دروس شهر رمضان : من أخلاق المسلم
أبريل 7, 2018خطبة عن ( علمني الإسلام )
أبريل 14, 2018الخطبة الأولى ( تأملات في سورة القارعة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29] ويقول سبحانه: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]
إخوة الإسلام
لقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ، وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ولهذا لمَّا سُئلت عائشةُ رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد : (قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) ، فكان صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن منهجاً لحياته قراءةً وتدبراً وتطبيقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة”. وقال الامام علي بن أبي طالب: “لا خير في قراءة لا تدبر معها”. وقال ابن مسعود: “إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط حرفاً وقد أسقط العمل به”
أيها السلمون
ومن سور القرآن الكريم التي تتكرر على أسماعنا ،ونحن بحاجة ماسة إلى تدبرها ، ومعرفة ما فيها من الحكم والفوائد الجليلة ، سورة القارعة، قَالَ الله تَعَالَى: (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ) (1) :(11) القارعة ، وهذه السورة الكريمة هي من السور المكية بالإجماع، وتتحدث عن موضوع واحد ،وهو القيامة وأحوال الناس فيها، وأما الإطار العام لهذه السورة المباركة، فهي تبين لنا أن الله تعالى خلق كل شيء بمقدار، وكل ما حولنا فهو موزون بدقة؛ فهل يُسمح للإنسان أن يعبث بحياته بلا نظام ولا حساب ؟! كلا؛ إن حياته – وهي الأخرى – محسوبة عليه ، وكل وسوسة وفكرة وعزم، بل وكل كلمة وكل حركة مسجلة عليه، وعليه أن يزيد من صالح أعمالــه ما يثقل ميزانه؛ وإلا فإن مصيره الى نار حامية، متى ؟ عندما تُقْرَع ساعة القيامة ، وعندها يكون الناس كالفَرَاش المبثوث، وكالجراد المنتشر، وتكون الجبال كما الصوف المنفوش؛ وهذا هو الإطار لهذه السورة المباركة. و”{ الْقَارِعَةُ } هو اسم من أسماء يوم القيامة ، وقد سميت بذلك ، لأنها تقرع قلوب الناس من هولُها، وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها، وذلك في صبيحة لا ليل بعدها . وأما قوله تعالى :”{ مَا الْقَارِعَةُ } ففي التكرار تهويل وتعظيم، فلما كانت النفس البشرية شديدة الميل الى الانفلات ،والتحلل والفوضى ،لولا قرعها بنصائح الآخرة ،وما فيها من أهوال ،تجعل الولدان شيبا، ولذلك جاءت آيات الذكر شديدة الإنذار، بالغة التحذير؛ لعلنا نعقل أن نسمع، ونوقظ عقولنا من السبات العميق؛ وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ﴾ ما لهولها؟ ، فقوله تعالى :” { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ }، هي استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها “. وفي قوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} ما الفراش المبثوث؟ ولماذا هذا الوصف؟ ، فالمراد أن الألقاب، والأسماء العريضة، والمفاخر، والأمجاد التي نخدع أنفسنا بها اليوم تتلاشى ذلك اليوم، ويحشر عشرات الألوف من بلايين البشر كما الهمج الطائر، الذي يكثر أيام الصيف؛ فتراه كالسحابة من شدة تراكمها فوق بعضها، أو الجراد الكثيف الذي يتداخل في بعضه كأنه غبار كثيف؛ فما قيمة بعوضة في الهمج ؟! أو جرادة في سيل الجراد؟ فأنا وأنت نصبح هكذا بين من يحشر من أبناء آدم، عليه السلام؛ منذ كان آدم، عليه السلام ، والى قيام الساعة، وروى مسلم في صحيحه (عَنْ جَابِرٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِى ». إنها حالات مختلفة ومتدرجة في ذلك اليوم؛ يذكرنا السياق بواحدة منها؛ { يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: أي في انتشارهم وتفرقهم، وذهابهم ومجيئهم، ومن حيرتهم مما هم فيه كأنهم فراش مبثوث،
