خطبة عن قوله تعالى (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)
أبريل 20, 2024خطبة عن حديث (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا)
أبريل 20, 2024الخطبة الأولى (تأملات في قصة موسى والخضر (عليهما السلام ) لفهم القضاء والقدر)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ – رضى الله عنهم قَالَ : إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم.. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ : « اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ » . قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالُوا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ قَالَ « كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ » ، وروى الترمذي في سننه بسند صحيح : (عن الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِى قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ » ، وفي مسند أحمد وغيره : (أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ أَوْصَانِي أَبِى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ يَا بُنَىَّ أُوصِيكَ أَنْ تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّارَ. قَالَ وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَلَمُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ وَمَا أَكْتُبُ قَالَ فَاكْتُبْ مَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ »
إخوة الإسلام
تعالوا بنا اليوم إن شاء الله ، لنقضي لحظات مباركات مع : (تأملات في قصة موسى والخضر (عليهما السلام ) ، لفهم القضاء والقدر) ، ونبدأ بقول نبي الله موسى عليه السلام للعبد الصالح ( الخضر ) : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) (66) الكهف ، فيرد الخضر على الفور رد الواثق المطمئن إلى ما يقوله : (قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا) (67) ،(68) الكهف ، فهو يريد أن يقول له ما معناه : ( إن فهم أقدار الله فوق إمكانيات عقلك البشري، ولن تصبر على التناقضات التي تراها ) .فيرد موسى عليه السلام ردا مؤدبا ، رد من يريد أن يتعلم : (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) الكهف (69) ، فيجيبه الخضر عليه السلام مشترطا عليه : (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) الكهف (70) ويمضي الرجلان ،ويركبا سفينة لمساكين يعملون في البحر، ويقوم الخضر بخرق السفينة ، وواضح تماما أن أصحاب السفينة عانوا كثيرا من فعلة الخضر، لأن موسى تساءل بقوة عن هذا الشر كما نتساءل نحن : (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) الكهف (71) ، فهذا في حقيقته (عتاب للقدر) تماما كما نفعل نحن ،حينما يقع ملا نحبه ونرضاه ، فيسكت الخضر ويمضي ،طبعا الشاهد الأساسي هنا أن أصحاب المركب عانوا أشد المعاناة، وكادوا أن يغرقوا، وتعطلت مصلحتهم ، ووسيلة رزقهم، ولكنهم ما لبثوا أن عرفوا بعد ذهاب الخضر، ومجيء الملك الظالم ،أن خرق السفينة إن كان شرا ، ولكنه كان مفيدا لهم ، فهو شر من ورائه الخير ،لأن الملك لم يأخذ سفينتهم غصبا. نكمل : موسى لا زال في حيرته، لكنه يسير مع الخضر الذي يؤكد لموسى قائلا له ،ومذكرا إياه : (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) الكهف (72) ، والمعنى : ألم أقل لك يا إنسان ،أنك أقل من أن تفهم الأقدار. يمضي الرجلان : ويقوم الخضر الذي وصفناه بالرحمة والعلم بقتل الغلام : (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ ) الكهف 74، فيغضب موسى عليه السلام .. ويعاتبه بلهجة أشد ، قائلا له : (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) الكهف (74) ، لاحظ تحول كلمات نبي الله موسى عليه السلام : من (إِمْرًا ) إلى (نُكْرًا ) . ولاحظ أن الكلام صادر عن نبي أوحي إليه ومكلم ، ولكنه بشر مثلنا، فيؤكد له الخضر مرة أخرى: (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) الكهف (75) ، وهنا أصل مهم.. فإننا كمسلمين نقرأ القرآن ، وننظر إلى الصورة من جانب واحد.. فنحن نعرف أن الخضر فعل ذلك لأن هذا الغلام كان سيكون سيئا مع أمه وأبيه: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) (80) الكهف ، والسؤال : هل عرفت أم الفتى بذلك؟ هل أخبرها الخضر بسبب قتله ؟.الجواب : لا. فبالتأكيد فإن قلبها انفطر، وأنها أمضت الليالي الطويلة حزنا على هذا الفتى ، الذي ربته في حجرها ، ليأتي رجل غريب ، يقتله ويمضي . وبالتأكيد: فهي لم تستطع أبدا أن تعرف ،أن الطفل الثاني كان تعويضا عن الأول ، وأن الأول كان سيكون سيئا. فهنا نحن أمام شر مستطير حدث للأم.. ولم تستطع تفسيره أبدا.. ثم يصل موسى والخضر إلى القرية، فيبني الجدار ليحمي كنز اليتامى.. فهل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم؟