خطبة عن (إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ)
أبريل 12, 2023خطبة عن ( وماذا بعد رمضان؟ )
أبريل 22, 2023الخطبة الأولى ( بعد رمضان (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله دعانا إلى الهدى وحذرنا من الردى اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (79) ) آل عمران
إخوة الإسلام
مرَّ شهر رمضان – هذا الضيف الكريم – بأجوائه الرُّوحانية، ونفحاته الربانية، وتهجداته الخاشعة، ومساجده المكتظة بالمصلين المبتهلين بأكفِّ الضَّراعة إلى رب العالمين، وكان مسك الختام هذه الأجواء العيد والتهنئات والزيارات في جو الفرح والمسرات، ثم “رجعت ريمة لعادتها القديمة”، أين هم روَّاد المساجد؟ أين هذه الأكفُّ الضارعة والعيون الدامعة، والألسُن الذاكرة، والقراءات الخاشعة؟ هل كان ذلك خاصًّا برمضان؟ أليس رب رمضان هو ربَّ شوال وباقي الشهور؟ أليس هو القائل في كتابه العزيز: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وقال تعالى : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]. فالعبادة هي الحال الذي يجب أن يداوم عليه المسلم؛ لأنه لذلك خُلِق، وإنما في رمضان يزيدُ من الطاعات والعبادات؛ ليتزود بالتقوى، ويزداد قربًا من ربه عز وجل، وهل تُقبَل صلاة ودعاء وقراءة وذِكر مَن كانت نيتُه الانتكاس والتراجع؟
أيها الإخوة الكرام
يجبُ أن نكون ربانيين لا رمضانيين؛ قال – تعالى – في محكَمِ تنزيله: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]؛ فالربانيون هم أولئك الذين أخلصوا لله – تعالى – في عبادتهم، فعبَدوه وحده بحقٍّ وصدق، والربانيون هم العلماء العاملون الذين يخشَوْن الله حقَّ خشيته. فكيف نكون ربانيين؟ أقول : بالعزيمة الصادقة، وبالمواظبة على الطاعات، والمحافظةِ على الصلوات، والسعي إليها في المساجد، وبالالتزام بالوِرْدِ اليومي من القرآن، وبالمداومة على الذِّكْرِ والاستغفار، وليست العبرةُ بالكثرةِ، ولكن بالصدق والإخلاص؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإنْ قلَّ))؛ متفق عليه. بالمداومة على العمل الصالح دوَامُ اتصالِ القلب بخالقه، وسبب لمحبة الله عز وجل، وتعهد النفس من الغفلة، واجتناب الفحشاء والمنكَر، وسبب لمحو الخطايا والذنوب، كما أنها سبيلٌ للنجاة من شدائد وأهوال يوم القيامة، وسبب لحُسْن الختام، وأن يستظلَّ المؤمنُ تحت عرش الرحمن، وبه ييسر الحساب
أيها المسلمون
إن الإِيمان له ثوابت لا يستغني عنها المؤمن حتى يلقى الكبير المتعال، فمثلاً الصلاة: مَن مِن المؤمنـين الصادقين يستغني عن الصلاة بعد رمضان؟ ، انظر إِلى المساجد في رمضان، وانظر إِلى ذات المساجد بعد رمضان. فهل يستغني مؤمن صادق مع الله عن هذا الأَصـل الأَصيل وعن هذه الثوابت الإِيمانية حتى يلقى رب البرية وهو الركن الثاني من أَركان هذا الدين قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وحذر الله أشد التحذير من تضييع الصلاة ومن تركها في رمضان أَو غير رمضان ،فقال جل وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. وقال جل وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 38-43]. فيا من هيأَ الله له صيام شهر رمضان لا تضيع الصـلاة، فالصلاة صلة لك بالله، ومعين لك ، يطهرك من المعاصي والذنـوب، وفي الصحيحين من حديث أَبي هريرة أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: “من غدا إِلى المسجد أَو راح أَعَدَّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أَو راح”. رواه البخاري ومسلم – ، وفى صحيح مسلم من حديث أَبي هريرة أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: “أَلا أَدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟” قالوا: بلى يا رسول الله قال:” إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط”. ،وأَول ما يُسأَل عنه العبد يوم القيامة الصلاة. فعن أبي هريرة قال صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: “إِنَّ أَول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإِنّ صلحت فقد أَفلح وأَنجح، وإِن فسدت فقد خاب وخسر”. الترمذي ومن الثوابت الإِيمانية: القرآن : إِنَّ القـرآن حياة القلوب والأَرواح، القرآن حياة النفوس والصدور، القرآن حياة الأَبدان، القرآن شراب النفس وطعامها، فهل يستغني مؤمن عن روحه؟ وهل يستغني مؤمن عن أَصل حياته، إِنَّ القرآن يهدي للتي هي أَقوم فلا تضيعوا هذا الطريق ولا تنصرفوا عنها. إِنَّ طرف القـرآن بيد الله، وإِنَّ طرفه أَيديكم فإِذا تمسكتم بهذا الحبل المتين لن تضلوا، ولن تهلكوا أَبداً، وهـل يستغني أَحدٌ عن أَن يكلمه الله في اليوم مرات، فمن أَراد أَن يُكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أَرادَ أَن يُكلمَه الله فليقرأَ القرآن، وهل تستغن عن ربك أَيها الموحد؟، لا تضيع القرآن بعد رمضان، واعلم أَنَّ الله قد مَنَّ عليك بالقرآن في رمضان فجعلت لنفسك ورداً يومياً، فلماذا بعد رمضان تركت هـذا الورد ووضعت المصحف في علبته كأَنك لن تحتاج إِليه إِلا في رمضان المقبل؟!
فيا أَيها الحبيب الكريم: اقرأَ القرآن واعمل بما فيه، فإِنهُ يأَتي يوم القيامة شفيعاً لأَصحابه، ففي صحيح مسلم عن أَبي أَمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله يقول: “اقرؤوا القرآن، فإِنهُ يأَتي يوم القيامة شفيعاً لأَصحابه” “اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وآل عمران، فإِنهما تأتيان يوم القيامة كأَنهما غمامتان أَو غيايتان أَو كأَنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما” “اقرؤوا سورة البقرة، فإِن أَخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة “.رواه مسلم – ، ويقول صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: “لا حسد إِلا في اثنتين رجل آتاه القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل أَعطاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار”. وإِذا كنت تحافظ على الأَذكار والاستغفار في رمضان، فهل تستغني عن هذا الزاد بقية العام، فإِنَّ الذكر شفاءٌ من الأَسـقام ومرضاة للرحمن ومطردة للشيطان، فرطِّب لسانك دوماً بذكـر الرحيم الرحمـن جل وعلا، واسمع لحبيبك المصطفى صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم كما في الحديث الذي رواه أَحمد والترمـذي وصححه الأَلبانـي من حديث معاذ بن جبل يقول: “أَلا أُخبركم بخير أَعمالكم وأَزكاها عند مليككم وأَرفعها لدرجاتكم، وخير لكم من إِعطاء الذهب والفضة ، وخير لكم من أَن تلقوا عدوكم فتضربوا أَعناقهم ويضربوا أَعناقكم” قالوا: بلى يا رسول الله قال: ” ذكر الله عز وجل”. فانظر إِلى فضل الذكر، فالذاكر في معية الله، كما في الصحيحين أَنه قال: “قال الله جل وعلا: (أَنا عند ظن عبدي بي، وأَنا معه حين يذكرني فإِذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإِن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وإِن تقرب إِلي شبراً تقربت إِليه ذراعاً، وإِن تقرب إِليَّ ذراعاً تقربت إِليه باعاً، وإِذا أَتاني يمشي، أَتيته هرولةً”. فَاذكُر الله جل وعـلا لتكون دوماً في معيتـه سبحانه وتعالى، والمعية نوعان: معية عامة، ومعية خاصة، أَما المعية العامة فهي معية العلم والمراقبة والإِحاطة والمعية الخاصة فهي معية الحفظ والنصر والعـون والمدد والتأَييد، فهل تستغني أَيها المؤمن عن معية الله جل وعلا؟! ، فإِذا أَردت ذلك فداوم على الذكر ولا تضع هذا النور أَبداً، ويكفي أَن تعلم أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال في الحديث الصحيح الذي رواه أَحمد والترمـذي من حديث الحارث الأَشعري الطويل : “… وآمركم أَن تذكروا الله فإِنَّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أَثره سراعاً حتى إِذا أَتى على حصن حصين أَحرز نفسه منهم، وكذلك العبد لا يُحرز نفسه من الشيطان إِلا بذكر الله”. ومن الثوابت الإِيمانية أَيضاً: الإِحسان إِلى الناس. إِننا نرى كثيراً من الناس لا تظهر عليهم علامات