خطبة عن (الْجَزَاء الْأَوْفَى)
أبريل 13, 2025خطبة عن (تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ)
أبريل 16, 2025الخطبة الأولى (تزيين الأعمال)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (38) العنكبوت، وعن ملكة سبإ وقومها: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) النمل، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) (4) النمل، وقال تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فاطر/8،
إخوة الإسلام
إن المتدبر لآيات القرآن الكريم يتبين له أن الله تعالى قد أضاف تزيين الأعمال لنفسه سبحانه، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) النمل/4. وأضاف سبحانه تزيين الأعمال إلى الشيطان مرة أخرى، فقال تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) النمل/ 24. ومن هنا يتبين لنا أن تزيين الأعمال على ضربين: الأول: تزيين منسوب إلى الله تعالى، وهو تزيين تقديري، أي قدره الله تعالى، يعني: هو الذي قدَّر على الشَّيْطان أن يُزَيِّنَ لهم، ومعلومٌ أنَّ الله تعالى خالِقُ الشَّيْطانِ، وما نتج من أعماله فهو مضافٌ إلى الله؛ كما نقول في الإِنْسَانِ: إنَّه مَخْلوقٌ لله، وما نتج من أعماله فهو مَخْلوقٌ لله عَزَّ وَجَلَّ، فيكون تَزْيينُ الله تعالى حَسَب التَّقْديرِ؛ أي: (هو الذي قدَّر أن يُزَيِّنَ الشَّيْطانُ لهم أَعْمالَهُم)
الثاني: تزيين منسوب إلى الشيطان: وهو تزيين مباشرة العمل، ودعاء الناس إليه، وبين النوعين فرق كبير، قال الإمام ابن القيم (رحمه الله): (فأضاف التزيين إليه سبحانه خلقًا ومشيئة، وحذف فاعله تارة، ونسبه إلى سببه ومن أجراه على يده تارة، وهذا التزيين منه سبحانه حسن؛ إذ هو ابتلاء واختبار لعبيده؛ ليتميز المطيع منهم من العاصي، والمؤمن من الكافر، كما قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الكهف/7، وهو من الشيطان قبيح). وقال أيضًا: (فتزيينه سبحانه للعبد عمله السيئ: عقوبة منه له على إعراضه عن توحيده وعبوديته، وإيثاره سيئ العمل على حَسَنِه؛ فإنه لابدّ أن يُعرّفه سبحانه السيئ من الحسن، فإذا آثر القبيح، واختاره وأحبَّه ورضيه لنفسه؛ زيّنه سبحانه له، وأعماه عن رؤية قبحه بعد أن رآه قبيحًا).. وكل ظالم وفاجر وفاسق لابد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحًا، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤية قبحه من قلبه، فربما رآه حسنًا عقوبة له؛ فإنه إنما يكشف له عن قبحه بالنور الذي في قلبه، وهو حجة الله عليه، فإذا تمادى في غيّه وظلمه ذهب ذلك النور، فلم ير قبحه في ظلمات الجهل والفسوق والظلم. ومع هذا؛ فحجة الله قائمة عليه بالرسالة، وبالتعريف الأول. فتزيين الربّ تعالى عدل، وعقوبته حكمة. وتزيين الشيطان إغواء وظلم، وهو السبب الخارج عن العبد. والسبب الداخل فيه: حبّه وبغضه وإعراضه. والرب سبحانه خالق الجميع، والجميع واقع بمشيئته وقدرته، ولو شاء لهدى خلقه أجمعين، والمعصوم من عصمه الله، والمخذول من خذله الله، (لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) (الأعراف) “شفاء العليل”
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أن من أساليب الشيطان في غواية الإنسان: (التزيين)، والتزيين الذي يعمد إليه الشيطان لإغواء الإنسان نوعان: الأول: تزيين القبيح. والثاني: تقبيح الحسن.