… لا.. هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه؟.. لا.. هل شاهدوا لطف الله الخفي..الجواب قطعا لا.. هل فهم موسى السر من بناء الجدار؟ ..لا.. ثم مضى الخضر( عليه السلام )، بعد أن شرح لموسى ولنا جميعا كيف يعمل القدر ، والذي يمكن تلخيصه ببساطة كالآتي : أن مفهوم الشر عندنا كبشر مفهوم قاصر لأننا لا نرى الصورة كاملة، فما بدا شرا لأصحاب المركب ،اتضح أنه خير لهم.. وهذا أول نوع من أنواع القدر: وهو : ( شر تراه ، فتحسبه شرا.. فيكشف الله لك أنه كان خيرا) ،وهذا نراه كثيرا في حياتنا ، النوع الثاني مثل قتل الغلام: (شر تراه فتحسبه شرا.. لكنه في الحقيقة خير، ولا يكشف الله لك ذلك ، فتعيش عمرك وأنت تعتقد أنه شر: مثل قتل الغلام.. فلم تعرف أمه أبدا لم قتل. النوع الثالث : وهو الأهم : (هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري)، إنه لطف الله الخفي، إنه الخير الذي يسوقه الله إليك، وأنت لا تدري ، مثل بناء الجدار لأيتام الرجل الصالح، وهم لا يعلمون شيئا عن لطف الله الخفي بهم . فالخلاصة إذن.. أننا يجب أن نقتنع بكلمة الخضر الأولى : (قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا) الكهف (67)، (68) ، فلن تستطيع يا ابن آدم أن تفهم أقدار الله، لأن الصورة أكبر من عقلك.. فقد تعيش وتموت وأنت تعتقد أنك تعرضت لظلم في جزئية معينة، لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما، فالله قد حماك منها : فقد تكون ذا بنية ضعيفة.. وتقول أن الله حرمني من الجسد القوي.. أليس من الممكن أن شخصيتك متسلطة.. ولو كنت منحت القوة لكنت افتريت على الناس؟ ، أو حرمك الله المال.. أليس من الممكن أن تكون من الذين يفتنون بالمال وكان نهايتك ستكون وخيمة؟ ، أو حرمك الله الجمال.. أليس من الممكن انك ذو شخصية استعراضية.. ولو كان منحك الله هذا الجمال لكان أكبر فتنة لك؟ ، فلماذا دائما ننظر للجانب الإيجابي للأشياء؟ ونقول حرمنا الله ، ولكن الله تبارك وتعالى : ( عطاؤه عطاء ، ومنعه عطاه ، وبسطه عطاء ، وقبضه عطاء ، هي المنح ، ولكنها في ثوب المحن ) ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) (78) النساء
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تأملات في قصة موسى والخضر (عليهما السلام ) لفهم القضاء والقدر)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أخي الموحد ، وأيها المؤمن بالقضاء والقدر : استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما.. وقل في نفسك :أنا لا أفهم أقدار الله.. لكنني متسق مع ذاتي ومتصالح مع حقيقة أنا لا أفهمها.. وأنا موقن يقين الراسخين في العلم ، قال الله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (7) آل عمران ، نعم : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) ، وموقن بقول رسولنا صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ » ، فإذا وصلت لهذه المرحلة.. ستصل لأعلى مراحل الإيمان.. إنها مرحلة الطمأنينة.. وهذه هي الحالة والمرحلة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله.. خيرا بدت أم شرا..ويحمد الله في كل حال.. حينها فقط.. سينطبق عليك كلام الله تعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (27) :(30) الفجر
أيها المسلمون
في قوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، يقول علقمة: “هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله، فيسلّم لها ويرضى”، وروى السري بن حسّان عن عبد الواحد بن زيد قوله: “الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين”. ورأى علي بن أبى طالب رضي الله عنه أحد المبتلين فقال له: “يا عدي إنه من رضي بقضاء الله جرى عليه فكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه فحبط عمله”. وعن أبى مجلز أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره”. وروى أبو هارون المديني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “إن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه جعل الرَوح والفرج في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط”. وروى مكحول أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقول: “إن الرجل ليستخير الله فيختار له، فيتسخّط على ربه، ولا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خِير له”. وذكر يزيد بن مرثد الهمداني أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال: “ذروة الإيمان أربع: الصبر للحُكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز و جل”.
الدعاء