خطبة عن (الْمُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)
فبراير 11, 2025خطبة عن (تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
فبراير 12, 2025الخطبة الأولى (جدد إيمانك)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) (136) النساء، وروى الحاكم والطبراني وصححه الألباني: (عن عبدالله بن عمرو قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ).
إخوة الإسلام
إن القلوب تتقلب بين الطاعة والمعصية، وبين السلامة والعطب، وبين قوة الإيمان وضعفه، فالقلب حين تحجبه سُحب المعصية، يصبح في ظلمة، ويصبح في وحشة، ويعلوه الران، كما قال تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (14) المطففين، وفي صحيح مسلم: (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ»،
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من تقلب القلوب، ففي سسن الترمذي: (قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَ «يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ». فَتَلاَ مُعَاذٌ (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)،
فالإيمان يزيد وينقص، ويبلى ويضعُف في قلب المسلم، ويكون ذلك بسبب الفتور في العبادة ،أو ارتكاب المعاصي، وانغماس النفس في شهواتها، فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله تعالى أن يجدد إيماننا بالدعاء والعمل الصالح، والقيام بالفرائض، وأعمال التطوع، وكثرة الذكر والاستغفار؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان لَيَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يخلُق الثوبُ الخَلَقُ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)،
فينبغي للمؤمن أن يتعاهد الإيمان في قلبه، ويتعلم كيف يكون جلاؤه وصقله، إذا أحس بنقصان إيمانه، وعلا قلبه الران، وذلك بالأعمال الصالحة، والطاعات، والحسنات، وبالتوبة، وبالاستغفار وبالذكر، وبتلاوة الكتاب، والتقرب إلى الملك الوهاب، إنابة، خشية، محبة، مراقبة، توكلا، واستعانة، وإخلاص نية، وتفويض الأمور، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (17) محمد، وقال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (76) مريم، فالذين اهتدوا بالإيمان والانقياد، واتباع ما يرضي الله (زَادَهُمْ الله هُدًى وشكرًا وتوفيقًا وحسنات وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)، فصار عندهم نور من الله، وصار عندهم حرص على تلافي ما يجلب العذاب، ويصبح الاهتمام بما يدخل الجنات، قال أبو الدرداء: “إن من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما نقص معه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد الإيمان أم ينقص”، فقد يزيد الإيمان وينمو ويربو ويصير القلب قريبا من الملائكية بصفائه ونقائه، وقد ينقص الإيمان في القلب ويخمد، ويكون قريبا من الشيطانية بجهله وظلمته، وفي مسند أحمد وصححه الألباني: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا سُمِّىَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْراً لِبَطْنٍ»، والقلب شديد التقلب، فهو أشد تقلباً من القدر إذا اجتمعت غلياناً،
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن تزكية النفس من أعظم الوظائف التي بُعث رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم من أجل تحقيقها، يقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2]، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] أي: النفس {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10]. ويقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] فالفلاح منوط بالتزكية، وهي تطهير القلب بالتوحيد والعقيدة الصحيحة،
والسؤال: ما هي الأسباب المعينة على زيادة الإيمان وتجديده، وتزكية النفس؟، والجواب: من الأسباب المعينة على قوة الإيمان: كثرةُ الطاعات، وأهمها الواجبات، ثم النوافل؛ يقول الله تعالى في الحديث القدسي كما في صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)، فكلما ازداد الإنسان طاعةً لله، ازداد إيمانًا وتقوى؛ فالحرص على كثرة قراءة القرآن والذكر والصلاة والصدقات ،وغيرها من القربات، كل هذا يزيد الإنسان إيمانًا وقوة وحبًّا للخير، ومن أسباب زيادة الإيمان: أن يطالع الإنسان في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام؛ فإن فيها تربية للقلب والعقل والفِكْرِ، وفيها زيادة الإيمان ومحبة للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وكذا التفقه في الدين، ففي الصحيحين: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)، وفي سنن أبي داود: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». والتجديد الحق هو السعي للتقريب بين واقع المجتمع المسلم في كل عصر، وبين المجتمع النموذجي الأول الذي أنشأه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما يكون ذلك بإحياء مفاهيم ذلك المجتمع، وتصوراته للدين، وإحياء مناهجه في فهم النصوص وبيان معانيها، وإحياء مناهجه في التشريع والاجتهاد، وإحياء مناهجه في تدوين العلوم وتكوين نظم الحياة، واقتباس النافع الصالح من كل حضارة، ويكون أيضًا بتصحيح الانحرافات النظرية، والفكرية، والعملية، والسلوكية، وتنقية المجتمع من شوائبها.
