خطبة عن: من أخلاق المسلم خلق (الحب)
سبتمبر 22, 2018خطبة عن حديث (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ)
سبتمبر 22, 2018الخطبة الأولى ( آلْفَقْرَ تَخَافُونَ ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى ابن ماجة في سننه ،وحسنه الألباني : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ فَقَالَ :« آلْفَقْرَ تَخَافُونَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا حَتَّى لاَ يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدٍ مِنْكُمْ إِزَاغَةً إِلاَّ هِيَهْ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ ». قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ.
إخوة الإسلام
سيظل الفقر هاجسًا مؤرِّقا ،وأمرًا مُقلِقا لكثير من الناس ، ولاسيما عندما يُبتلى العباد بابتلاءاتٍ يكون فيها نقصٌ في الأموال والأرزاق والثمار ،ففي ظل مثل هذه الابتلاءات يذكر الناس الفقر ،ويتباحثون كثيرًا في أسباب علاجه ، وتخطي أزمته ، وتجاوز مشكلته . وإذا كان التخوُّف لدى الناس من الفقر والذي هو قلة ذات اليد يشتد ويزداد في بعض الظروف والأحوال ، إلا أن هناك نوعًا من الفقر ، ينبغي أن يشتد أمره عندهم بشكل أعظم وأكبر ؛ فقد روى ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى؟ ) ، قُلْتُ: «نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ، قَالَ: (فَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْرُ؟) ، قُلْتُ: «نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، فقَالَ النبي عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ)) . نعم (إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ) ؛ فمن كان غني القلب ،فإنه لا يضره شيء ،وإن قلَّت ذات يده ، بل لا يزال راضيًا قنوعًا بما قسَم الله تبارك وتعالى له ، ومن كان فقير القلب ،وإن أوتي من المال النصيب الأوفر، فإنه لا يزال يرى حظه من المال والدنيا قليلا ، ونصيبه مبخوسا . وفي الصحيحين : (عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا ، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ »
أيها المسلمون
وإن المتأمل في الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة ، يجد فيه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بأن الله سيغنيهم من بعد فقرهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، فهو يحذرهم من هذا الغنى ،الذي ينسي العباد عبادة ربهم ،فلا يزال حب الدنيا بهم ،حتى تزيغ القلوب بعد استقامتها، و تضل بعد هداها ، وتكون الدنيا سبب فتنتهم . ومن الملاحظ أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر أمته بطريقة الاستفهام الإنكاري ، من الخوف الفعلي الحقيقي من الفقر؟! ، وكأنه صلى الله علبيه وسلم يقول لهم : فلا ينبغي أن نخشى ذلك، بل الخوف الفعلي من انفتاح الدنيا وزينتها علينا، وهذا والله أمر ملموس حتى أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يقول: ” ابتلينا بالضراء فصبرنا ،وابتلينا بالسراء فلم نصبر”، فالذي تضرر منه كثير من الناس الغنى لا الفقر ، يقول الله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) العلق (6) ،(7) ، وقيل أنه مَرَّ قيسُ بن زهير – وهو شيخ من مشايخ القبائل في الجاهلية – بقومه؛ فوجدهم فقراء، قال: الحمد لله، قالوا: ما لك؟ ، قال: يتعاونون ويتساعدون، ثم مَرَّ بعد سنة، وإذا هم أغنياء، عندهم خيل وبقر وإبل، فغضب، قالوا: ما لك؟ قال: يتقاتلون، وما مَرَّ على كلامه أشهر إلا وقد وقعت مقتلة بينهم. والمتأمل في الحديث أيضا : يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بالله ، وفي القسم تأكيد ، أن الدنيا ستفتح علينا جميعا ،بل وذكرها بصيغة مبالغة وتوكيد فقال صلى الله عليه وسلم :(وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا) ، وهذا هو ما تخوف منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن نفتن بالدنيا وزينتها ، ونخدع بها ،ونغرق فيها ،ونجري خلفها ،ونركض وراءها ركض الوحوش ، مع أن الدنيا كلما اقتربت منها هربت منك، وكلما ابتعدت عنها سارعت إليك. ويبين عليه الصلاة والسلام أن سبب الانحراف عن الصراط المستقيم أساسه وأصله ؛ كثرة تعلق القلوب بالدنيا وزخارفها، وهذا أمر مشاهد للأسف فكثير من المسلمين قد تأثروا بها ، وصرفتهم الدنيا بملذاتها وشهواتها، حتى قصروا كثيرا عن حقوق خالقهم والمنعم عليهم، كما فرطوا في كثير من الطاعات ،حتى وقعوا بالمحذورات ، والمنهيات، ناهيك عن التقصير في حقوق الناس ،سيما ذوي القربى ،وحصول القطيعة والجفاء .
