خطبة عن (احذر سوء الظن بالناس .وعليك بحسن الظن بالآخرين)
فبراير 6, 2017خطبة عن(من أحكام الشريعة: جلب المصالح .ودرء المفاسد)
فبراير 7, 2017الخطبة الأولى ( تربية البنات) (..أحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (74) الفرقان ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ». وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.
إخوة الإسلام
الأولاد : من الأبناء ، والبنات، والذرية ، هم قرة أعين للآباء والأمهات، ولكن حتى يكون هؤلاء قرة أعين فلا بد من تنشئتهم تنشئة صالحة، ولذلك أمرنا الله برعاية الأهل والأولاد، وتنشئتهم على خصال الخير والرشاد، وأمر بحفظهم عن كل ما يؤدي إلى الفساد، فقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم6. ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، ويترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وحروبهم، أما البنت فكانوا لا يحبونها، وكان عدم حبهم لها ،والخوف من عارها ، يحمل بعضهم على كراهيتها ،بل وعلى قتلها ووأْدِها، كما قال الله تعالى ـ عن ذلك: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } (النحل الآية 58: 59)، وقال تعالى : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } (التكوير الآية: 8: 9) . وحين بعث الله نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حرم هذه الفِعلة الشنعاء وهي وأد البنات، ففي صحيح البخاري (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ »
قال ابن حجر في ” فتح الباري”: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ووَأدَ البنات ) هو دفن البنات بالحياة, وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن ” . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ وُلِدَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا – يَعْنِى الذَّكَرَ – أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ ». رواه أحمد، ، وحسنه الشيخ أحمد شاكر ..
ولم يكتفِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنهي الشديد عن وأد البنات، بل جاء معتنياً بهن، بغية تصحيح مسار البشرية وإعادتها إلى طريق الإنسانية والرحمة، وتكريماً للبنات وحماية لهن، وحفظاً لحقوقهن، بل وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة بالإحسان إليهن، ووعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الجزيل والمنزلة العالية، ومن ذلك :
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ». وَضَمَّ أَصَابِعَهُ). رواه مسلم . وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( دخلتْ امرأةٌ معها ابنتانِ لها تسأَل (فقيرة)،فلم تجدْ عندي شيئًا غيرَ تمرةٍ، فأَعطيتُهَا إيَّاها، فَقَسَمَتْهَا بينَ ابنتيْها ولم تأكُلْ منها، ثم قامتْ فخرجتْ، فدخلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته، فقال: من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النار ) رواه البخاري . وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ – وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة )، وفي رواية الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يحدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عددا من البنات، فقال: ( مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجاباً من النَّار ) . قال النووي: ” قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من ابتلي بِشَيءٍ من البناتِ ) إِنَّمَا سَمَّاهُ اِبْتِلاء لأَنَّ النَّاس يَكْرَهُونَهُنَّ في الْعَادَة ، وَقَالَ اللَّه تعالَى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم } ( النحل الآية 58) ” . وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ ) رواه الترمذي . وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث: ( أو ) للتنويع لا للشك، ففي رواية جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّةُ ألبتةَ، قيل يا رسولَ اللهِ: فإن كانتا اثنتينِ؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة ) رواه أحمد وصححه الألباني . وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ ) رواه الطبراني وصححه الألباني . قال المباركفوري: ” واختُلِفَ في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب، أو بما زاد عليه؟، والظاهر الثاني، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره ” .
