خطبة عن ( صلاح الآباء ينفع الأبناء)
مايو 9, 2017خطبة عن ( اسم الله : الرَءُوف )
مايو 11, 2017الخطبة الأولى ( تزكية النفوس) ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) آل عمران 164، وقال تعالى :(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (9) ،(10) الشمس ،وفي صحيح مسلم : (كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا)، وفي المعجم الصغير للطبراني : (أن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال ثلاث من فعلهن فقد ذاق طعم الإيمان من عبد الله عز و جل وحده بأنه لا إله ألا هو وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولكن من أوسط أموالكم فإن الله عز و جل لم يسألكم خيرها ولم يأمركم بشرها وزكى نفسه فقال رجل وما تزكية النفس فقال أن يعلم أن الله عز و جل معه حيث كان)
إخوة الإسلام
إن إصلاح النفوس ،والسعي إلى تزكيتها بالإيمان والعمل الصالح ،وتنقيتها من أدران الشرك والمعاصي ،والارتقاء بها في مدارج الكمال الإيماني ، وسلم السمو الأخلاقي والسلوكي من أهم ما ينبغي أن يسعى إلى تحقيقه المربون، وينتبه إلى أهميته المصلحون ، وتزكية النفس لغة: طهارتها ونماؤها وإظهار محاسنها. واصطلاحاً: تطهيرها عن الصفات المذمومة وتكميلها وتحليتها بالأعمال الصالحة وتزيينها بجمال التعظم لله – عز وجل. والتزكية مهمة للإنسان من عدة أوجه ، ومنها :– أن الله عز وجل – وهو الحق وقوله الصدق – أقسم في كتابه أحد عشر قسماً على فلاح من زكى نفسه وعلى خسران من أهمل ذلك، قال تعالى: ” وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” (1) : (10) الشمس. ومن أهمية التزكية : – أن النفس من أشد أعداء الإنسان الداخليين لأنها تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، وسائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانبها، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شرها كثيراً، قال ابن القيم رحمه الله: وقد اتفق السالكون على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها والظفر بها ). ومن أهمية التزكية : – أن التزكية طريق الجنة، قال الله تعالى: ” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ” (40)، (41) النازعات، ومن أهمية التزكية :
– أن الإنسان محب للكمال فينبغي لـه أن يعمل على إكمال نفسه بتزكيتها وتربيتها، فهذه النفس تصاب بالأعراض التي تصاب بها الأبدان، فهي محتاجة إلى تغذية دائمة ومحتاجة إلى رعاية، ومحتاجة كذلك إلى متابعة للازدياد من الخير كما يزداد البدن من الطاقات والمعارف، وممَّا يدل على أهمية تزكية النفس: أن الله تعالى نسب تزكية النفوس إلى نفسه؛ حيث قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49].
أيها المسلمون
وإن نظرة خاطفة متعمقة لحال المسلمين اليوم يمكن من خلالها إدراك مدى الحاجة العظيمة والماسَّة إلى إعادة تربية وتزكية وبناء أنفسنا، وتأسيسها على تقوى من الله ورضوان، وأن الحاجة إلى ذلك أصبحت ـ وهي دوما ـ أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء. وذلك لعدة أسباب ومنها : أولاً: كثرة الفتن والمغريات وأصناف الشهوات والشبهات؛ فحاجة المسلم الآن -لا ريب- إلى البناء أعظم من حالة أخيه أيام السلف، والجهد -بالطبع- لابد أن يكون أكبر؛ لفساد الزمان والإخوان، وضعف المعين، وقلة الناصر. ومما يدل على أهمية التزكية : ثانيًا: لكثرة حوادث النكوص على الأعقاب، والانتكاس، والارتكاس حتى بين بعض العاملين للإسلام، مما يحملنا على الخوف من أمثال تلك المصائر. ومما يدل على أهمية التزكية : ثالثًا: لأن المسؤولية ذاتية، ولأن التبعة فردية والإنسان يحاسب عن نفسه لا عن غيره فلابد من جواب واستعداد (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نفْسِهَا) النحل 111، ومما يدل على أهمية التزكية : رابعًا: عدم العلم بما نحن مقبلون عليه؛ أهو الابتلاء أم التمكين؟ وفي كلا الحاليْن نحن في أَمَسِّ الحاجة إلى بناء أنفسنا لتثبت في الحالين. ومما يدل على أهمية التزكية : خامسًا: لأننا نريد أن نبني غيرنا، ومن عجز عن بناء نفسه فهو عن بناء غيره أعجز . هذا وتنقسم تزكية النفس إلى قسمين رئيسين هما: التحلية، والتخلية. فالتخلية: يقصد بها تطهير النفس من أمراضها وأخلاقها الرذيلة. وأما التحلية: فهي ملؤها بالأخلاق الفاضلة وإحلالها محل الأخلاق الرذيلة بعد أن خليت منها.
