خطبة عن (ذكريات الشهر المحرم) مختصرة
يوليو 17, 2024خطبة عن (الحسود حقود)
يوليو 21, 2024الخطبة الأولى ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومِ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ »
إخوة الإسلام
ألست تطمع أن ينضِّر الله لك وجهك ؟ ، ألست تطمع أيها المؤمن أن تكون ممن تصيبهم هذه الدعوة الكريمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، ففي هذا الحيث الشريف ، يدعو النبي صلى الله عليه وسلم بالنضارة والبهجة والحسن ، لمن سمع حديثه فحفظه حتى يبلغه لغيره، فمهمة تبليغ دين الله تعالى هي مهمة الرسل وأتباعهم ، كما قال الله تعالى آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف: 108]. فكل من قام بحمل هذا العلم والدعوة إليه ،وتبليغه للآخرين ،ولو كانوا أفقه منه وأعلم، تتناوله هذه الدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم بالنضارة والحسن والرونق والبهاء. أو قد يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً ) : أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بأن من يحفظ حديثه ويبلغه للآخرين يكون نضر الوجه، حسن السمت. وقال بعض العلماء: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً ) : أي أنهم يحشرون يوم القيامة تتلألأ وجوههم كالشمس، وهم حفظة السنة، فمن أكثر من حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نضر الله وجهه، ونوره بالسنة، ولذلك أهل السنة على وجوههم نور، وقال آخرون : إن لأهل السنة نوراً في وجوههم في الدنيا، وذلك أن الله عز وجل يجعل لهم النور والنضارة، فوجوههم وجوه خير، إذا رأيت وجه الرجل منهم يطمئن قلبك، ورأيت أنه وجه رجل فيه خير وصلاح وبر؛ لأن الناصية والوجه تابعة للعمل، قال الله تعالى: { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } [العلق:16]. ولذلك تجد أهل الظلم والإضرار، وجوههم عليها الظلمة والغبرة، بينما إذا نظرت إلى شخص واصل للرحم ،أو بار بوالديه ،أو كثير الصدقات ،أو كثير الحسنات ، ترى نور الطاعة في وجهه، وهذا أمر جرت به العادة من الله سبحانه وتعالى، وقوله صلى الله عليه وسلم : (سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا ) أي: سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يشمل الصحابة من باب أولى؛ لأنهم الذين باشروا السماع منه صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عنهم أجمعين، ويشمل من بعدهم؛ لأنه قال: (سَمِعَ مَقَالَتِي) ، ولم يقل: (سمع مني) ، يعني: سمع حديثي، وفي قوله: (مَقَالَتِي) يختص بالصحيح دون المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن المكذوب لا ينسب إليه عليه الصلاة والسلام، وقوله: (سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ) يعني: وعى هذه المقالة، وشبه القلب الفاهم للشيء بالوعاء الذي قد حفظ ما فيه، (وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا ) يعني: عنده ضبط في الحفظ، وضبط في الأداء، فيأتي باللفظ كما سمعه، وهذه أعلى منازل حفظ السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاحفظ أخي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تستطيع، فلك من النور والنظارة على قدر ما حفظت؛ لأن الله وعدنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الفضل العظيم، ومن نضر الله وجهه في الدنيا نضر الله وجهه في الآخرة. ففي هذا الحديث حث على حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والعناية بها ،وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا ) ، فمن بلغ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فحفظه كان له مثل أجره، ولم ينطق لسان ذلك الذي حفَّظْته من أولادك أو من طلابك بهذا الحديث إلا كان لك مثل أجره، ولا يعلمُ أحداً فينطق به ذلك المعلم إلا كان لك مثل أجره، فالله أعلم كم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخير والبركة والأجر؟ ولذلك فازوا بخير لا تستطيع الأمة أن تدركهم في ذلك الخير والفضل، ففي الصحيحين :(قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ » . ففي هذا الحديث إشارة إلى أنهم تبوؤوا المنزلة السامية والعالية في هذا الفضل العظيم
أيها المسلمون
أما قوله صلى الله عليه وسلم : (ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومِ جَمَاعَتِهِمْ ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ » ، فهذه الخلال تستصلح بها القلوب، ومن تمسك بها طهر الله بها قلبه من الشر والفساد. قال ابن القيم: (إن هذه الثلاثة تنقي القلب من الغل، فالقلب يَغل على الشرك، ويَغل على الغش، يَغل على البدعة والضلالة، وهذه الثلاثة: الشرك، والغش، والخروج عن جماعة المسلمين، تملأه دغلاً وغلاً، فإذا جرد الإخلاص والنصح، وتابع السنة؛ نفى ذلك) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ ) فيه بيان لأثر هذه الأشياء في القلب، فإخلاص العمل لله أولاً، وهذا مطلوب في كل عبادة، ومطلوب في كل عمل صالح، ولن يكون العمل صالحًا إلا بركنه الأول، وهو: الإخلاص، قال الله تعالى : (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) [الكهف: 110]. وقال العلامة الطيبي -رحمه الله-: “الخيانة في إخلاص العمل هي رؤية الغير” فالإخلاص هو الصفاء والنقاء ؛ فتأتي الأعمال منك صافية نقية ، لا تريد بها سمعة ولا تريد بها رياء ولا تريد بها شيئا من حطام الدنيا وإنما تبتغي بها وجه الله جلّ وعلا والدار الآخرة، والله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء:١٩] أي مرضياً مقبولاً عند الله جلّ وعلا. فأنت حين تعمل لا تنظر إلى عين بشر، واعمل لله، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ ) ، فيه إشارة إلى أن بعض القلوب قد تستنكف عن هذا الأمر ،وقد يوجد فيها شيء من الغل عندما تُحدَّث به أو تُدعى إليه أو تناصح بتحقيقه وتطبيقه ، فاحذر أن تكون ممن يغل قلبه على شيء من هذه الخصال الثلاثة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث . وأما الخصلة الثانية عباد الله : ( مُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ) ؛ والنصيحة أمرها معلوم وشأنها مفهوم ، والنصح يقتضي محبةَ الخير للمنصوح والشفقة عليه ورحمته والإحسان في دلالته على الخير ، وعدم الحقد عليه والحسد ، وأن تدعو له بظهر الغيب بالتوفيق والسداد والصلاح والهداية ، وأن لا تدعو عليه ، وأما الخصلة الثالثة: فـهي: ( لُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ) ؛ فلزوم جماعة المسلمين بعدم الافتيات عليهم ، أو الخروج على جماعتهم ، أو رفع السيف في الأمة قتلاً وضربا ، أو الاعتداء على أعراض المسلمين نهباً وتخريباً وإفسادا ؛ فإن ذلك من الخروج على الجماعة ، والواجب على كل مسلم أن يلزم جماعة المسلمين . وتأمل رعاك الله قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم المبارك: (فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ) ؛ فشبَّه عليه الصلاة والسلام أمر المسلمين ودعوتهم بالسور المحيط بالمسلمين ؛ بمعنى أن من لزم الجماعة فإنه داخل هذا السور ، ومن خرج على جماعة المسلمين فإنه يصبح بذلك خارج السور فيكون فريسة للأعداء ونهباً للشيطان ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ) فإذا كنت لازماً لجماعة المسلمين محافظا عليها فإن دعوتهم وهي الإسلام تحيط بك وتشملك ، وأيضا دعوتهم وهي دعاؤهم لإخوانهم بظهر الغيب تشملهم في مساجدهم وفي صلواتهم وفي عموم أدعيتهم .
الدعاء