وفي هذه الأحاديث تأكيد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حق البنات على آبائهم أو من يقوم على تربيتهن، وذلك لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالح أنفسهن، وليست القضية طعاماً ولباساً وتزويجاً فقط، بل أدباً ورحمة، وحسن تربية واتقاءً للهِ فيهنَّ، فالعَوْل في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن، من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح، بالتعليم والتهذيب والتوجيه ، والأمر بالخير والنهي عن الشر، وحسن التربية، وهذه فائدة جمع الروايات في الحديث . قال النووي: ” ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما ” . وقال ابن باز: ” وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن، رغبةً فيما عند الله ـ عز وجل ـ فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، ويُرْجَى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حق من عال ثلاث بنات، وفضْل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يُرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل .. “، وقال: ” الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن، وتنشئتهنّ على الحق، والحرص على عفتهن، وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا ” . فيا عائلاً للبنات، أبشِر بحِجاب من النار، وأبشر بالجَنَّة بصُحْبة النبي المختار ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالتربية الصالحة للأولاد ينتفع بها الآباء والأمهات في الدنيا والآخرة، وتعود بالبركة على الأسرة بأجمعها ، أما في الدنيا فمعلوم، مما يحصل من البر منهم، وكذلك من فعلهم للحسنات وكونهم قدوة في الخير، وشامة بين الناس، يغبطك عليهم الآخرون مما يرون من صلاحهم ودينهم، وأما في الآخرة فهم حسنات جارية تكتب في صحائف أعمالك، فترتقي بها عند الله، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: كما في صحيح مسلم « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ». والولد يشمل الذكر والأنثى، إذن هذا عمل لا ينقطع ويجري للأب في قبره، أن يكون عنده (وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)، بل حتى إذا دخل الجنة يستفيد، قال عليه الصلاة والسلام: « إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ »رواه ابن ماجة . كما أن الولد ينتفع بصلاح أبيه في الدنيا، وقد قال تعالى: ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ) سورة الكهف82، فحفظ الله الذرية بصلاح الأب، وكذلك فإن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وبركته تشمل أولاده من بنين وبنات، فالمنفعة متبادلة بين الأصول والفروع، يستفيد هؤلاء من صلاح هؤلاء، وأولئك من صلاحهم.
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم (من أبْتُليَ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) فيه إشارة من النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن تربية البنات ابتلاء وامتحان واختبار يحتاج إلى صبر ومصابرة وجهد ومجاهدة وإحسان وإتقان حتى تنشأ البنت على منهج الرحمن ،وفي الحديث تأكيد على حق البنات ، لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالح أنفسهن، بخلاف الذكور الذين فيهم قوة البدن، وجزالة الرأي، وإمكان التصرف في الأمور، وهكذا.
فمن ربى بناته على منهج الرحمن ،فإن جزاءه جنة الرضوان ،والوقاية من النيران
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تربية البنات) (..أحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويجب على الأب المربي أن يربي ابنته منذ الصغر على الطاعة وأن يحبب إليها الإيمان ويزينه في قلبها ويكره إليها الكفر والفسوق والعصيان ،فمن الخطأ الكبير أن يضيع الأب الصلاة،وأبناؤه ينظرون إليه ،أو يكذب ،أو يلعن ،وهم يستمعون إليه ،أو يشتري الملابس القصيرة ،أو الشفافة لبناته ،فيعودهن منذ الصغر على السفور ،ويضعف في قلوبهن هيبة الحجاب والستر، يقول الله تعالى : ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ الاعراف 26 ،ومن الخطأ الكبير أيضا ،أن يقسو الأب على بناته ،فإن البنات ضعيفات وعاطفيات وهن بحاجة ماسة إلى سماع كلمات الرفق والتقدير والحنان من أبيهن ، واسمعوا إلى تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بناته في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني (عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ – وَقَالَ الْحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلاَمًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَسَنُ السَّمْتَ وَالْهَدْىَ وَالدَّلَّ – بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا ) .
فإن هذا الحنان والعطف يملأ قلب الفتاة بالحب ،ويٌشبع نفسيتها بالأمان، وحين يقصر الأب في ذلك ،وتشعر البنت أنها فقدت الأمان عند أبيها وإخوانها ، فإنها ستخدع بمعسول الكلام ، وتتلقفها الأيادي الكاذبة الماكرة الخادعة ، التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. ومن الخطأ أيضاً ،أن يعطي الأب لابنته حرية زائدة وثقة مطلقة ،فيتركها تذهب حيث تشاء ،وتخرج متى تشاء ،وتدخل إلى البيت حين تشاء ،بزعم أنه يثق فيها ، وفي أفعالها ، وينسى أننا في زمن الفتن والماديات ، وكثرة المغريات وقلة الروحانيات. ومن الخطأ أيضاً ،أن يهتم الأب بتعليم ابنته التعليم المدرسي ،ويفرط في التعليم الديني (التعليم الشرعي) ،فتنشأ البنت وتكبر وهي لا تحفظ شيئا من كتاب الله ،ولا تعرف كثيراً من أحكام الصلاة والحيض والنفاس وغير ذلك من الأحكام التفصيلية التي تحتاجها المرأة في حياتها ،فتجدها في مسائل العلوم والرياضيات من أذكى البنات ،لكنها في مسائل الطهارة والصلاة لا تستطيع أن تفتي نفسها ،ولا شك أن هذا من الغفلة التي قال الله عنها ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ الروم 7 ، فيجب على الوالدين أن يعلموا البنت إذا صارت في سن المراهقة أحكام البلوغ ،وأحكام الحيض ،أو يلحقوها بالمراكز النسوية والحلقات الشرعية التي تقام للبنات ، لتتعلم أحكام دينها ومسائل فقهها. ومن الخطأ الكبير أيضاً أن يزوجها فاسقاً ،أو عاصياً ،أو يزوجها رجلاً بغير إذنها ، أو يؤخر زواجها إذا جاءها من يرضى دينه وخلقه ،بحجة إكمال الدراسة ،أو الحصول على وظيفة ،فتبلغ البنت من السن عتياً ،ويزهد فيها الشيوخ والكبار ،فضلاً عن الشباب الصغار ،ووالدها لا يزال متعنتاً لا يريد أن يزوجها إلا عند ما تتحقق الشروط التي وضعها ،أو المهر الذي طلبه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ « إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) رواه الترمذي وغيره ، ويقول الله جل جلاله ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ النور 32 ، وينبغي على الآباء أن يكثروا من الدعاء لأبنائهم بالهداية والصلاح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن دعوة الوالد لولده دعوة مستجابة.