الجـود والكرم إِلا في رمضان فقط، فإِذا ما انتهى رمضان لا تجد إِلا العبوس في وجه الفقراء ولا نجد إِلا البخل والشح ولا حول ولا قوة إِلا بالله. أَنتَ قد منَّ الله عليك بالإِنفاق على الفقراء والمساكين وكثير من أَوجه الخير في رمضان فهلا عودت نفسك على الإِنفاق حتى ولو بالقليل. ففي الصحيحين من حديث عدي أَنَّ الحبيب النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: “ما منكم من أَحدٍ إِلا وسيكلمه ربه، ليس بينه وبينه تُرجمان، فينظر أَيمن منه فلا يرى إِلا ما قدم، وينظر أَشأَم منه فلا يرى إِلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إِلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة”. رواه البخاري ومسلم ، فالإِحسان من الثوابت الإِيمانية التي لا يستغني عنها مؤمن في رمضان ولا في غير رمضان حتى يلقى ربه جل وعلا. ومن هذه الثوابت الإِيمانية أَيضاً: قيام الليل. ففي رمضـان وُفقت بفضل الله ورحمته ومنته إِلى صـلاة التراويح والقيام فلماذا لا تستمر على هذا الدرب المنير؟ لماذا تضيع القيام بالليل. اسمع للنبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم وهو يقول في الحديث الذي رواه الحاكم وابن خزيمة والترمذي وحسنه الأَلباني في صحيح الترغيب والترهيب من حديث أَبي أَمامة يقول: “عليكم بقيام الليل فإِنه دأَب الصالحـين قبلكم وقربةٌ إِلى الله تعالى ومنهاة عن الإِثم وتكفير للسيئات”. رواه الترمذي ، فاعمل أَخي المسلم على أَن تُكتب من القائمين الليل ولو بركعة ، واعمل جاهداً أَن تكونَ من أَصحاب هذه الآية ، قال تعالى : {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]. ومن الثوابت الإيمانية: التوبة. فما منا أَحدٍ إِلا وتابَ وأَنابَ إِلى الله في رمضان، فهل معنى ذلك أَنه إِذا انتهى رمضان انتهى زمن التوبة ولا نحتاج إِلى توبة وأَوبة إِلى الله جل وعلا؟! ، وانظر إِلى حال الكثير من المسلمين تجد أَنَّ الكثير منهم ينفلتون يوم العيد إِلى المعاصي والشهوات وكأَنهم كانـوا في سجن وبمجرد أَن تم الإِفـراج عنهم مغرب اليوم الأَخـير من رمضان انطلقوا وكأَنهم خرجـوا من هذا السجن وسرعان ما انكبوا على أَنواع المعاصي والشهوات ، وليس ذلك بحال المؤمن الموحـد، فإِنَّ المؤمن الموحـد عمره كله عنده عبادة لرب الأَرض والسماوات فتجـده ينتقل من عبودية إِلى عبودية، ومن طاعـة إِلى طاعة ومن فضل إلى فضل، لذا يجب عليك أَن تكونَ دائماً في عبودية حـتى تلقى رب البرية، يقول النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم كما في صحيح البخاري من حديث أَبي هريرة: “والله إِني لأَستغفر الله وأَتوب إِليه في اليوم أَكثر من سبعين مرة”. رواه البخاري
أيها المسلمون
لقد ذقت أيها المسلم حلاوة الإِيمان وعرفت طعم الإِيمان، عرفت هذا في رمضان، فما منا من أَحدٍ صام وقام رمضـان وقام ليلة القـدر إِلا وذاق هذه الحلاوة، حلاوة شرح الصدر وسرور القلب، عرفت فالزم، الزم هذا الدرب المنير، واستقم على هذا الصراط المستقيم، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: “يا أَيها الناس عليكم من الأَعمال ما تطيقون فإِنَّ الله لا يمل حتى تملوا، وإِنَّ أَحب الأَعمال إِلى الله ما دووم عليه وإِن قل”. وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: “كان رسول الله إِذا عمل عملاً أَثبته” ، فقل آمنت بالله ثم استقم، أَي استقم على درب الإِيمـان، استقم على طريق التوبة، استقم على طريق الاستغفار، استقم على طريق قيام الليل، استقم على طريق الإِحسان، استقم على طريق هذه الثوابت الإِيمانية التي أَعانك الله عليها في رمضان، قال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30-32]. إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا قرأَها يوماً على المنبر عمر بن الخطاب فقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} ثم استقاموا على منهج الله فلم يروغوا روغان الثعالب، والاستقامة هي المداومة والثبات على الطاعة.
أَقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله دعانا الى الهدى وحذرنا من الردى اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
أما بعد ايها المسلمون
من أَعانه الله على الطاعـة فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول لا حول ولا قوة إِلا بالله، فلا حول لك على طاعته، ولا قوة لك على الثبات على دينه إِلا بمدده سبحانه فاستعن بالله ولا تعجز واتقه ما استطعت واطلب المدد والعـون منه أَن يثبتك على طريق طاعته وعلى درب نبيـه وتدبر وصيته لمعاذ بن جبل. كما في الحديث الصحيح الذي رواه أَحمد والترمذي وغيرهما أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال لمعاذ بن جبل يوماً: “يا معاذ والله إِني لأُحبك، فقال: أُوصيك يا معاذ، لا تدعن في كل صلاة – وفي رواية- دبر كل صلاة أَن تقول: اللهم أَعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”. نعم اطلب العون والمـدد من الله على عبادته سبحانه وأَنتَ إِن سلكت هذا الدرب المنير لن يخزك الله أَبداً، أَليس هو القائل سبحانه : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. هذا وعد منْ؟! وعد رب العالمين، ورب الكعبة سيصرف الله بصرك عن الحرام، وسيصرف الله قلبك عن الشـهوات والشبهات، وسيحفظ الله فرجك من الحرام، وسيصرف الله يدك عن البطش في الحـرام، وسيصرف الله قدمك من الخطأَ الحرام، فأَحسن أَيها المسلم الموحـد ليكون الله معك، فمن توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به نجَّاه، ومن فوض إليه أُموره كفاه، قال جل في علاه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ …} [الزمر:36]. فعلق قلبك بالله سبحانه فهو الغـني الذي لا تنفعه الطاعـة ولا تضره المعصية، ومع ذلك لو تاب إِليه عبده الفقـير الحقير مثلي لفرح بتوبته وهو الغني عن العالمين يقول النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: “لله أَفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أَرض دوِّيَّة مهلكةٍ، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأَسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إِذا اشتد عليه الحر والعطش أَو ما شاء الله – قال: أَرجع إِلى مكاني الذي كنت فيه فأَنام حتى أَموت فوضع رأَسه على ساعده ليموت فاستيقظ، فإِذا راحلته عنده، عليها زاده وشرابه فالله أَشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده”. رواه مسلم ، وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رَضِي الله عنْهُ: “قدم على النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم سَبْيٌ، فإِذا امرأَة من السَّبْي تحلُب ثديها تسقي، إِذا وجدت صبياً في السبي أَخذته، فألصقته ببطنها وأَرضعته” فقال لنا النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: “أَترون هذه طارحة ولدها في النار؟” قلنا: لا، وهي تقدر على أَن لا تطرحه، فقال” لله أرحم بعباده من هذه بولدها”. فالطاعة لك أَنت، فهو سبحانه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ففي صحيح مسلم من حديث أَبي إِدريس الخولاني عن أَبي ذر أَنَّ رسول الله قال: قال الله تعالى:“… يا عبادي لو أَنَّ أَولكم وآخركم وإِنسكم وجنكم كانوا على أَتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أَنَّ أَولكم وآخركم وإِنسكم وجنكم كانوا على أَفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً…”. ، فكونوا ربانيّين، ولا تكونوا رمضانيين، وليكُنْ دعاؤنا كما كان يرددُ رسولنا الكريم: ((يا مقلِّبَ القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينِك)).
الدعاء