خطبة عن (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) مختصرة
يوليو 3, 2024خطبة عن (سبق القضاء بما هو كائن)
يوليو 3, 2024الخطبة الأولى (بعد العسر يسر)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة:185، وقال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (5)، (6) الشرح، وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7) الطلاق، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (4) الطلاق
إخوة الإسلام
إن المتدبر والمتأمل في قوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا): فهذه بشارة عظيمة لأهل الإيمان يبشرهم الله تعالى فيها، بأن للشدة والكرب والضيق نهاية، مهما طال أمدها، وأن الظلمة تحمل في أحشائها الفجر الساطع، نعم، إنها بشارة لكل مؤمن، بأن العسر لا يدوم، وأن الفرج قريب, وبزوغ شمس اليسر بعد ظلام العسر بعد لحظات، وتلك الحالة تنسجم مع الأحوال النفسية والمادية لبني البشر، والتي تتأرجح أحوالهم بين العسر واليسر، والنجاح والفشل، والإقبال والإدبار، كما تنسجم مع صنوف الابتلاء، والذي هو شرعة الحياة وميسمها العام، ولذلك فقد أكده الله تعالى بالتكرار: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (5)، (6) الشرح، وفي مسند أحمد: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»، وفي المستدرك للحاكم: (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد: فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة، إلا يجعل الله له بعدها فرجا، ولن يغلب عسر يسرين). ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: (لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه)، فهذه بشارةٌ عظيمة، أنه كلما وُجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، ويقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “والتيسير قد يكون أمرًا ظاهرًا حسيًّا؛ مثل: أن يكون الإنسان فقيرًا فتضيق عليه الأمور، فييسر الله له الغنى، ومثال: إنسان مريض يتعب، يشق عليه المرض فيشفيه الله عز وجل، هذا أيضًا تيسير حسي، وهناك تيسير معنوي، وهو معونة الله الإنسان على الصبر، هذا تيسير، فإذا أعانك الله على الصبر تيسر لك العسير، وصار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكَّها، صار بما أعانك الله عليه من الصبر أمرًا يسيرًا”. فينبغي للعبد أن يحسن ظنه بالله، وأن يقوى يقينه بفرج من عنده سبحانه، فهو عز وجل عند حسن ظن عبده به،
أيها المسلمون
وعلينا أن نبشر المؤمنين بقرب النصر والتمكين، ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب، فمن الأسباب التي تعين على تيسير الأمور: التوكل على الله عز وجل: قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى، وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج – فإن الله يكفي مَن توكل عليه، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:3].
ومن الأسباب التي تعين على تيسير الأمور: تقوى الله عز وجل: قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:4]؛ قال الإمام البغوي رحمه الله: “أي: يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة”. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “أي: يسهِّل له أمره، وييسره عليه، ويجعل له فرجًا قريبًا، ومخرجًا عاجلًا”.
ومن الأسباب التي تعين على تيسير الأمور: الصبر الجميل: قال الله جل جلاله: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج:5]؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الصبر الجميل صبر بلا شكوى”، وقال العلامة السعدي رحمه الله: “الصبر الجميل الذي لا يصحبه تسخُّط، ولا جزع، ولا شكوى للخلق”. وقد صبر نبي الله يعقوب عليه السلام الصبر الجميل؛ قال عز وجل: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ [يوسف:83]. وكانت نتيجة هذا الصبر أن فرَّج الله كربه، وجمع بينه وبين يوسف وأخيه عليهم الصلاة والسلام، بعد سنين طويلة من الفُرقة والشتات. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “الصبر مع انتظار الفرج يُعتبرُ من أعظم العبادات؛ لأنك إذا كنت تنتظر الفرج، فأنت تنتظرُ الفرج من الله عز وجل، وهذه عبادة؛ وكلما تأزمت الأمور، فإن الفرج أقرب إليك،
ومن الأسباب التي تعين على تيسير الأمور: الدعاء بتضرع وانكسار نفس: قال العلامة ابن رجب رحمه الله: “المؤمن إذا استبطأ الفرج، وأيس منه، بعد كثرة دعائه، وتضرعه، ولم يظهر عليه أثر الإجابة، يرجع إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنما أُتيتُ من قِبلكِ، ولو كان فيكِ خير لأُجبتُ، وهذا اللوم أحبُّ إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يُوجبُ انكسار العبد لمولاه، واعترافه بأنه أهل لما نزل به من البلاء، وأنه ليس بأهل لإجابة الدعاء، فلذلك تُسرعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء، وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله”.
