خطبة عن حديث (خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ
ديسمبر 26, 2016خطبة عن ( المخرج من الأزمة: الأسباب. النتائج. الحلول )
ديسمبر 27, 2016الخطبة الأولى ( جيل النصر والتمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55). وقال تعالى :(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (154) آل عمران
إخوة الإسلام
لقد وعد الله طائفة من عباده المؤمنين بأن يورثهم الأرض، ويمكنهم فيها ،قال تعالى : {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128). والمتأمل في الآية يتبين له أنه لم يحدد الله عز وجل زمانًا ولا مكانًا لظهور تلك الطائفة المنصورة، بل حدد شروطًا وصفات إذا ما حققها جيل من الأجيال في أي زمان وأي مكان ،فإن وعده سبحانه وتعالى سيتحقق لهم: قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55). ومهما اجتهد المجتهدون، وتحرك العاملون للإسلام هنا وهناك، فإن هذا لا يكفي لإعادة مجد الإسلام من جديد، إلا إذا تضمنت حركتهم واجتهادهم العمل على استكمال صفات الجيل الموعود بالنصر والتمكين.فإن وعد الله تعالى لا يتخلف، ولا يتغير ولا يتبدل ، قال تعالى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105)، وهذا الوعد ينتظر من يستوفي شروط استدعائه لكي يتحقق. ويحكي لنا التاريخ أن جيلًا من الأجيال قد استطاع أن يحقق الشروط المطلوبة لتنفيذ الوعد الإلهي، هو جيل الصحابة رضوان الله عليهم فكان الوفاء السريع والكريم من الله عز وجل لهذا الجيل، فأورثهم الأرض، ومكن لهم فيها، وملكهم ممالكها في سنوات قليلة، قال تعالى : {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} (التوبة:111). فحري بنا ونحن نعيش مرحلة دقيقة من تاريخ أمتنا، حيث الليل الدامس الذي يغشانا، والنفق المظلم الذي نسير فيه، والدم النازف من جسد الأمة العاني .. حريّ بنا أن نتكاتف جميعًا لإيجاد هذا الجيل الموعود بالنصر والتمكين، وأن نضحي في سبيل تكوينه بالغالي والرخيص، وأن نكثر من التأمل في جيل الصحابة – رضوان الله عليهم – وكيف استطاعوا أن يستكملوا متطلبات النصر والتأييد الإلهي، لنحذو حذوهم ونتشبه بهم .. وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم … إن التشبه بالرجال فلاح ، والسؤال : لماذا الجيل الموعود؟! ،فنقول إن ما يحدث لأمتنا الإسلامية من ذل وهوان لا يخفى على أحد، فالجراح تملأ جسد الأمة، والضعف والوهن قد أصابه، ولم يعد المسلمون على قلب رجل واحد، ولا راية واحدة، بل تعددت راياتهم، واختلفت وجهاتهم، وتكالب عليهم أعداؤهم من كل مكان. لقد صرنا أذل أهل الأرض .. لا قيمة لنا، ولا اعتبار لوجودنا، ويكفي ما يفعله بنا أعداؤنا وحلفاؤهم الذين وضعونا تحت أقدامهم وسامونا سوء العذاب … يقتلون أبناءنا، ويهدمون بيوتنا، ويعتقلون شبابنا .. كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر العالم أجمع .. إنه وضع مخزٍ ومرير تعيشه أمة والإسلام، فإلى متى سيستمر ذلك؟!- أملنا في الله وحده : ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن التفوق المادى والتكنولوجي الذي أحرزه أعداؤنا يجعل من الصعب علينا أن نلحق بهم، وفي نفس الوقت فإن الواقع يُخبرنا بأنهم لن يسمحوا لنا بالاقتراب منهم، فضلًا عن التفوق عليهم، فالمساحة التي أتاحوا لنا الحركة فيها محدودة جدًا. معنى ذلك أن الحسابات المادية تثبت وتؤكد حقيقة استمرار الوضع البائس الذي تعيشه الأمة الإسلامية، بل وستزداد الأوضاع سوءًا نتيجة المطوحات غير المحدودة للصهيونية والصليبية العالمية في بلاد الإسلام. فأقول : نعم هذه هي حسابات أهل الأرض، أما حسابات أهل الإيمان فتخبرنا بأن هناك قوة عظيمة لا يمكن للعقل البشري أن يتصور مداها .. هذه القوة إن ساندت أحدًا مهما كان ضعفه؛ فالنصر يكون حليفه بغض النظر عن قوة أعدائه .. إنها القوة الإلهية، قوة الجبار – سبحانه وتعالى – الذي له جنود السماوات والأرض ، والذي يملك كل شئ، يملك الريح والعواصف، والرعد والبرق، والزلال والبراكين و .. ويملك أنفاس أعدائنا. هذه القوة هي أملنا الوحيد في مواجهة هجمات أعدائنا الشرسة، وإعادة مجدنا، وريادتنا للبشرية من جديد.
