خطبة عن قول النبي ( أَبَا هِرٍّ : اقْعُدْ فَاشْرَبْ ، قُلْتُ : لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ،مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا )
نوفمبر 13, 2021خطبة عن فتنة السراء، وحديث (كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَرَاحَ فِي حُلَّةٍ)
نوفمبر 13, 2021الخطبة الأولى ( تصحيح مفهوم النعمة والنقمة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (15) :(17) الفجر
إخوة الإسلام
يخطئ الكثير من الناس اليوم في مفهوم النعمة والنقمة ، والاكرام والإهانة ، والسراء والضراء ، والمنع العطاء ، فمفهوم النعمة عند البعض : أن يكون صاحب ثروة ومال ، ومنصب وجاه ،وصحة وجمال، وما لذ وطاب من الطعام والشراب واللباس والمتاع والمساكن والأثاث والمراكب و..ومفهوم النقمة عندهم : أن يصاب بالمرض في جسده ، أو يقل ماله ويخسر عقاره ، أو يفقد كرسيه ومنصبه وجاهه ، أو يموت أحبابه أو … فجاء القرآن الكريم ليصحح لنا هذا المعنى الخاطئ ، ويصوب للناس مفهوم النعمة والنقمة ، فما تظنه نعمة ، قد يكون بالنسبة لك نقمة ، وما تحسبه نقمة ، قد يكون بالنسبة لك نعمة ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا ..) (16) ،(17) الفجر ، وقوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (11) الاسراء ،فالمعنى الصحيح للنعمة والنقمة، أن النعمة: هي : كل أمر يقربك من الله عز وجل فإنه نعمة ، وإن كان هذا الأمر تكرهه نفسك ، أو يخالف هواك ،فقد يكون الفقر لك نعمة ، فمن الناس من إذا أغناه الله كفر ، وإذا بسط له في الرزق طغى وتجبر ، فإذا أراد الله به الخير قدر عليه رزقه ، وقلل له ماله ، حتى ينجو من العذاب ، ويكون من أهل الجنان في الدار الآخرة ، قال الله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (75) :(77) التوبة ،وقد يكون المرض لك نعمة وأنت لا تدري ، فذنوبك ومعاصيك كثيرة ، وطاعاتك قليلة ، والله تعالى يريد أن يكفر عنك سيئاتك ، ويرفع لك درجاتك ، فيصيبك بالمرض لأنه يحبك ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ».وفي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». وهذا نبي الله أيوب عليه السلام ، يفقد ماله وجاهه وأولاده وأصدقاءه ، ويداهمه المرض والفقر، واستمر على ذلك ثمان عشرة سنة ، وقد ظن البعض أنه يعاقب بالنقم ، ولكنها كانت في حقيقتها نعما ، قال الله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (41) :(44) ص ، وقد يكون فقد الأحباب لك نعمة وأنت لا تدري ، ولا تفهم ذلك إلا في الدار الآخرة ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِى. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِى فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ »
أيها المسلمون
وأما مفهوم النقمة : فهي : كل أمر يبعدك عن الله فهو نقمة ، وإن كان في ثوب النعمة ، وكل أمر يدخلك النار فهو نقمة ،وإن كان في ظاهره نعمة ، وكل أمر يغضب الله عليك فهو نقمة ، وإن كنت تحسبه نعمة ، وخير مثال لذلك ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز عن قصة قارون ، فقد أُعطي قارون المنصب والمال والجاه والملك ، وهي في ظاهرها نعم ، ولكن الناظر إلى نهايته يتبين له أنها كانت له نقما ، قال الله تعالى : (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (76) :(83) القصص
أيها المسلم
قد تعيش وتموت وأنت تعتقد أنك تعرضت لظلم في جزئية معينة، ولكن الحقيقة هي غير ذلك تماما، فالله قد حماك منها : فقد تكون ذا بنية ضعيفة.. وتقول أن الله حرمني من الجسد القوي.. أليس من الممكن أن شخصيتك متسلطة.. ولو كنت منحت القوة لكنت افتريت على الناس؟، أو حرمك الله المال.. أليس من الممكن أن تكون من الذين يفتنون بالمال وكان نهايتك ستكون وخيمة؟، أو حرمك الله الجمال.. أليس من الممكن انك ذو شخصية استعراضية.. ولو كان منحك الله هذا الجمال لكان أكبر فتنة لك؟ ، فلماذا دائما ننظر للجانب الإيجابي للأشياء؟ ونقول حرمنا الله ، ولكن الله تبارك وتعالى : ( عطاؤه عطاء ، ومنعه عطاه ، وبسطه عطاء ، وقبضه عطاء ، هي المنح ، ولكنها في ثوب المحن ) ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) (78) النساء
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تصحيح لمفهوم النعمة والنقمة عند البشر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره”. وروى مكحول أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقول: “إن الرجل ليستخير الله فيختار له، فيتسخّط على ربه، ولا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خِير له”.
أيها المسلمون
فمن يدري فلعل وراء المكروه خيرًا. ووراء المحبوب شرًا. إن العليم بالغايات البعيدة، المُطَّلع على العواقب المستورة، هو الذي يعلم وحده. حيث لا يعلم الناس شيئًا من الحقيقة. فقد تكون الحسرة كامنة وراء المتعة! وقد يكون المكروه مختبئًا خلف المحبوب، وقد يكون الهلاك متربِّصًا وراء المطمع البرَّاق. فلماذا لا نثق في حكمة الله وتدبيره ونرضى باختياره ونُطبِّق شرعه؟ ، لماذا ننتظر دائمًا أن نعلم الحكمة في قضائه وتدبيره قبل أن نُسلِّم ونُفوِّض الأمر لله؟ ،إذا كنت مبتلى فاعلم أن الله اختار لك أن تغبط يوم القيامة لما تناله من خيرٍ عميم، وثواب عظيم.. يُعوِّضك عن بلواك في الدنيا فلا تشغل نفسك بما يُطغيك ويُنسيك الله ويُشقيك ويُرديك في الآخرة.
الدعاء