فأما تزيين القبيح، فمن قوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ) الأنفال:48، وقوله تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) (38) العنكبوت، فإذا رأى الشيطان الإنسان قد وقع في معصية، زيَّنها وحسَّنها، وأوجد لها من أدوات التحسين ما يُشجِّع العاصي على الإصرار على معاودتها، وذلك بإظهار منافعها، وإخفاء مغباتها وحسراتها، فتجده يُحسِّن جمع المال، والحرص عليه، ويُظهِر لصاحبه أنه الحكيم في تصرفه، الناظر لعواقب الأمور، ولا يزال به حتى يوقعه في الشحِّ، والغشِّ والخداع، وكل ذلك، بتصوير هذه المعاصي على أنها من الذكاء والفطنة والحنكة والعقل، فتزيين القبيح: أن يزين الشيطان للإنسان السيئات، ويريها إياها في صورة المنافع واللذات والطيبات، ويُغفِلها عن مطالعتها لمضرتها، فيتولّد من بين هذا التزيين، إرادة وشهوة، ثم يمدها بأنواع التزيين، فلا يزال يقوى، حتى يصير عزمًا جازمًا يقترن به الفعل، كما زيّن للأبوين الأكل من الشجرة، وأغفلهما عن مطالعة مضرة المعصية.
وأمَّا تقبيح الحسن: فيعمد فيه الشيطان إلى صرف الإنسان عن الفرائض والواجبات؛ فإن لم يظفر بذلك، عمد إلى صرفه عن المستحبَّات، وفضائل الأعمال، وأشدُّ ما يحرص الشيطان على فعله في هذا الباب: تفويت الصلاة على العبد، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ ،يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ»،
ومن المعلوم أن تزيين الخير والهدى: فهو من الله تعالى ويكون بواسطة الملائكة والمؤمنين، وأما تزيين الشر والضلال: فيكون بواسطة الشياطين، من الجن والإنس، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) الأنعام/137. وحقيقة الأمر: أن التزيين بالشر والضلال: إنما يغترّ به الجاهل؛ لأن الشيطان يُلْبِسُ له الباطلَ والضارَّ المؤذي، صورةَ الحق والنافعَ الملائم).
أيها المسلمون
وتزيين الشيطان للإنسان له صور كثيرة ومتعددة: ومنها: تزيينه بتحسين الأفكار الباطلة، والأهواء المخلة، وإيجاد المسوِّغات لها، وقذفها في القلوب المريضة، ومن ذلك: تزيين الاستغاثة بالأموات، ودعائهم، والذبح لهم، والنذر لهم، وتعظيمهم، وكذلك تزيين التعبُّد بما لم يأذن به الله، سواء في الصلاة، أو الصوم، أو في الحج، فتجده يحسن الصلاة في القبور، ويُزين الوصال في الصيام، ويُرغِّب في تأخير فريضة الحج، وفي كلِّ ذلك تجده يقذف في قلب الإنسان من الأفكار والخطرات، ما يظهر الحقَّ في صورة الباطل تغريرًا، كما قال تعالى: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) الأنعام:112، ومعلوم أنَّ وحي الشيطان للإنسان إنما يكون بقذف الخطرات في قلبه، ونفثها في نفسه.
ومن صور تزيين الشيطان: أن يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجهٍ عبوسٍ، ولا تُريهم بِشرًا ولا طلاقة، فيطمعون فيك، ويتجرَّءون عليك، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم، وميل قلوبهم إليك، ومحبتهم لك، فيفتح لك باب الشر، ويُغلق عنك باب الخير.
ومن صور تزيين الشيطان: أن يصرف الشيطان النائم عن الصلاة، وأمَّا المستيقظ فيزيِّن له البيع والتجارة، ويخوِّفه الكساد والخسارة، إن هو آثر الصلاة على العمل، كما يصرفه عنها بأنواع المغريات والملهيات والشهوات: كالغناء والأفلام ونحوها،
فما قعد قاعدٌ عن الجهاد، ولا أمسك غنيٌّ عن الإنفاق، ولا حُبس قادر عن الإحسان، إلاَّ بتزيين الشيطان، وتقبيحه لهذه الخصال الطيبة، فتراه يخوف المجاهد بالموت، وتشريد الأهل والعشيرة، ويخوف المنفق بالفقر وسقوط الهيبة والمكانة، ويخوف المحسن باستعلاء الناس ولؤمهم، ونكرانهم للجميل، قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة: (268).
ومن صور تزيين الشيطان: ما نجده في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال:48]، فالشيطان هنا يزيِّن لكفَّار قريش قتالَ المسلمين، ويبيِّن لهم أنَّه جار لهم ومُعين،
ومن تزيين الشيطان للأعمال: ما جاء في قول الهدهد لسليمان: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ (23)، (24) النمل، فزيَّن الشيطان لهم أعمالهم، فأضلَّهم، فهم لا يَهتدون إلى عبادة الله العليم الخبير.
