خطبة عن (الوُجُوه النَاعِمَةٌ )
فبراير 28, 2023خطبة عن ( تَوَاضَعُوا )
فبراير 28, 2023الخطبة الأولى ( بقدر النوايا تكون العطايا )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الانفال (70)
إخوة الإسلام
هذه الآية الكريمة وَإِنْ كَانَتْ في ظَاهِرِ الأَمْرِ نَزَلَتْ في حَقِّ سَيِّدِنَا العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَو في حَقِّ أُسَارَى بَدْرٍ، فَهِيَ مُطْلَقَةٌ، لِأَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. فهي لكل المسلمين في كل زمان ومكان، فكل من يعلم الله تعالى فيه الخير، يكافئه الله بالخير في الدنيا والآخرة، فهي تربية قرآنية لتحسين النوايا، وتهذيب النفوس، فمدار العطاء من الله سبحانه بحسب الخير والنية الصالحة التي يحملها قلبك، قال ابن تيمية: (من أحب أن يلحق بدرجة الأبرار، ويتشبه بالأخيار، فلينوِ في كل يوم نفع الخلق، فيما يسر الله له من مصالحهم على يديه)، وعلى العكس من ذلك فمن نوى الشر كافأه الله بمثله، ففي قصة أصحاب الجنة، في قوله تعالى: { إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} القلم (17) ، فماذا كان الجزاء: (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) القلم (19) ،(20)،
فبقدر النوايا ،تكون العطايا. فاللهَ تعالى يَنْظُرُ إلى قُلُوبِ العِبَادِ لا إلى صورهم، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». فَاللهُ تعالى يَعْلَمُ مَا فِي القلوب مِنْ خَيْرٍ أوَ شَرٍّ، فهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ويعامل الخلق على ما في قلوبهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ الفتح (18) .َفصَاحِبُ القَلْبِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ يَتَوَلَّاهُ اللهُ تعالى وَيُسَدِّدُهُ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ، وَيُؤْتِيهِ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ.
لِذَا فعَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِطَهَارَةِ قُلُوبِنَا، وَأَلَا يَرَى الله تعالى فِيهَا إِلَّا مَا يُرْضِيهِ، فإِذَا تَطَهَّرَتِ القُلُوبُ اسْتَقَامَتِ الجَوَارِحُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ »، وفي الصحيحين: (أن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ الْخَيْرَ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». فرب الخير سبحانه لا يأتي إلا بالخير، فالله تعالى قد يُرسل لنا الهدايا بطريقة لا نفهمها، لأنَّ فكرنا قاصر، ونظرتنا محدودة، فقد تأتينا المِنحة علي شكل مِحنة، ويأتي العطاءُ في هيئة المنعِ ، فمتى استقام لكَ الفهمُ، علمت أن الله أرحم بِكَ منكَ ،وأن ربٌ الخيرِ لا يأتي إلا بالخيرِ، ويؤكد ذلك ما حدثت به أم سلمة رضي الله عنها، ففي صحيح مسلم : (أن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا». في رواية قالت (رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي قُلْتُ مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِى سَلَمَةَ) قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-). أي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت من أمهات المؤمنين
فكم من الأمور التي يحزن الإنسان على فواتها، فيتبين له في المستقبل أن في فواتها كان خيرا له، وكم من الأمور التي يحرص الإنسان على تحصيلها، فيترتب على حصوله عليها من المفاسد الشيء الكثير، فيتمنى الانسان لو لم تحدث له، فالله سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له، ساءه ذلك القضاء أو سره،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (بقدر النوايا تكون العطايا)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال بعض العارفين: يا ابن آدم: نعمة الله عليك فيما تكره أعظم من نعمته عليك فيما تحب، وقد قال الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) البقرة. وقال الله تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (19) النساء
وقال آخر: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، (فإنه ما أخذ منك إلا ليعطيك)، فمثلا : قد يظن البعض أنه لو أنفق من ماله فإن ذلك ينقصه، ولكن في الحقيقة أن إنفاق المال في طاعة الله يزيده ولا ينقصه، فالله تعالى يقول: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]. وفي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ – وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ – وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ »، وفي الصحيحين: (أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»، وفي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ ثَلاَثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ قَالَ فَأَمَّا الثَلاَثُ الَّذِى أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِزًّا وَلاَ يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ)، ففي ظاهر الأمر أن الانفاق ينقص المال ، ولكن في الحقيقة أن فيه الزيادة والنمو والخير الكثير في الدنيا والآخرة. حقا: ( إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الانفال (70)
الدعاء