{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}: يعني قد صارت كأنها الصوف المنفوش الذي قد شرع في الذهاب والتمزق، والعهن هو الصوف. يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :” والفراش: هي الحيوانات التي تكون في الليل، يموج بعضها ببعض لا تدري أين توجه، فإذا أوقد لها نار تهافتت إليها لضعف إدراكها، فهذه حال الناس أهل العقول، وأما الجبال الصم الصِّلاب، فتكون { كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ } أي: كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفًا جدًا، تطير به أدنى ريح “. – كيف ولماذا تكون الجبال كالعهن المنفوش؟ وفي ذلك دلالة على أن أكثر ما في الدنيا وَهْم وسراب ، ويتلاشى هذا الوَهْم في الآخرة؛ بل حتى حقائق الدنيا تتلاشى يومئذ، فترى الجبال التي تحسبها قوة ثابتة كما الصوف المتفرق، تحركها الرياح، وتكون “كالعهن المنفوش”؛ قالوا: أي الصوف الذي يُنْفَش باليد؛ أي نُعيدها هباءً. ويبدو أن للجبال حالات مختلفة ومتدرجة في ذلك اليوم؛ يذكرنا السياق بواحدة منها؛ ثم يخبرنا تعالى عما يؤول إليه عمل العاملين، وما يصيرون إليه من الكرامة أو الإهانة بحسب أعمالهم، فقال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}: أي : من رجحت حسناته على سيئاته، {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}: يعني الجنة، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}: أي رجحت سيئاته على حسناته، { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}: أي ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم، وعبر عنه بأمه أي دماغه، وقيل معناه أي أمه التي يرجع إليها، ويصير في المعاد إليها هاوية وهو أحد أسماء النار، وقال بن جرير: وإنما قيل: للهاوية أمه؛ لأنه لا مأوى له غيرها، ويبدو أن الموازين قد تعني الأفعال التي توزن ،وقد تعني موازين حقيقية ذات الكفتين واللسان ، وقال بعضهم: الموازين: الحُجج؛ والحجة هو الامام الناطق، الذي جسد قيم الوحي في حياته، وكان حُجة على عباد الله. وإذا كانت عاقبةُ انسان رهينةَ رجحان حسناته، وإذا كان حتى مثقال ذرة من أفعاله محسوبة له أو عليه؛ فينبغي ألا يُقَصِّر الانسان فيها؛ فلعل حسنة واحدة ترجح كفة الحسنات، وتجعلك من أهل الجنة؛ حيث العيشة التي ترضاها، وذلك قوله تعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾. وحين تكون العيشة راضية، فان كل جوانب حياتك تجلب رضاك وتكون في مستوى طموحك. وقالوا: معناها عيشة مرضيةً ، وقيل: بل عيشة لينة منقادة. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}: أي حارة شديدة الحر، قوية اللهيب والسعير. انها ليست مجرد مهواة يسقط الانسان فيها فيموت، وينتهي كل شيء، كلا؛ إنها النار المشتعلة؛ إنها “نار حامية”؛ أي: إنها شديدة الحرارة ، حتى أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءًا منها؛ نستجير بالله منها. فالويل لمن أضاع فرصة العمر، وقَصَّر في استغلال فرص الخير، واستهان بالذنوب حتى تراكمت في ميزانه، واستخف بالحسنات حتى خفت موازينها عنده؛ فيكون مصيره الهاوية ؛ وهو الجحيم. ومن الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة النار يوم القيامة، ما جاء في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ». قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا » ، وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. وَعَمْرٌو عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ « إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لأَحَدٍ ». وفي الصحيحين :(عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلاَنِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا ». وفي الصحيحين : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ». وهذا أيضا يدل على أن الجنة والنار موجودتان، وهذا أحد الأدلة على ذلك، والأدلة على ذلك متعددة،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تأملات