وتزيين الشيطان لا يقِف عند قوم بعينهم؛ وإنما هو مستمرٌّ مع وجود المجتمع الإنساني؛ قال تعالى: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل:63]؛ فهذا قسَم من الله تعالى بنفسه، بأنَّه قد أرسل رسلًا من قبل محمد صلى الله عليه وسلم، فدعَوا الناسَ إلى عبادة الله وحده، وترك الشرك، ولكن: ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾، فكذَّبوا الرسلَ، وزعموا أن ما هم عليه هو الحق المنجي من كلِّ مكروه، وأنَّ ما دعَت إليه الرسل فهو الكذب والضلال، وفيه الهلاك.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تزيين الأعمال)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقد يأتي هذا التزيين على شكل مبرراتٍ يسوقها الشيطان لضحاياه، لتبرير أفعالهم؛ فالذي يزني، ويأتي الفواحش، يزين له أنه يمارس حريته الشخصية، والذي يسرق ويختلس، يزين له أنه يستعين بذلك على تكاليف الحياة، والذي يعتدي على الدماء المعصومة دون وجهٍ حق، يزين له أنه ينطلق من واجب شرعي ووطني، وربما جهادي، وخدمة الإسلام والمسلمين، والذي يمارس الدكتاتورية، والقهر والظلم، يزين له أنه يحافظ على وحدة الشعب، وتماسكه من الدعوات الطائفية والعرقية، وأن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك، كما فعل فرعون، وهو يواجه موسى -عليه السلام- فقال مخاطباً قومه ومحذراً من موسى -عليه السلام-: (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26]، فقال الله تعالى- (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) [غافر: 37].
وكم من علماء، وسياسيين، وإعلاميين، ومثقفين، وأدباء، وأصحاب شهادات عالية، زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، حتى رأوها حسنة، فكانوا معول هدم في مجتمعاتهم وأمتهم، ورضوا بأن يكونوا أتباعا وموالين لأعداء الدين، على حساب الثوابت والمقدسات.
ومن العجيب أن أسلحة الشيطان في ذلك لا تخرج عن التأثير النفسي، وهو ما سماه الله بالوسوسة، وهي حديث النفس، والكلام الخفي الذي لا يُسمع، وقد مكَّنه الله من مخاطبة النفس والإيحاء إليها، قال تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) [طه:120].
والشيطان عندما يبرز للتزيين، يبحث عن مواضِع الضَّعف عند الإنسان، فيركز عليها، ألم نرَ في قصَّة الصراع الأولى كيف حرَّك في نفس أبينا آدم وزوجه غريزةَ حبِّ البقاء، فأوقعهم من خلالها في شراكه؟،
ولا شيء أكثر ضلالا، ولا أعظم خسرانا، ولا أشد ألمًا وعذابا، ولا أكبر مصيبة وغبنا، من ظن المبطل أنه محق، وظن المخطئ أنه مصيب، وظن الضال أنه مهتد؛ فيتعب بلا فائدة، ويسعى بلا أجر، ويعمل بلا مقابل، بل ربما ارتد عليه باطله وخطؤه فأخذ به، وحوسب عليه، وعذب بسببه، وحينها لا ينفعه حسن القصد في الباطل، ولا صدق النية في الخطأ؛ فإن الباطل والخطأ لا يتحولان بحسن القصد إلى حق وصواب. قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (103)، (104) الكهف،
فأخطر شيء على العبد: أن ينقلب قلبه، وينتكس فهمه، فيرى سوء العمل حسنا، ويرى الباطل حقا، والضلال هدى، والخطأ صوابا، قال تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام:108). فالصادق مع الله سبحانه، الباحث عن الحق، المتجرد من الهوى، يوفقه الله للحق والصواب، ويحبب له الخير، ويُكَرِّه له الشر؛ فيتبع الرسل، ويأخذ عن العلماء، ويقبل نصح المؤمنين، قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات:7). وفي الصحيحين: (عَنْ عَلِيٍّ – رضي الله عنه – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ « اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ». ثُمَّ قَرَأَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (5): (10) الليل
الدعاء