هذه القوة هي التي ساندت الفئة الضعيفة من بني إسرائيل ضد فرعون الطاغية وقومه فماذا حدث؟! قال تعالى :
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف:137). والسؤال : وهل معنى هذا أن نترك الأسباب؟؟: فأقول : لا ، ليس معنى القول بأن أملنا في الله وحده أن نترك الأسباب المادية بدعوى عدم جدواها، وبأن أعداءنا لن يسمحوا لنا بمنافستهم أو الاقتراب منهم في مجالات التقدم العلمي، بل المطلوب هو العكس … أن نملأ كل فراغ يُتاح أمامنا، ونتغلغل في كل القطاعات، ونجتهد غاية الاجتهاد في امتلاك أسباب القوة، لا لأننا سننتصر بها، ولكن لأن الله عز وجل طالبنا بذلك ، قال تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60). وعلى قدر اجتهادنا في الأخذ بما يُتاح أمامنا من أسباب نكون قد حققنا شرطًا من شروط النصر والتغيير، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسباب بعينها لن تحقق لنا النصر، بل الذي سيحققه هو الله … أليس الله هو القائل: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (الأنفال:10)، وهو القائل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160). – والسؤال: متى نصر الله؟! فإذا كان أملنا في الله وحده، فمتى إذن يتحقق هذا الأمل؟، متى يدافع الله عنا، وينصرنا على أعدائنا ويُمكَّن لنا في الأرض؟! ، والجواب : إن للنصر والتمكين شروطًا، ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد:11)، وقوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، وقوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (آل عمران:120). وهي تتلخص في ( تغيير النفس – نصرة دين الله – الصبر ) ،ويرافق ذلك بث روح الأمل في الأمة : فلكي يتغير حال الأمة من المرض إلى الصحة لابد من وجود من يأخذ بيدها، ويدلها على الدواء، ويعينها على تغيير ما تلبست به مما يغضب الله عز وجل. لابد من جود طائفة أو جيل ينطلق وسط الأمة فيبث الروح والأمل، ويبين لها طريق الصلح مع الله، نعم هناك عاطفة جياشة تجاه الإسلام، تتنامى بمرور الأيام، ولعل من تلك العاطفة: امتلاء المساجد بالشباب والشيوخ، والإقبال على حلقات القرآن، ودروس العلم، ومنها كذلك: انتشار الحجاب بين المسلمات. عاطفة جيدة توجد الآن في ربوع الأمة، ولكنها وحدها لا تكفي، بل لابد من حُسن توجيهها إلى الاتجاه الصحيح .. اتجاه التغيير الحقيقي لما في النفس من جوانب عدة ليشمل التصورات والاهتمامات، والسر والعلن، والأقوال والأفعال .. نريد تغييرًا يعيد تشكيل العقل، ويُمكِّن للإيمان في القلب، ويطرد منه حب الدنيا، فينعكس ذلك على السلوك بالمسارعة في الخيرات، والطمع في الدرجات العلى في الجنة،والتعلق بالله عز وجل، وقطع الطمع مما في أيدى الناس، مع بذل غاية الجهد في حُسن الإعداد، وامتلاك أسباب القوة. هذه المهمة – مهمة توجيه العاطفة لإحداث التغيير الحقيقي في النفوس – تحتاج إلى مجهود ضخم، وتعاهد، ومتابعة .. وهنا يأتي دور الجيل الموعود، فهو الجيل المنوط به مهمة تغيير الأمة، وتهيئة أرضها لاستقبال المدد الإلهي. نعم، إنها مهمة صعبة، ولن يكون الطريق إلى تحقيقها مفروشًا بالورود، فسيقف أمامها أهواء الناس، وحبهم للدنيا وعدم رغبتهم في التضحية ولو بشيء يسير منها، ولكن مع الإصرار ووجود القدوة الصالحة في أبناء جيل التغيير، ومع تأكد من حولهم من صدقهم وحرصهم على مصلحتهم وعدم طلبهم أجرًا وراء أفعالهم .. كل ذلك وغيره من شأنه أن يُعيد الأمة إلى الله شيئًا فشيئًا، وبخاصة إذا ما انتهج أبناء الجيل الموعود أسلوب الحكمة في الدعوة، وتقديم مفهوم التغيير