خطبة عن رحمة الله ( اللهم ربي : إِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ )
سبتمبر 18, 2021خطبة عن (السجود لله تعالى) مختصرة 2
سبتمبر 18, 2021الخطبة الأولى ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) (2) يونس
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (2) يونس ، فقد جاء عن ابن عباس في تفسيرها : أي : أن لهم أجرًا حسنًا بما قدَّموا من أعمالهم. وقال مجاهد: هي أعمالهم الصالحة، صلاتهم وصومهم، وصدقتُهم، وتسبيحُهم ، فلهم ثواب الصّدق بما قدّموا من الأعمال. وقال آخرون: معناها: أن لهم سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة. فالمعنى : يا محمد : أخبر المؤمنين بأن ما يقدمونه من خير هو حاضر عند الله تبارك وتعالى، وكل ما تفعلونه ولو مثقال ذرة محسوب لكم، فالله يبين للعبد بأن ما يقدمه موجود لا يضيع عنده شيء ، لا من الخير ، ولا من الشر، قال الله تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران (30) ،وهكذا بشر الله تعالى الذين آمنوا إيماناً صادقاً ، أن لهم قدم صدق عند ربهم ، وأن لهم جزاء موفوراً ، وثواباً مذخوراً ، بما قدموه وأسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة، ويبشرهم ربهم ليتنافس المتنافسون في طاعة الله ، وفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، ولينالوا قدم صدق عند ربهم يوم القيامة ، فلابد من المنافسة في ميدان الخير ، لكسب قدم الصدق ، فهنا التنافس ، وهناك الجزاء الأوفى، فشرف المؤمن قيامه بالليل ،وعزه استغناؤه عن الناس ، فلا يوجد شيء في الدنيا أعظم من أن يكون لك عند الله مقام صدق ، وقدم صدق ، فيجب أن تعرف مقامك عند الله ، فإذا أردت أن تعرف ما لَكَ عند الله فانظر ما لله عندك ، هل تقف عند الحرام ؟ هل تبادر إلى المأمورات ؟ هل تدع المنهيَّات ؟ ، هذا هو مقام الله عندك ، فإذا ترك الإنسان أوامر الدين لسببٍ تافه ، معنى هذا أن الله سبحانه وتعالى لا شأن له عنده ، وكلمة : لا أستطيع ، وليس عندي وقت ، ولا أريد ، هذه كلمات لا يقولها المؤمن ، المؤمن ذو همةٍ عالية ، والمؤمنون لهم مكانة ثابتة ، حصَّلوها بسبقهم ، (فقدم صدقٍ) فيه معنى السبق ، وفيه معنى آخر وهو الثبات ، ومكانة ثابتة حَصَّلها بسبقه .
أيها المسلمون
إن الله تعالى يحب عباده المؤمنين ، ولذا فهو يبشرهم ليعملوا ويسعدوا في الدارين ، ويستبشروا بفضله، ويسعدوا بعطائه، وقد أرسل الله عز وجل الرسل الكرام عليهم السلام ليهدوا الناس إلى ما فيه خيرهم، فمن اقتدى بهم فاز في الدنيا والآخرة، قال الله سبحانه وتعالى : (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (48) الانعام ،وقال الله تعالى : (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا) (56) الكهف ، فكان بث التفاؤل والبشرى في قلوب الناس من هدي الأنبياء عليهم السلام، وقد قال الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) (45) :(47) الاحزاب ،وقال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (8) ،(9) الفتح، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يدخل الفرح والسعادة على أصحابه ،ويبشرهم بالخير، فقال لجابر رضي الله عنه عندما وجده مهموما كما في سنن الترمذي : « لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي « يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ : « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ». قَالَ قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ :« مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا ،فَقَالَ : يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ : يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً. فأخبره وبشره صلى الله عليه وسلم بما أعده الله تعالى لأبيه في الجنة ، فتحول حزنه وهمه فرحا وسعادة بمنزلة أبيه في الجنة . وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ « بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ». وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليدل الناس على طرق الخير والفلاح، ويبشرهم بما يسعدهم في الدنيا والآخرة، رحمة بهم، وتفضلا عليهم، قال الله سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (89) النحل
أيها المسلمون
وما أكثر البشارات التي وردت في القرآن الكريم ، تبشر الناس بالخير، فالله تعالى بشر المؤمنين بالأجر العظيم والفضل الكبير ، فقال الله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) (47) الاحزاب ،وقال الله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (25) البقرة، ومن أسباب الحصول على فضل الله وتحقيق البشرى؛ الإكثار من عمل الصالحات، والبر والقربات التي تعود بالنفع على الناس، فيحيا المرء حياة هانئة في الدنيا، وتسعد نفسه، ويخلد في النعيم المقيم في الدار الآخرة ، قال الله تعالى :(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97) النحل ، قال بعض المفسرين: الحياة الطيبة هي السعادة في الدنيا ، والراحة بكل وجوهها. ومن العمل الصالح الذي يثمر لك البشارة برضوان الله تعالى؛ تلاوة الآيات الكريمة، والاستماع إليها ، والعمل بها، واتباع هديها، قال الله تعالى :(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (17) ،(18) الزمر
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأعمال الصالحة التي ينال بها الإنسان رضا ربه، ويفوز بالبشرى من خالقه : الصلاة والزكاة ؛ قال الله تعالى:(طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (1) :(3) النمل ، فالله عز وجل بشر من أطاعه وحافظ على فرائضه، وأدى الصلاة وآتى الزكاة، وتقرب إليه تعالى، وتحلى بالخشوع له، أن يكرمه في الدنيا، فيطمئن قلبه، ويجعله من الفائزين في الآخرة، قال الله تعالى :(وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (34) ،(35) الحج ، كما بشر الله تعالى الذين يذكرونه ويخشونه بمغفرته وعظيم أجره، فقال الله سبحانه: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (11) يس، فمن أراد البشارة من الله تعالى ، فليحسن إلى الناس بقوله ، وفعله، بالسعي في حوائجهم، وإعانة ضعيفهم، فإن الله عز وجل بشر المحسنين بقوله تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) ، لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (36) ،(37) الحج ، وقد روى الطبراني في معجمه : (عن بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إن أحب الأعمال إلى الله بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم)، وفي رواية أخرى وإن كان فيها ضعف : (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ،أو تطرد عنه جوعا ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا في مسجد المدينة)
الدعاء