خطبة عن (بقدر النوايا تكون العطايا )
فبراير 28, 2023خطبة عن (الصادقون )
فبراير 28, 2023الخطبة الأولى (تَوَاضَعُوا )
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه: (عَنْ عِيَاضِ قَالَ: ( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا فَقَالَ: « وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)
إخوة الإسلام
لقد رغَّب الإسلام في خلق التَّواضُع، وحثَّ عليه، ابتغاء مرضات الله تعالى، ومَن تواضع، جازاه الله على تواضعه بالرِّفعة، والتواضع من أعظم الأخلاق التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحلى بها في نفسه، وأصحابه، فقال الله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (الحجر:88 ). وحين خُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملَكا أو عبدا رسولا، اختار أن يكون عبدا رسولا تواضعا لربه، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ فَقَالَ جِبْرِيلُ إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ أَفَمَلَكاً نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْداً رَسُولاً قَالَ جِبْرِيلُ تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ «بَلْ عَبْداً رَسُولاً»، وذكر الله تعالى أن من صفات عباد الرحمن التواضع، فقال تعالى 🙁وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (63) الفرقان،
لذا كان من الواجب على المؤمن أن يتخلق بخلق التواضع، فلا يصح أن يترفع على الناس بمركب، أو بثوب، أو بنعل يلبسه، أو ببيت يسكنه، فإن هذا عرض زائل، وللتواضع صور وأقسام متعددة: ومنها: تواضع العبد لخالقه ومولاه: وهو ألا يرى العبد لنفسه فضلاً في طاعة، ولا حقاً في ثواب، ولسان حاله يقول: يا رب، إن تثيبني فبمحض فضلك، وإن تعذبني فبمحض عدلك. ومن صور التواضع: التواضع مع النفس: وهو أن يعرف المرء لها مكانتها وقدرها قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13). ومن صور التواضع: التواضع مع الخلق: وهو ألا يرى الإنسان لنفسه فضلاً على غيره، عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: «وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»
أيها المسلمون
ومن الوسائل المعينة على التواضع، أن يتذكر العبد ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن يعرف العبد ربه معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته، فإذا عرفه معرفة صحيحة فإنه لا يترفع، فالله – تبارك وتعالى- هو العظيم الأعظم، والكبرياء وصف يختص به، ولا يصح للمخلوقين أن يتكبروا، فيتواضع العبد لربه، ويتواضع للمخلوقين، ويدرك أنه أضعف وأعجز وأصغر من أن يتكبر على أحد من الناس، ولهذا جاء في صحيح مسلم 🙁عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»،الأمر الثاني من الوسائل المعينة على التواضع: معرفة النفس بحقيقتها، فإذا عرف الإنسان ضعفه وعجزه ومسكنته، لم يتكبر على أحد لأنه يدرك تماماً أن التكبر لا يصلح له، فالإنسان كله نقص وعيب. الأمر الثالث: أن يتذكر الانسان أن هؤلاء الذين يترفع عليهم، أناس مثله يستوون معه في أصل الخلقة، وكلهم يرجعون إلى أب واحد ، فعلى أي شيء يترفع عليهم؟، فالواجب عليه ألا يفخر على الناس، ولا يتكبر عليهم، لا بمالٍ، ولا بعلمٍ، ولا بقوة جسمٍ، ولا بغير ذلك، بل عليه التَّواضع، فإذا كان قد حباه الله ببعض الأوصاف والكمالات، والنعم فإن ذلك من فضل الله عليه، فينبغي أن يزداد تواضعاً لله، وشكراً وخضوعاً وعبودية، لا أن يترفع عن الناس، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِى يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تَوَاضَعُوا )
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي صحيح مسلم: (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ». وفي سنن الترمذي: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا»، وفي الصحيحين: (أن النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ»،
هذا والتواضع المطلوب: هو التواضع الذي لا يؤدي إلى منقصة ولا مذلة، ولا يقدح في شرف الإنسان، ولا يحمله على التكلف البغيض. ففي حديث ضعفه الألباني: (طوبى لمن تواضع في غيرِ مَنقَصَةٍ، وذَلَّ في نفسِه من غيرِ مسألةٍ، وأنفق مالًا جمَعَه في غيرِ معصيةٍ، ورحمَ أهلَ الذِّلَّةِ والمسكنَةِ، وخالطَ أهلَ الفقهِ والحكمةِ، طوبى لمن طاب كسبُه، وصلُحتْ سريرتُه، وكرمتْ علانيتُه، وعزلَ عن الناسِ شرَّه، طوبى لمن عمل بعِلْمِه، وأنفق الفضلَ من مالِه، وأمسك الفضلَ مِن قولِه)،
وتواضع العبد لا بد أن يكون لله، سواء كان هذا التواضع للوالدين، أو لمن هم فوقه من العلماء والأئمة، أو كان هذا التواضع لإخوانه وأقرانه وأصحابه، بل لمن دونه من الصغار، ومن تحت يده من العاملين، فإن الله يرفعه بذلك، لكن إذا كان هذا التواضع لغير الله فإنه يورثه مذلة، فإذا كان الإنسان يترفع على الناس، ولكنه يتذلل لأهل الدنيا من الكبراء والأغنياء، ونحو ذلك، فمثل هذا لا يقال: إنه يزداد بهذا التواضع رفعة، بل إنه يزداد ذلًّا ومهانة ويحتقره الناس، وتنحط مرتبته، ولا يزيده من الله تبارك وتعالى- إلا بعداً.
الدعاء