خطبة عن اسم الله ( المُبْدِئُ، المُعِيدُ )
مارس 3, 2018خطبة عن (من مقاصد العبادات في الإسلام)
مارس 3, 2018الخطبة الأولى ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ، فَلَا تَقْرَبُوهَا ، وَلَا تَعْتَدُوهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (187) البقرة ، وقال الله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (229) البقرة، وقال الله تعالى : (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ” التوبة 112 ،وروى البخاري في صحيحه : أن (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضى الله عنهما – يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا ، فَكَانَ الَّذِى فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا ، فَتَأَذَّوْا بِهِ ، فَأَخَذَ فَأْسًا ، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي ، وَلاَ بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَ أَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ »، وروى الترمذي في سننه بسند حسن : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كَنَفَى الصِّرَاطِ دَارَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يونس 25، وَالأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَىِ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ وَالَّذِى يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ ».
إخوة الإسلام
الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثا ، ولم يتركنا سدى وهملا، إنما خلقنا بحكمة ، ولحكمة ، خلقنا بحكمة بالغة ، وضوابط شرعية ، وقيود وحدود ، ومعالم واضحة ، وهدف بين ، قال الله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (115) ،(116) المؤمنون ، وخلقنا الله لعبادته ، ونطيع أمره ، ونقيم شرعه ، ونحلل ما أحل لنا ، ونحرم ما حرم علينا ، فقال الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56، وقد أحل الله لنا الطيبات ،بكل ما طاب لنا من مشرب ومأكلٍ ومنكحٍ ،وحرم الله علينا الخبائث ،مما يضرنا ولا ينفعنا ، فقال تعالى :(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك 14، وقد وضع الله لنا حدودا وضوابط وحمى ، وقد توعد من حام حول حدود الله ، ووقع فيها واستهان بها بالعقوبة في الدنيا والآخرة ، إلا أن يتوب ويستغفر الله منها . والحدود جمع حدّ، والحدّ في اللّغة: الحاجز بين الشّيئين الّذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، وحَدُّ الزّنا والخمر سمّي به : لكونه مانعًا لمتعاطيه من معاودة مثله، ومانعًا لغيره أن يسلك مسلكه؛ وسمّيت حدود الله : لأنّها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها، وأن يخرج منها ما هو منها، ومنها سمّيت الحدود في المعاصي؛ لأنّها تمنع أصحابهما من العود إلى أمثالها. فحدود الله هي: شروطه، وقيل: أحكامه وقيل: معاصيه، وهي محارمه التي منع عباده من ارتكابها وانتهاكها ، وأما معنى الحدود في الاصطلاح الشرعي : فهي العقوبة المقدرة شرعا ،الواقعة على المرء بسبب معصية ،عقابا له على انتهاك حدود الله، ومنع غيره من ارتكابها والوقوع في مثلها، ومن المعلوم أيضا أن الحدود مشروعة في الكتاب والسنة والإجماع، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله مجموعة من الأفعال يحرم الإقدام على ارتكابها وفعلها من الرجل والمرأة، وهي ما تعرف بحدود الله أي الأفعال الموجبة للحد والعقوبة ، وهي: قطع الطريق، والسرقة، والزنا، والقذف، وشرب الخمر، والبغي؛ فلكل واحدة من هذه الأفعال المشينة العقوبة التي حددها الشرع الحنيف. فواجب على كل مسلم ان يراعي حدود الله ولا ينتهك شيئا منها بل وعليه ان ينكر على من يتعدى هذه الحدود التي حدها لنا الشرع المطهر، وفي مسند أحمد ( عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَىِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِى عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِى مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِى قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ».