في سورة القارعة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسرار البيان في هذه السورة المباركة ، (سورة القارعة) : أولاً- أن الله تعالى افتتح هذه السورة الكريمة بلفظ {القارعة}، وهو افتتاح مَهول ومرعب وفيه ترويع وتخويف، وفيه إثارة وتشويق إلى معرفة ما سيأتي بعده من خبرها، وقد ألقى به – سبحانه – مفردًا كالقذيفة هكذا: {القَارِعَةُ}، بلا خبر، ولا صفة ، ليلقي بظله، وجرسه الإيحاء المدوِّي، ويقرع بهوله القلوب. ثم عقَّب – سبحانه وتعالى – على ذلك بسؤال التهويل عن ماهية تلك القارعة، ليثير في النفوس الدهشة من هولها، والتساؤل عن معرفة حقيقتها، ثم أتبعه بسؤال آخر، يزيد في التهويل من أمر ها، والتعظيم من شأنها، فقال – جل جلاله- : {القَارِعَةُ * مَا القَارِعَةُ * وَمَا أَدرَاكَ مَا القَارِعَةُ} القارعة (1-3) ، ولمَّا كان هول الشيء وعظمه يستلزم تساؤل الناس عنه، أتبعه الله – تعالى -بقوله: {وَمَا أَدرَاكَ مَا القَارِعَةُ}؟، وذلك زيادة في التهويل، ومبالغة في التعظيم، والخطاب فيه لغير معين. والمعنى: أيٌّ شيء أدراك أيها السامع: ما القارعة؟ ولك أن تجعل هذا الاستفهام إنكارياً. أي: لا دراية لك بكنهها، ومدى عظمها وشدتها. يعني: أنها في العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد، ولا وهمه، وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك وأعظم، فلا يتسنى الإعلام عنها. وقال – تعالى – {يَومَ يَكُونُ النَّاسُ كَالفَرَاشِ المَبثُوثِ}، فشبه الناس يوم البعث بالفراش المبثوث، وقال في موضع آخر: {يَخرُجُونَ مِنَ الأَجدَاثِ كَأَنَّهُم جَرَادٌ مُنتَشِرٌ} (القمر: 7)، فشبههم بالجراد المنتشر. والفراش هو فرخ الجراد، أو هو غوغاء الجراد، فما وجه التشبيه في كل منهما؟ أما وجه التشبيه بالفراش فقيل: شبِّه الناس بالفراش المتفرق المتطاير في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والمجيء والذهاب على غير نظام، والتطاير إلى الداعي من كل جهة حين يدعوهم إلى المحشر، لأن الفراش إذا ثار، لم يتَّجه لجهة واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى.. وأما وجه تشبيههم بالجراد فقيل: بالكثرة، والتتابع.
أيها المسلمون
وقد جاءت الآيات الكريمة ، لتوضح لنا بعضا من أهوال يوم القيامة، وما يلقاه المؤمن من رحمة وطمأنينة، وما يلقاه الكافر أو العاصي من عذاب وأهوال، تجعل الناس ينتشرون في الأرض كالفراش ،يجيئون ويذهبون بدون تحديد وجهة معينة ،يريدون أن يهربوا من هذا العذاب، ويبين لنا أيضًا رب العزة تبارك وتعالى مرحلة العرض على الكتاب ،فكل منا يلقى كتابه يوم القيامة ،ويتم وضع حسناته وسيئاته في ميزان العدل ،وعلى الكفة الراجحة تحديد حال صاحبها ،إما منعم ،وإما معذب ،فأما من ثقلت موازينه ،وصارت كفة حسناته أرجح، صار من المنعمين ودخل الجنة، وأما من خفت موازينه ،وصارت حسناته أقل من سيئاته، ورجحت كفة السيئات ،فياله من تعيس ،فسوف يلقى في جهنم على رأسه ،ويلقى من العذاب على قدر عمله في الدنيا ،ولا يخرج منها إلا برحمة أرحم الرحمين.
أيها المسلمون
فأوصيكم ونفسي بالتزود بالأعمال التي تنفع يوم الحساب ، والحرص الحرص على أن نكون من أبناء الآخرة الباقية لا الدنيا الفانية! قبل أن يُباغتنا الموت وتأخذنا المنية، فلا ينفعنا بعد ذلك الندم ،ولا تغني عنا الحسرات، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-:”كن من أبناء الآخرة ،ولا تكن من أبناء الدنيا ،فإن الولد يتبع الأم، والدنيا لا تساوي نقل أقدامك إليها ،فكيف تعدو خلفها ،الدنيا جيفة، والأسد لا يقع على الجيف، الدنيا مَجاز، والآخرة وطن، و الأوطار إنما تطلب في الأوطان”. ولنحذر أشد الحذر من أن نُعلق قلوبنا بدنيا فانية أو شهوة زائلة، ولنربطها بما يرضي عنا ربَّ البرية وينفعنا في الحياة الأخروية، يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-:”ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل”.
الدعاء