ومن الأسباب المعينة على قوة الإيمان وتزكية النفوس: ذكر الله تعالى، ففي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «جَدِّدُوا إِيْمَانَكُمْ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا قَالَ «أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»، فذكرك لله سبب في اطمئنان قلبك, وهو أمان لروحك, قال تعالى: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد:28، وذِكْرُ الله سبب في أن يذكرك الله فيمن عنده، قال تعالى: ﴿ فَاذكُروني أَذْكُرْكُمْ ﴾ البقرة:152، وفي ذكر الله يجد المؤمن الحياة الحقيقة لأنه يرتبط قولاً وعملاً بفاطر السموات والأرض في مكان وزمان ويسمو عن حياة الغافلين، قال تعالى: ﴿ وَاذكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَولِ بالغُدُوِّ والآصَال وَلا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ﴾ الأعراف:205، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ»
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: تحقيق التقوى في القلوب: فالتقوى وصية الله للأولين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) النساء:131، والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمرك به وبترك ما نهاك عنه, وهي أن يطاع الله فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر، ومن التقوى: أن تستشعر مراقبة الله لك في السر والعلن, وأن تتأمل نعمه عليك الظاهرة منها والباطنة فتداوم على عبادته وشكره, وأن تعمل لتلك النهاية الحتميّة والساعة التي لابد منها وهي ساعة فراقك لهذه الدنيا يقول علي رضي الله عنه: ” التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل”
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: أن تتعرف على الله سبحانه وتعالى: فالله تعالى هو الذي خلقك في أحسن تقويم, وجعلك من بني آدم المكرمين, وشق سمعك وبصرك ,وأجرى الدماء في عروقك, فنعمه عليك لا تعد, وجوده ليس له حدود, فضلك بالإسلام , وجعلك من أتباع خير الأنام عليه الصلاة والسلام، لابد أن تتعرف على الله: فهو الذي عز وارتفع, وذل كل شيء لعظمته وخضع, وهو رب الأرباب، ومسبّب الأسباب, ومجري السحاب, ومنزل الكتاب, سبحانه لا إله إلا هو الرازق الوهاب، فمن يعطيك إن لم يعطك الله , ومن يرزقك إن لم يرزقك الله, ومن يغنيك إن لم يغنك الله, ومن يعافيك إن لم يعافيك الله, لذا قال نبي الله إبراهيم عليه السلام: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (78): (83) الشعراء،
فلابد أن تتعرف على الله: فهو الرحمن الرحيم، ورب العرش الكريم، هو أرحم علينا من أمهاتنا, هو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما, ورحمته سبقت غضبه, ورحمته وسعت كل شيء, وهو الذي يغفر الذنوب, ويستر العيوب, ويفرج الهموم, وينفس الكروب, ويقضي الديون, ومن لجأ إليه حماه, ومن توكل عليه كفاه، فإذا حلَّ الهمَّ وخيَّم الغمَّ واشتد الكرب وعظم الخطب، وضاقت السُّبل، وبارت الحيل، ينادى المنادي فيقول: يا الله، فهو سلوة الذاكرين، وأنيس المضطربين, وملاذ الخائفين، وغيّاث المستغيثين، قال تعالى: [هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23) هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] [الحشر: 22-24]. وكلما تعرفت عليه بصدق، كلما زاد إيمانك به , وتضاعف وصلك له , وتجلت تضحياتك من أجله , وارتفع رأسك فخراً كلما تظللت تحت سقف عبوديته سبحانه وتعالى .
