خطبة عن الإيمان بالقضاء والقدر ، وحديث ( يَكُونُ فِي أُمَّتِى خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَذَلِكَ فِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ )
أغسطس 28, 2021خطبة ( تَعَلَّمُوا أَنْسَابكُمْ، واحذروا أن تتفاخروا بالأنساب) مختصرة
أغسطس 29, 2021الخطبة الأولى (جهاد الكلمة: باللسان والقلم) (وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى 🙁فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (52) الفرقان، وروى الإمام مسلم في صحيحه 🙁عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ،ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ ،يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ ،فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ،وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ،وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ».
إخوة الإسلام
إن الجهاد في سبيل الله لهو من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين، وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين، وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين،
وإذا كان من المعلوم، أن الجهاد القتالي هو من اعظم الجهاد، فإن الجهاد بالكلمة، أو الجهاد باللسان والقلم لا يقل أهمية عن الجهاد القتالي ،فهو من أول ما كان يفعله من يلتحق بركب الدعوة الجديدة في مكة؛ فحينما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان المسلم يتوجه إلى الحرم؛ وينطق بالشهادتين أمام الكعبة، متحدياً ومعلناً إسلامه على الملإ، ليعود إلى أصحابه فرحاً بما ناله من أذى قريش، وبمشاركته الرسول في جهاده الدعوي، وقول الله تعالى 🙁فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (52) الفرقان، هو جهادنا (بالقرآن)، إنه جهاد بالكلمة، فإذا أتقنا تقديمه للعالم، فلن نكون بحاجة إلى قوى عسكرية، وبه وحده سيجيئ نصر الله والفتح المبين، وسنرى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. وسيقتصر دور جيوشنا النظامية على ردع من تحدثه نفسه بالعدوان.
أيها المسلمون
فجهاد الكلمة ،والجهاد باللسان والقلم من أنواع الجهاد المفروضة على المسلمين في هذا الزمان، الذي أصبح المسلمون فيه مستضعفين في الأرض، فالجهاد بالكلمة واللسان والقلم يمكن للمسلم أن يدعو به إلى الإسلام، ويبين للناس محاسنه، وإبلاغ رسالته، بلسان الأمم المدعوَّة ليبيِّن لهم، وإقامة الحُجَّة على المخالفين بالمنطق العلمي الرصين، والردُّ على أباطيل خصومه، ودفع الشبهات التي يثيرونها ضدَّه، كل إنسان بما يقدر عليه. ويدخل في جهاد اللسان: الجهاد بالقلم، فالقلم أحد اللسانين، كما قال العرب. وقلم عصرنا هو: المطبعة وما تفرَّع عنها، من هذا الحاسوب “الكمبيوتر”، وكل ما يصنع الكلمة المكتوبة، مثل شبكة الإنترنت. (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .وكان الشعر سلاحا في المعركة مع المشركين: ففي الصحيحين 🙁عَنِ الْبَرَاءِ – رضي الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لِحَسَّانَ « اهْجُهُمْ – أَوْ قَالَ هَاجِهِمْ – وَجِبْرِيلُ مَعَكَ»، وفي الصحيحين 🙁عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتِ اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ « كَيْفَ بِنَسَبِي ». فَقَالَ حَسَّانُ لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ) ،وفي مسند أحمد 🙁أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا تَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ فِيمَا تَقُولُونَ لَهُمْ مِنْ الشِّعْرِ» ، وفي سنن أبي داود :(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو مَنْ قَالَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَ حَسَّانَ مَا نَافَحَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- »
أيها المسلمون
ومن صور الجهاد بالكلمة باللسان والبيان في عصرنا: البيان الشفهي بالخطب والدروس والمحاضرات ، التي تخاطب الناس بألسنتهم لتبيِّن لهم، وتخاطبهم على قدر عقولهم. ومنها: البيان التحريري، المكتوب باللغات المختلفة لتبليغ رسالة الإسلام إليهم، عن طريق الكتب والرسائل والنشرات والبحوث والمقالات، التي تخاطب الناس على مستويات شتَّى، كل بما يليق به. وهذا البيان بنوعيه الشفهي والتحريري، يحقق معنى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، التي أمر الله تعالى بها في كتابه، إذ قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]. ومنها: البيان عن طريق الحوار، وهو المأمور به في قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، ومنها: الاعلام الموجه ،فقد أصبح الإعلام في عصرنا من أنجع الوسائل في تبليغ الدعوة، عن طريق “الإذاعات الموجَّهة” بلغات مختلفة. وعن طريق “القنوات الفضائية” التي باتت تعدُّ من أعظم آليات الغزو الفكري والدعوة في عصرنا. ومنها : شبكة المعلومات العالمية المعروفة بـ”الإنترنت”، والتي يتَّسع نطاقها يوما بعد يوم، ويُقبل الناس على الاستفادة والتعلُّم منها من شرق وغرب بعشرات الملايين ومئات الملايين. وأعتقد أن هذا الجهاد هو الجهاد الأهم والأخطر في عصرنا، وهو الذي يحتاج إلى تجنيد الجنود، وتعبئة الجهود، وإزالة السدود، ليقوم بدوره المنشود، في هذا العصر للدعوة إلى الاسلام ،ومنافحة خصومه .
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أن الجهاد بالكلمة هو نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله والذي يتكامل مع غيره من أنواع الجهاد كالجهاد باليد والجهاد بالمال، وقد وعد الله جل وعلا المجاهدين في سبيله بالأجر العظيم ،والثواب الجليل، فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (10) :(13) الصف) . وقد قال الله جل وعلا: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت (33) .
أيها المسلمون
وقد جعل الإسلام للجهاد بالكلمة وظائف عديدة تحقق بعض غايات الإسلام ومقاصده، ويسعى المجاهد لأدائها عبر كلمة الحق وجهاده بالكلمة، ومن تلك الوظائف: الدعوة إلى الله جل وعلا: قال جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الانعام (151)، وعندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى خيبر قال له:« انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ». متفق عليه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (جهاد الكلمة: باللسان والقلم) (وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن وظائف الجهاد بالكلمة : إقامة الحجة وإزالة الشبهة: قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل (145). ومن وظائف الجهاد بالكلمة : تحريض المؤمنين على فعل الخير والجهاد في سبيل الله تعالى، والنصح للمسلمين، والدعاء واللجوء إلى الله تعالى والإكثار من الذكر، قال سبحانه : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الانفال (45)، وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ ». رواه النسائي. ومن وظائف الجهاد بالكلمة : البراءة من الأعداء وتخويفهم والفت في عضدهم، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ » رواه أحمد. وكذا هجاء الأعداء وإغاظتهم والانتقام منهم وشفاء صدور المؤمنين قال صلى الله عليه وسلم: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ ». رواه مسلم.
الدعاء