وبعد هذا يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ترك صحابته الكرام ، وأمته من بعده ،على أتم حال وأفضل طريقة، بوصف دقيق غاية في الروعة والبلاغة ، فيقول صلى الله عليه وسلم : “وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ “. فقوله صلى الله عليه وسلم : (عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ ) ، أي: على الطريقة الواضحة الناصعة البياض، والطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، ولا لبس ولا غموض ولا ريب ، ولا مجال لأن نفتح باب البدع والإضافة على الدين ، فقد قال الله تعالى في محكم آياته : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة 3، قال السعدي في تفسيرها : أي: اخترته واصطفيته لكم دينا، كما ارتضيتكم له، فقوموا به شكرا لربكم، واحمدوا الذي مَنَّ عليكم بأفضل الأديان وأشرفها وأكملها. وقوله صلى الله عليه وسلم : (عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ) فظاهر السوق أن هذا بيان لحال القلوب لا لحالة الملة ، والمعنى : تركتكم على قلوب هي مثل الأرض البيضاء ليلا ونهارا، كما يحتمل أن يكون لفظ (مِثْلِ ) مقحما ، فيكون المعنى : تركتكم على قلوب بيضاء نقية عن الميل إلى الباطل ،ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : (حَتَّى لاَ يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدٍ مِنْكُمْ إِزَاغَةً إِلاَّ هِيَهْ ) ، وفي هذا إشارة لأهمية القلب، وضرورة تعاهده ،، وهو القائل صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ ». فعن طريق القلب يكون التعلق بالدنيا، فيتمنى المرء ويشتهي ويطلب كل ما راق له، وإذا أراد إشباع الغريزة ،والسير على هواه، فإنه يهلك، ويُهلِك بقية الجوارح، لأن القلب ملك والبقية جنوده.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( آلْفَقْرَ تَخَافُونَ ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولا يفهم من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى التكاسل والتواكل وترك العمل ، ولكنه صلى الله عليه وسلم يحذرنا من فتنة المال ، وخشية الفقر من كثرة الإنفاق ، والانشغال في جمع المال والاعراض عن طاعة الله ، فالإسلام يدعو إلى السعي والعمل بالأسباب في طلب الرزق ، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفقر ، والإسلام يحث على العمل والبُعد عن التقاعس والكسل مع الثقة بالله وحُسن الالتجاء إليه جل في علاه، كما أرشد الإسلام أهل الفقر وقلة ذات اليد إلى الاقتصاد في المعيشة ،والقناعة بما آتاه الله جل وعلا عبده ، وعدم التطلُّع إلى ما في أيدي من كانوا أكثر منهم مالًا ، قال الله تعالى :{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32]، وجاء أيضًا في الإسلام التعوذ بالله من الفقر ، فإنه لا يعيذ منه إلا الله ، حيث صح ،في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ) رواه أحمد وغيره ،فينبغي أن يكون المسلم همَّامًا نشيطًا بعيدًا عن التواني والعجز والكسل ، حتى وإن لم يكن عنده شيءٌ يتحرك به من المال ، فإن القليل مع الهمة وحُسن التوكل يكون كثيرا ، وفي سنن أبي داود وغيره :(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُهُ فَقَالَ « أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ». قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. قَالَ « ائْتِنِي بِهِمَا ».فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ وَقَالَ « مَنْ يَشْتَرِى هَذَيْنِ ». قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ « مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ وَقَالَ « اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ ». فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ « اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلاَ أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ». فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ لِذِى فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِى غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِى دَمٍ مُوجِعٍ ».
الدعاء