خطبة عن ( الدُخَانُ المُبِينُ) {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}
نوفمبر 6, 2022خطبة عن ( حسن السمعة والسيرة)
نوفمبر 6, 2022الخطبة الأولى ( جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (18) الجاثية
إخوة الإسلام
فالشريعة هي الدين كله ، الذي اصطفاه الله لعباده ليخرجهم به من الظلمات إلى النور، وهو ما شرعه لهم وبينه لهم من الأوامر والنواهي والحلال والحرام ، فمن اتبع شريعة الله فأحل حلاله وحرم حرامه فقد فاز ، ومن خالف شريعة الله فقد تعرض لمقته وغضبه وعقابه . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الشَّرِيعَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَهُوَ فِي الشَّرْعِ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَسِيَاسَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هِيَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنَّا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) النساء 59، وَقَدْ أَوْجَبَ طَاعَتَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ فِي آي كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَحَرَّمَ مَعْصِيَتَهُ وَمَعْصِيَةَ رَسُولِهِ وَوَعَدَ بِرِضْوَانِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَجَنَّتِهِ عَلَى طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَأَوْعَدَ بِضِدِّ ذَلِكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِهِ، فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ عَالِمٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ عَابِدٍ أَوْ مُعَامِلٍ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ حُكْمٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ عِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَحَقِيقَةُ الشَّرِيعَةِ : اتِّبَاعُ الرُّسُلِ وَالدُّخُولُ تَحْتَ طَاعَتِهِمْ كَمَا أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْهَا خُرُوجٌ عَنْ طَاعَةِ الرُّسُلِ وَطَاعَةُ الرُّسُلِ هِيَ دِينُ اللَّهِ ” . فالشريعة هي ما أنزل الله به كتبه ، وأرسل به رسله إلى الناس ، ليقوموا به على وجه التعبد به لله ، وابتغاء القربى إليه به ، وفق ما أمرتهم به رسلهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وفق منهاج الله الذي أنزله على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله 🙁 وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) الانعام 153، ووفق قوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ».
أيها المسلمون
فمن لم يرضَ بالشريعة، فهو لم يرضَ بدين الإسلام ،ولم يذق طعم الإيمان، ففي صحيح مسلم : ( أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ». يقول ابن القيم عن هذا الرضا : «وأما الرضا بدين الله فإذا قال أو حكم أو نهى رضي كل الرضا ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلّم له تسليماً، ولو كان مخالفاً لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلده وشيخه وطائفته » ،فالشريعة تقام في القلوب قبل أن تقام على الأرض ، وذلك لأن إقامة أحكام الله في الأرض فرع عن استقامة القلب لله وتسليمه لحكمه، وهذا هو الفرق بين (الحكم) التنفيذي و(التحاكم) القلبي، فقد تطبق بعض أحكام الشريعة عن غير إيمان بها ، لغرض أو مصلحة ظاهرة، أو لجلب مدح أو دفع مذمة؛ وقد يسقط إثم الحكم ببعض الشريعة – في حال الإيمان القلبي بها – مع العجز عنها ، أو الجهل بها ، أو الإكراه على مخالفتها. ولكن التحاكم القلبي إليها لا يسقط بأي حال؛ لأن هذا هو جوهر (الإسلام) ومقتضى (الإيمان)، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا} [النساء: 60] ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن المعلوم أن التكليف بالحكم بالشريعة ، والتحاكم إليها ، ليس خاصاً بالحكام ، فهذا واجب الرعاة والرعية معاً؛ فخطاب التكليف بالشريعة حكماً وتحاكماً فرض على كل مكلف بحسبه، إذ إن كلاً منهم استرعاه الله رعيه، ففي الصحيحين : « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » ،فكل من استرعاه الله رعية ،فهو مأمور بأن يحكم فيها بما أنزل الله ،على حسب ما أمره الله، قال الله تعالى 🙁 وَإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58]، قال القرطبي في تفسير هذه الآية : (هذا خطاب للولاة والأمراء والحكام، ويدخل في ذلك المعنى جميع الخلق، وذكر الحديث السابق، ثم قال : فجعل في هذه الأحاديث جميع هؤلاء رعاة وحكاماً على مراتبهم، وكذلك العالم حاكم إذا أفتى حكم وقضى وفصل بين الحلال والحرام والفرض والندب والصحة والفساد، فجميع ذلك أمانة تؤدى، وحكم يقضى ) .ومن المعلوم أيضا أن وجوب الحكم بالشريعة ليس من مسائل الخلاف، فالادعاء بأن هناك اختلافاً بين أهل العلم في ترك الحكم بما أنزل الله، وهل هذا الترك كفر أكبر أم أصغر؛ هو ادعاء كاذب، بل الصحيح أن في الأمر تفصيلاً، فالحاكم إذا كان تحاكمه للشريعة في الأصل، لكنه خالف في بعض مسائلها عن هوى ونحوه دون جحود أو استحلال؛ فهذا الذي يقال إن كفره كفر أصغر – كما نُسب ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنهما – أما إذا جحد بها ،أو استحل الحكم بغيرها ،أو بدَّلها بشريعة أخرى ،وضعية ، أو منسوخة؛ فإن كفره هو الكفر الأكبر، قال ابن القيم بعد أن نقل أقوال العلماء وآراءهم في معنى قوله تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [المائدة: ٤٤]
الدعاء