أيها المسلمون
ومن الملاحظ أنه قد تكرّر في القرآن العظيم الكلام عن حدود الله وتعظيم أمرها، فقال جلّ وعلا: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} البقرة 187، وقال الله تعالى :{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة 219، وقال الله تعالى :{وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} الطلاق 1. قال العلامة ابن عاشور رحمه الله في تفسيره: “أخبر الله تعالى عن متعدّيها بأنّه ظلم نفسه؛ للتّخويف؛ وتحذيرًا من تعدّي هذه الحدود، فإنّ ظلم النّفس هو الجريرة عليها بما يعود بالإضرار؛ وذلك منه ظُلمٌ لها في الدّنيا بتعريض النّفس لعواقب سيّئة، تنجرّ من مخالفة أحكام الدّين؛ لأنّ أحكامه صلاح للنّاس، فمَن فرّط فيها فاتته المصالح المنطوية هي عليها. ومنه ظُلمٌ للنّفس في الآخرة بتعريضها للعقاب المتوعّد به على الإخلال بأحكام الدّين، فإنّ للمؤمنين حظًّا من هذا الوعيد بمقدار تفاوت ما بين الكفر ومجرّد العصيان، وجيء في هذا التّحذير بمَن الشّرطية؛ لإفادة عموم كلّ مَن تعدّى حدود الله..”. فالحارس لأحكام الشّرع هو الله القدير العليم. فأيّ مؤمن إذن يتعرّض لحدّ يحرسه الله؟! فإنّه الهلاك والبوار.. {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}.. ظلم نفسه لتعريضها هكذا لبأس الله القائم على حدوده يحرسها ويرعاها، وهذا ظلم أيّ ظلم! وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ ». قَالَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) [النساء: 13] إِلَى قَوْلِهِ (فَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) [البقرة: 90]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ، فَلَا تَقْرَبُوهَا ، وَلَا تَعْتَدُوهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكلمة ( الحدود ) في القرآن الكريم تُطلق ويراد بها أمرين اثنين: الأمر الأول : تطلق الحدود على المحرّمات، التي يحرُم الاقتراب منها، ويجب اجتنابها والابتعاد عنها ، وفي ذلك قال الله تعالى بعدما نهى المعتكفَ عن مباشرة النّساء : {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187]. فمجرّد المباشرة حرّمها الله تعالى على المعتكف؛ لذلك قال:{فَلاَ تَقْرَبُوهَا}. الأمر الثاني : تطلق الحدود أيضا على المباحات حتّى لا يتجاوزها العباد ، وفي ذلك ، قال الله تعالى وهو يتحدّث عمّا يُباح في الطّلاق ولا يتعدّاه المطلِّق: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229]. فالمباح يجوز فعلُه، بشرط ألاّ يتجاوز الحدّ في ذلك، فيقع فيما نهى الله عزّ وجلّ عنه؛ لذلك قال بعد ذلك:{فَلَا تَعْتَدُوهَا}. فسمّيت هذه المباحات حُدوداً؛ إشعارا بأنّها غاية ما يباح للمسلم ، فلا ينبغي له أن يتعدّى حدّه، فيقع في الحرام؛ لذلك كان الصحابة يقولون: ” إنّنا لنترك سبعين بابا من الحلال، خشية أن نقع في باب واحد من الحرام “.ومن ذلك يتبين لنا الفرق بين قوله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا )وقوله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } ،فحدودُ الله تعالى إما أن تَرِدَ بعد المناهي, وإما أن ترد بعد الأوامر, فإن وردت بعد الأوامر فإنه يقول سبحانه : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا }, أي آخر غايتكم هنا, ولا تتعدوا الحدَّ . ولكن إن جاءت بعد النواهي فإنه يقول: { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا }, لأن الحق يريد أن يمنع النفس من تأثير المحرَّمات على النفس فتلحُّ عليها أن تفعل, فإن كنت بعيداً عنها فالأفضل أن تظل بعيداً. وانظر جيّداً فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ, وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وقال آخرون : الحدّ نوعان : حدٌ بين الحلال ، والحرام، هذا حلال ، وهذا حرام، فمثلا : لو كان حدّ صلاة الظهر الساعة الثانية عشرة (مثلاً) إلى الساعة الثالثة ، فليس لك الحق أن تصلي قبل هذا الموعد ، وتكون مقصرا آثما إذا صليته بعد هذا الموعد بدون عذر شرعي ، إذاً فهذا حدٌ بين الحلال ،والحرام، فهنا يقول الله لا تعتدوها، أي لا تتعدى هذا الحد الذي حدّه الله لك ، في مسألة أوقات الصلاة. هذا حدٌ بين الحلال والحرام، وهذا حدٌ دون جريمة عظيمة يعاقب الله عليها عقاباً عظيماً. وأما إذا كان هناك ذنب خطير، ويترتب عليه خلل كبير ، وجرم عظيم ، قال الله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) فإذا سمعت الله سبحانه وتعالى يقول فلا تقربوها، فاعلم أنك أمام جريمة خطيرة، لاحظ قوله تعالى : (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) (43) النساء ،وقوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (152) الأنعام ، وقوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (151) الأنعام ،فهذه كلها جرائم خطيرة. لذلك قال الله عقبها : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) . وحينئذٍ فعليك أن تتأمل كلما جاءك في الكتاب العزيز (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) ، أن تتوقف تماماً ، وبقوة ، وخشوع، عن هذا الفعل أو ذاك العمل . هذا هو الفرق بين (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)، وبين (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا)،
أيها المسلمون
واذا تجاوز المرء الحدود التي حد الله لعباده، بأن ركب المحرم وترك الواجب فهو عاص، وقد أتى منكراً ينكر عليه ويعلم ، قد تكون المعصية كفراً أكبر ، هذا يختلف حسب حال المخالفة ، فإذا استحل ما حرم الله من الزنا أو أكل الميتة، أو المسكر كان كافراً – وأما إذا فعل ذلك وهو غير مستحل ، بل من أجل هواه ، وطاعة لشيطانه، وهو يعلم أنه محرم ،فهذه معصية ،يستحق أن يقام عليه حدها ، وإن تاب تاب الله عليه ، ففي الصحيحين (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ « تُبَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَزْنُوا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ » . الدعاء