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: إقامة الصلاة بأركانها وخشوعها: فالصلاة أعظم أركان الإسلام بعد التوحيد ، وهي الصلة بين العبد وبين ربه تعالى وإقامتها في أوقاتها بأركانها وشروطها ، تبعث في النفس الطمأنينة والخشوع والذلة لله تعالى الأمر الذي يحقق الإيمان الحقيقي والتقوى في القلوب , قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45) العنكبوت، والصلاة طريق لتهذيب النفس والأخلاق، وحفظها عن الفواحش والدنايا والمحرمات، كما جعل – سبحانه – إقامة الصلاة على أوقاتها، من أعظم ما يذهب السيئات والخطايا عن الإنسان، فقال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ هود: 114, وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ». قَالُوا لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ «فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا»، وقد جعل الله الصلاة طريقاً لذكره، وسبيلاً لتكبيره وتحميده وتسبيحه وتهليله قال عز وجل: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ طه:14، فحياة القلوب إنما بإقامة الصلاة على الوجه المطلوب , ومن إيمان العبد أن يرتبط بربه جل وعز عن طريق هذه الفريضة العظيمة .
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته: فلتلاوة القرآن الكريم شعور خاص, فأنت تقرأ كلام الله جل وعز, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فكيف لو صاحب القراءة تدبراً وفهماً, وتأملاً وخشوعاً ,لا شك أن هذا التدبر سيحقق لصاحب العلاقة مع هذا الكتاب العظيم، من بركة وهدى ونور وشفاء وصدق مناجاة، قال تعالى :(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) [ص:29]. فالعبد إذا وفق لتدبر آيات الله تعالى تحقق الإيمان المنشود،
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: طلب العلم الشرعي: فالعلم منطلق العمل ,فلا عمل متقن, ولا أثر يتضح, ما لم تنطلق من علم ودراية, والإيمان في القلوب لا يرى أثره، ولا تظهر صوره، إلا حينما ينطلق من علم يهذب النفوس، ويربي الأرواح، ويزكيها من كل شائبة ودخن, فالعلم مقدم على العمل، فلا عمل دون علم، فيعرف المؤمن ربه تعالى من خلال ذلك العلم ويصحح عقيدته، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ويربيها, والعلم أيضاً نور يبصر به المرءُ حقائق الأمور، ولذلك جعل الله الناس على قسمين: إمَّا عالم أو أعمى، فقال الله تعالى: ” أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الرعد:19، و العلم يورث الخشية من الله تعالى : قال الله تعالى : ” إنَّما يخشى الله من عباده العلماء ” فاطر:28، وقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ” الإسراء : 107-109.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (جدد إيمانك)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: قيام الليل: فهو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات. وفي سنن الترمذي: (عَنْ بِلاَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ»
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: مرافقة أهل الإيمان، وأصحاب أهل الصلاح، وأخوة الإيمان، ففي مرافقتهم حصول على بركتهم، كما في الحديث الذي رواه الأمام مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ”إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ, قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَيْ رَبِّ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ , قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا لاَ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم»
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: التفكر في اليوم الآخر: فمن يتفكر في الموت وسكراته، والقبر وظلماته، و يوم القيامة وأهواله والحساب وحسراته والميزان ودقته والصراط وحدته، والوقوف بين يدي الله وعظمته، لحريٌّ به أن يعدّ العدّة, ويستعد لهذا المستقبل المحتوم بإيمان صادق يملأ قلبه, وبعمل دائم يتقرب به إلى ربه.
ومن الأسباب المعينة على تجديد الإيمان وزيادته: الدعاء: فلن يفلح المؤمن, ولن يحقق ما تمنى , ولن يسكن الإيمان في قلبه ما لم يكن له عونا من الله, (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (286) البقرة، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (10) الحشر، وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (7)، (8) الحجرات، فالدعاء هو العبادة, فالله الله في الدعاء, والمداومة على الارتباط برب الأرض والسماء.
الدعاء