أيها المسلمون
وللوصول إلى تزكية النفس ينبغي اعتماد الوسائل الآتية: . التوحيد الخالص لله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]، ومن وسائل التزكية : فعل الطاعات وترك المحرمات والصبر على ذلك كله: ففي الطاعات نور القلب وانشراح الصدر وهمة الجوارح وفي المحرم ظلمة القلب وضيق الصدر وكسل الجوارح وعجزها. كما قال القائل : رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ وقد يورثُ الذلَّ إدمانها ، وتركَ الذنوب حياةُ القلوب وخيرٌ لنفسك عصيانها، ومن وسائل التزكية : طلب العلم الشرعي على يد أهله العارفين بعيوب النفس وتزكيتها وفق نهج الأنبياء يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: “وتزكيةُ النفوس أصعبُ من علاج الأبدان وأشدَّ، فمن زكَّى نفسه بالرياضةِ والمجاهدة والخلوةِ التي لم يجيءَ بها الرسل، فهو كالمريضِ الذي يعالجُ نفسَه برأيِه، فالرسلُ أطباءُ القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم والتسليم لهم”. ومن وسائل التزكية : محاسبتها ومجاهدتها للتغلب على الهوى والشيطان والدنيا؛ قال ميمونُ بنُ مهران – رحمه الله تعالى -: (لا يكونُ الرجلُ من المتقين حتى يحاسبَ نفسَه أشدَّ من محاسبةِ شريكهِ، حتى يعلمَ من أين مطعمُه، ومن أين ملبسُه، ومن أين مشربُه أمِنْ حلالٍ ذلك أم من حرام). ومن وسائل التزكية : الصحبة النافعة التي تعين على تربية النفس وتزكيتها والبعد عن كل ما يضرها ويهلكها قال علي – رضي الله عنه -: كم من جاهل أردى حليماً حين آخاه .. يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه، ومن وسائل التزكية : التوبة، فهي أول مقامات منازل العبودية عند السالكين، وبها يذوق الإنسان حلاوة الانتقال من التخلية إلى التحلية، ومن وسائل التزكية : لزوم الاستغفار والذكر عموماً، لقول الله عز وجل: ” وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ” الزخرف (36). ومن وسائل التزكية : الإكثار من وعظها وتذكيرها بالموت والدار الآخرة، ومن وسائل التزكية : الصلاة: وهي من أعظم ما تزكو به النفوس ولذلك قرن الله تعالى بينها وبين التزكية في قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: 14 ـ 15].
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم تطهير الصلاة للنفوس بتطهير الماء للأبدان ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ ». قَالُوا لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ.قَالَ « فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ».ومن وسائل التزكية : الصدقة: قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة: 103]. قال الشيخ السعدي: «وفيها أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها؛ لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تزكية النفوس) ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن ثمار تزكية النفس: 1. الفلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة؛ “فلا يصلح لِمُلك الآخرة ونعيمها ولا القرب من رب العالمين إلا قلب سليم صار طاهراً بطول التزكية والتطهير قال الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9 – 10]. فإن من أعظم فوائد التزكية وعواقبها على أصحابها أنها تهبهم سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة، قال ابن الجوزي: من أحب تصفية الأحوال فليجتهد في تصفية الأعمال: قال تعالى : (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) (الجـن:16) ، وقال الداراني: “من صفى صفي له، ومن كدر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله. ومن ثمار تزكية النفس: 2. راحة البال وسكينة القلب وطمأنينته وانشراح الصدر وسعته، قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4]، وقال تعالى: ﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]. ومن ثمار تزكية النفس: 3. الثبات على الدين والطاعة، قال تعالى : ﴿ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم:27]، فكلما قويت النفس وتهيأت بالذكر والاستغفار والتوبة والإنابة كلما كانت أقدر بإذن الله على تجاوز العقبات والتغلب على الصعوبات فتثبت ولا تتزحزح. ومن ثمار تزكية النفس: تزكيةُ النفوس سببُ الفوزِ بالدرجات العُلي: قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ) طه: 75، 76 ،قال ابنُ كثير: ( أي طهرَّ نفسه من الدنسِ والخبَثِ والشركِ، وعبدَ اللهَ وحده لا شريك له )
الدعاء