للناس بصورة محببة ومبسطة يستطيعها الجميع. يخبرنا التاريخ أنه بمجرد ظهور شعاع النور، وإعلان بداية استيقاظ المارد وتململه من القمقم الذي وضع فيه، فإن جميع القوى الكافرة والتي تحيط بأمتنا ستتوحد ضدنا، وتعمل على إطفاء هذا النور، وإجهاض الأمل، والقضاء على المشروع الإسلامي … نعم ستكون مقاطعة شاملة من الجميع، وستزداد الضغوط على كل مكان تُرفع فيه راية الإسلام. نعم ستكون ضغوطًا شديدة لتفت في عضد الأمة، وتعمل على تركيعها، ومن المتوقع أن تُحدث هذه الضغوط ضيقًا وتذمرًا بين عموم الناس، فهم إن كانوا قد أعلنوا تأييدهم للإسلام، واستعدادهم للتضحية من أجله، فإنهم قد لا يستطيعون تحمل توابع المقاطعة، كحرمانهم من بعض احتياجاتهم الأساسية فضلًا عن الترفيهية والكمالية .. هنا يأتي دور الجيل الموعود الذي سيعمل جاهدًا على توفير احتياجات الناس، وبث روح الأمل في نفوسهم ، والعمل على تثبيتهم، ورفع معنوياتهم، وربطهم بالله عز وجل. معنى ذلك أن هؤلاء الخُلَّص لن يناموا في هذه الظروف إلا بعد أن ينام الناس، ولن يأكلوا إلا بعد أن يطمئنوا أن الطعام قد وصل للجميع. فهناك دور خطير ينتظر هذا الجيل في بداية وجود الدولة الإسلامية، لو لم ينهض به لضاع كل شئ، ولعادت الأمور إلى أسوأ مما هي عليه والعياذ بالله. – ولنا قدوة وأسوة مع الجيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهذه المراحل، وهذه الأوضاع الصعبة، مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه من الجيل الأول .. جيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين كانوا بمثابة الركائز التي قام عليها المجتمع المسلم في المدينة …هذا المجتمع تعرض في بداية تكوينه إلى ضغوط شديدة، ومحاصرة، ومقاطعة، وتهديدات، وحروب … قال أبو العالية في تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55). قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحوًا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده ، وإلى عبادته وحده لا شريك له سرًا، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة، فقدموها، فأمرهم الله بالقتال، فكانوا بها خائفين يُمْسون في السلاح ويُصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء الله، ثم إن رجلًا من الصحابة قال: يا رسول الله … أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟! أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح ؟ ! ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبث روح الأمل فيهم ، وبموعود الله لهم : (لن تصبروا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست فيه حديدة) وأنزل الله هذه الآية، فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب، فآمنوا ووضعوا السلاح …. وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( جيل النصر والتمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والسؤال : لماذا الضراء؟ ، والإجابة : إنه التمحيص والإبتلاء فهو من سنن الله في خلقه ،إذن فهناك فترة قاسية ستمر بها الأمة وبخاصة في الأماكن التي سترتفع فيها راية الإسلام …. فإن قلت: ولماذا تمر الأمة الصاعدة بهذه الفترة، ولماذا ستُترك لهذه الفتنة العظيمة وهي تقف بمفردها أمام العالم أجمع؟! كان الجواب في قوله تعالى: {الم ? أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ? وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:1 – 3). فهذه الفترة تُعد بمثابة امتحان لمدى صدق الأمة في حبها لله وتعلقها به وتوكلها عليه، ومدى استعدادها للتضحية من أجله، وهي فترة المخاض الأخيرة لولادة الأمة الفتية القوية .. ومن فوائدها كذلك أنها تقطع تعلق القلوب بما سوى الله، وتُجَرُّدها له سبحانه .. فعندما تنقطع الأسباب المادية، وينعدم الصبر، وتشتد الخطوب، لا تجد الأمة أمامها إلا الله عز وجل فتهرع إليه، وتدعوه دعاء المضطر المشرف على الغرق .. حينئذ يأتي الفرج، ويأتي النصر والتمكين: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214). – قيادة الأمة في السراء:
وبعد فترة الضيق والشدائد، سيأتي الفرج – بإذن الله – وتبدأ الأمة في التوحد شيئًا فشيئًا، وتتساقط رايات الباطل بسهولة ويسر، وهنا يظهر لجيل التغيير دور جديد ألا وهو العمل على تجميع الأمة على راية واحدة، وقيادتها لإقامة الخلافة الإسلامية، واسترداد كل الديار المغتصبة، وإنقاذ المسلمين المستضعفين في شتى بقاع العالم … ويستمر دور الجيل الموعود بعد ذلك في نشر الإسلام وأستاذية العالم وتحقيق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببلوغ هذا الدين الآفاق، وفتح روما لتُصبح الدولة الإسلامية بذلك هي القوة الأولى في العالم، تنشر الأمن والأمان، وتنقذ البشرية من الضلالة، وتخرجها من الظلمات إلى النور. نعم سيحدث ذلك – بإذن الله – كما حدث مع الجيل الأول، الذي بدأ بأفراد مطاردين مضطهدين في مكة، يقرأون القرآن، ويستمعون إلى آيات الوعد بالنصر والتمكين، وأقصى أمانيهم في ذلك الوقت أن يبيتوا آمنين، وألا يتعرض أحد منهم لأذى … هؤلاء هم أنفسهم الذين رأو التمكين بأم أعينهم، وشاهدوا عز الإسلام ومجده، ويا للعجب أن يصبح خوفهم بعد ذلك على أنفسهم من فتنة بسط الدنيا عليهم .. أخرج البخاري في صحيحه : (أن عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – أُتي بطعام وكان صائما، فقال: قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني، وكُفِّن في بُردة أن غُطي رأسه بدت رجلاه، وإن غُطي رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا في الدنيا ما بُسط، أو قال: أُعطينا من الدنيا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عُجِّلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. وهذا خباب بن الأرت – رضي الله عنه – يعود نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون له: أبشر يا عبد الله، إخوانك تُقم عليهم غدًا، فبكى وقال: أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم ذكَّرتموني أقوامًا وسميتم لي إخوانًا، وإن أولئك قد مَضَوا بأجورهم كما هي، وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم . – الاستفادة من الدروس السابقة: وعلى جيل التغيير ألا يتخلى عن مهمته في قيادة الأمة حتى بعد أن يتم لها السيادة وأستاذية العالم، بل عليه أن يستمر في بناء الأجيال، والحفاظ عليها من أمراض الأمم مثل الترف والظلم، ومن ثَّم البعد عن الله عز وجل، والخروج من دائرة معيته وولايته. وخلاصة القول: إن حاجة الأمة الآن لوجود جيل التغيير – الجيل الموعود بالنصر والتمكين – حاجة شديدة وماسة تستلزم تكاتف كل الجهود من أجل تكوينه، ولِمَ لا وهو الجيل الذي سيبث الروح في الأمة -بإذن الله- ويوجه عاطفتها توجيهًا صحيحًا نحو التغيير الحقيقي، وسيستمر جيل التغيير في قيادة الأمة فترة الضيق والكرب والمقاطعة المتوقعة من أعداء الإسلام، وسيستمر كذلك في فترة السراء والفتوحات والخلافة وأستاذية العالم، ولن يضع سلاحه أو يركن إلى الدعة بعد ذلك، بل سيواصل بناء الأجيال والحفاظ على المجد والعزة والعمل على نشر الدين الحق في كل مكان …
الدعاء