أيها الآباء والأمهات
إن مسئوليتكم تجاه بناتكم عظيمة ،فكم من صالحة أنشأت جيلاً عظيماً ،كانت نتاج تربية صالحة ،وغراس أب عظيم صالح ، واسمعوا إلى هذه القصة العجيبة. كان ثابت يسير بجانب بستان فوجد تفاحة ملقاة على الارض…. فتناول التفاحة…. واكلها ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه….. فأخذ يلوم نفسه ويعاتبها… فقرر أن يلتقي بصاحب البستان ليسامحه في هذه التفاحة، أو يدفع له ثمنها….. فذهب ثابت إلى صاحب البسان وحدثه بالأمر…. فأندهش صاحب البستان من ورع ثابت وأمانته. فقال له: ما اسمك؟؟ قال: ثابت قال يا ثابت: لن اسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط…أن تتزوج ابنتي… واعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة… فوازى ثابت بين عذاب الدنيا وبين عذاب الآخرة ..فوجد أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فوافق على الزواج من تلك الفتاة فلما دخل عليها وجدها في غاية الروعة والجمال ،والعلم والتقى….. فأستغرب كثيرا …لماذا وصفها أبوها بأنها صماء عمياء خرساء مشلولة….فلما سألها قالت: إنها عمياء عن رؤية الحرام ، وصماء عن سماع ما يغضب الله…. ومشلولة عن السير في طريق الحرام…. فكان ثمرة هذا الزواج المبارك أن أنجبت تلك الفتاة لثابت الإمام الكبير والعالم النحرير: النعمان ابن ثابت المشهور بأبي حنيفة النعمان ،ويتجلى حب البنت أيضا في قول عامر بن الظرب ، لابن معاوية لما خطب إليه ابنته : ( ياصعصعة إنك أتيتني تشتري مني كبدي ، وأرحم ولدي عندي ، والحسيب كفء ، والزوج الصالح أب بعد أب )
أيها المسلمون
إن إكرام البنات والعناية بهن، والقرب منهن، والتأديب، والرعاية، والشفقة عمل عظيم ، فأحسن الله إلى من أحسن إليهن، وأكرم الله من أكرمهن ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولكن من الآباء من يرمي بتربية البنات على عاتق الأم ويظن أنه مسئول عن البنين ولا علاقة له بالبنات وينسى أن تربية البنات عملية مشتركة بين الأب والأم ، فإن البنت محتاجة في طفولتها إلى تربية أمها أكثر من أبيها ، لكنها في مرحلة المراهقة محتاجة إلى تربية أبيها أكثر من أمها. وبنات اليوم أمهات الغد فإذا أحسنّا اليوم تربيتهن وتدريبهن فإننا نكون قد أعددنا جيلاً من البنات الصالحات المهيآت لتربية أبنائهن وقيادة بيوتهن يقول الله في كتابه الكريم ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ ﴾ النساء 34، والبنات يتعرضن من أعداء الإسلام إلى حملة شعواء تستهدف عفتهن وطهارتهن وأخلاقهن ويحاولون إغرائهن بالمغريات المغلفة وإغراقهن في الشكليات المزيفة وإذا لم يجدن توجيهاً متواصلاً من أهلهن فإن العواقب ستكون وخيمة.
الدعاء