معالم النهضة الحضارية سائدة ومنتشرة في ربوع الدنيا ، فلابد أن تتشابك جهود الأجيال شيوخًا وشبابًا، كلٌّ في موقعه، وعلى كل المستويات؛ فمؤسسة لا شيوخ فيها تنقصها التجرِبة، وتفوتها الحكمة أحايين كثيرةٍ، وتصيبها الهشاشة في المواقف، وتقدير فقه المرحلة في بعض الأحيان، ومؤسسة لا شباب فيها يصيبها الترهل ويعتريها الخمول، وتنقصها – في الغالب – سلوكيات العمل الذي يدور بلا توقف، ويعمل بلا كلل، وهذه سنة الله – تعالى – في خلقه. فلا بد من تشابك المهارات والقدرات، وتكاتف الجهود، والتقاء الأجيال على مائدة واحدة، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يلغي فريق منهم الآخر.
الدعاء