خطبة عن (وقفات في سورة الأحزاب)
ديسمبر 15, 2018خطبة عن لبس الحق بالباطل (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ)
ديسمبر 15, 2018الخطبة الأولى ( تدبر القرآن ) (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29) ص ،وقال الله تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82) النساء ،وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (17) القمر
إخوة الإسلام
من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده إنزال هذا الكتاب الكريم، كتاب الهداية، والراحة، كتاب الطمأنينة، والسعادة، كتاب النصر والتوفيق، كتاب التسلية والترويح، إنه كلام ربي ، خرج من الله، وإليه يعود .وهذا الكتاب لا ينفع قارئه إلا إذا كان يعمل به، ولا يمكن أن يعمل به إلا إذا تدبره، ولا يمكن أن يتدبره إلا إذا فهم معانيه، وهذا هو الذي نريد أن نقف عنده ، قال الله جل وعلا : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص 29، قال ابن جرير الطبري في تفسيرها :(ليتدبروا حجج الله التي فيه، وما شرع الله فيه من الشرائع، فيتعظوا ويعملوا به) ، فقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ، وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ولهذا لمَّا سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد (قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) ، فكان صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن منهجاً لحياته قراءةً وتدبراً وتطبيقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة”. وقال الامام علي بن أبي طالب: “لا خير في قراءة لا تدبر معها”. وقال ابن مسعود: “إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط حرفاً وقد أسقط العمل به”
وتدبر القرآن لا يحصل إلا إذا تمت للقارئ أربعة مراحل ، وهي : الأولى: معرفة معاني الألفاظ، وما يراد بها ، الثانية : تأمل ما تدل عليه الآيات، مما يفهم من السياق ، أو من تركيب الجمل ، الثالثة: اعتبار العقل بحججه، وتحرك القلب بزواجره، وبشائره، الرابعة: اليقين بأخباره، والخضوع لأوامره. قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) النساء 174، وقال الآجري في آداب حملة القرآن : فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة، يرى بها ما حسن من فعله وما قبح فيه، فما حذره مولاه حذره، وما خوفه به من عقابه خافه، وما رغب فيه مولاه رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصفة فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرن شاهدا وشفيعا وأنيسًا وحرزًا، ومن كان هذا وصفه نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه وعلى ولده كل خير في الدنيا والآخرة) ، وقال الله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر (21) وقال ابن القيم رحمه الله : (فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة والتي بها فساد القلب وهلاكه فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاجا إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن ،وفي مسند أحمد وغيره ( عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) المائدة 118، فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا زِلْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى أَصْبَحْتَ تَرْكَعُ بِهَا وَتَسْجُدُ بِهَا . قَالَ « إِنِّى سَأَلْتُ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ الشَّفَاعَةَ لأُمَّتِي فَأَعْطَانِيهَا وَهِىَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَنْ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً »
أيها المسلمون
فتدبر كلام الله تعالى من أسمى الغايات التي أنزل الله القرآن من أجلها، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (17) القمر . ومن الأسباب الداعية إلى التفكر في كلام الله سبحانه قراءة القرآن بتأنٍ وهدوء، وعدم عجلة وسرعة لأجل ختمه مرات عديدة، من غير نظر ولا فكر ولا تأمل، وهذا منهي عنه ومكروه لأنه يشبه قراءة الشعر .وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره! ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدقل!. فنجد أن الصحابة الكرام يذمون من يهذ القرآن ،ويسرع في تلاوته ،ولا يتفكر في عجائبه ، وبلاغته ،وحكمه ،وأحكامه، وأوامره ،وزواجره.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تدبر القرآن ) (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رأياً في الختمات الكثيرة، فقال – رحمه الله – : «وأما الأفضل في حق الشخص، فهو بحسب حاجته ومنفعته، فإن كان يحفظ القرآن وهو محتاج الى تعلم غيره، فتعلمه ما يحتاج إليه أفضل من تكرار التلاوة التي لا يحتاج إلى تكرارها، وكذلك إن كان حفظ من القرآن ما يكفيه وهو محتاج إلى علم آخر، وكذلك إن كان قد حفظ القرآن أو بعضه وهو لا يفهم معانيه، فتعلمه لما يفهمه من معاني القرآن أفضل من تلاوة ما لا يفهم معانيه، وأما من تعبد بتلاوة الفقه، فتعبده بتلاوة القرآن أفضل، وتدبره لمعاني القرآن أفضل من تدبره لكلام لا يحتاج إلى تدبره». لذا.. فمن المناسب أن نجعل لنا أوقاتا خاصة لقراءة القرآن لأجل الختمة، ومضاعفتها ، ونخص أوقاتا أخرى للتدبر والفهم والتفسير، وإن قلت، فقليل دائم، خير من كثير منقطع، ومن أحوال السابقين مع القرآن فقد كان الامام أبو حنيفة شديد الخوف من الله صلى العشاء الآخرة فقرأ بهم الإمام (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) الزلزلة (1)، فلما قضى الصلاة وخرج الناس نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يفكر ويتنفس فقلت أقول لا يشتغل قلبه بي فلما خرجت تركت القنديل ولم يكن فيه إلا زيت قليل فجئت وقد طلع الفجر وهو قائم قد أخذ بلحية نفسه وهو يقول يا من يجزي بمثقال ذرة خير خيرا ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شرا أجر النعمان عبدك من النار وما يقرب منها من السوء وأدخله في سعة رحمتك ،قال فأذنت فإذا القنديل يزهر ،وهو قائم ،فلما دخلت ،قال : تريد أن تأخذ القنديل، قال ،قلت : قد أذنت لصلاة الغداة ،قال اكتم على ما رأيت ،وركع ركعتي الفجر ،وجلس حتى أقمت الصلاة ،وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل .
الدعاء