ومن الأسباب التي تعين على تيسير الأمور: كثرة ذكر الله عز وجل: قال العلامة ابن القيم رحمه: إن ذكر الله يُسهل الصعب، ويُيسر العسير، ويُخفف المشاق، فما ذكر الله عز وجل على صعبٍ إلا هان، وعلى عسير إلا تيسر، ولا مشقة إلا خفَّت، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت، فذكر الله تعالى هو الفرج بعد الغم والهم”. وعلى المسلم أن يقرأ قصة يوسف بتمعُّن، فسوف يجد أن الأمور لا تبقى على حال؛ فهي تتنقل من محنة إلى منحة ومنةٍ، ومن ذل إلى عز، ومن رقٍّ إلى ملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة”.
فليكن الإنسان متفائلًا، فشدة الظلام تعني قرب بزوغ الفجر، والأمور إذا اشتدت، فهذا يعني أن الفرج بفضل الله قريب، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “ليعلم أن هذه المصائب من الأمراض وغيرها لن تدوم؛ فإن دوام الحال من المحال، بل ستزول إن عاجلًا أو آجلًا، لكن كل ما امتدَّت ازداد الأجر والثواب، والإنسان كلما مضى عليه ساعة، رأى أنه أقرب إلى الفرج وزوال هذه المصائب؛ فيكون في ذلك منشطًا نفسه، حتى ينسى ما حلَّ به، ولا شك أن الإنسان الذي ينسى ما حلَّ به أو يتناساه، لا يُحسُّ به؛ بخلاف ما إذا ركز شعوره على هذا المرض أو على هذا الألم، فإنه سوف يزداد”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (بعد العسر يسر)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ونحن -المسلمين- اليوم، أحوج ما نكون إلى الاستبشار بهذه الآية، حيث يرى المسلمون الكثير من صنوف الإحباطات والهزائم، وألوان القهر والنكد ؛ مما أدى إلى سيادة روح – التشاؤم واليأس-، وصار الكثيرون يشعرون بانقطاع الحيلة، والاستسلام للظروف والمتغيرات، فنقول لهؤلاء: لا تحزنوا ولا تضجروا، وتفاءلوا ولا تقنطْوا، واحمدوا الله ولا تسخطوا، وارجُ الله – عز وجل – ولا تيئَسوا، وأحسنوا الظنَّ بربِّكم – عز وجل – وانتظروا منه كل خيرٍ وجميل، وفعل لطيف جليل. وافرحوا باختيار الله – عز وجل – لكم، فإنكم لا تدرون أين المصلحة؛ فقد تكون الشدة لكم خيرًا من الرخاء، وإذا ضاقت بكم الدنيا فلا تقولوا :همنا كبير؛ ولكن أَعلِمِوا أن لكم ربًّا كبيرًا. فهذا وعد من الله – عز وجل -، ونسأل الله أن يكشف كل شدة تمر اليوم ببلدان المسلمين، وأن يفرِّج عنهم همَّهم، ويدفع كربهم، ويُقِيل عثراتهم، ويأخذ بأيديهم إلى كل ما يحب ويرضى. واعلموا أنه لا نجاة لنا، ولا فلاح، ولا خروج لنا مما نحن فيه، إلا إذا رجعنا إلى الله – عز وجل – ووقفنا بين يديه، وعملنا بأوامره، وابتعدنا عن نواهيه، والمستقبل لهذا الدين، قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء:227]. ويقول القائل: (هي شدةٌ يأتي الرخاءُ عقيبَها وأسًى يُبشِّرُ بالسُّرورِ العاجلِ).
الدعاء