خطبة عن حديث ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ )
ديسمبر 27, 2022خطبة عن قوله تعالى (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ )
ديسمبر 27, 2022الخطبة الأولى ( آنيةُ ربِّكم قلوبُ عبادِه الصالحينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح الجامع للألباني: (عن أبو عنبة الخولاني قال: (إن للهِ تعالى آنيةٌ من أهلِ الأرض ، وآنيةُ ربِّكم قلوبُ عبادِه الصالحينَ، وأحبُّها ألينُها وأرقُّها) أخرجه الطبراني، وفي رواية: (إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آنِيَةً فِي الأَرْضِ وَأَحَبُّ الآنِيَةِ إِلَيْهِ مَا رَقَّ مِنْهَا وَصَفَا، وَآنِيَةُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ قُلُوبُ الْعِبَادِ الصَّالِحِينَ).
إخوة الإسلام
القلب هو ملك الأعضاء في الإنسان, وإذا ما طاب الملك وصلح طابت وصلحت رعيته، وإذا ما فسد الملك فسدت رعيته, ويوم القيامة تتميز القلوب التقية النقية فتصبح هي الأعلى والأسمى والأغلى، قال تعالى: ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (88)، (89) الشعراء، وفي الصحيحين: ( قال صلى الله عليه وسلم: أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ»، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده)، والمرء يوزن عند الله عز وجل بقلبه لا بجسمه، قال يحيى بن معاذ رحمه الله: (القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها، ومغارفها ألسنتها، فانتظر الرجل حتى يتكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض، وعذب وأجاج، يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه) (رواه أبو نعيم في الحلية)، وعَنْ أبِي مُوسَى، قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبهِ ، إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ ، يُقَلِّبُهَا الرًّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ). أخرجه أحمد وصححه الألباني، والعاقل هو من يتفقد قلبه، ويتعاهده دائماً، ويختبر قوة ثابتة على الطاعة والإيمان، واعْلَمْ أخي المسلم أَنَّ الْقُلُوبَ ثَلاثَةٌ : قَلْبٌ خَالٍ مِنْ الإِيمَانِ وَجَمِيعِ الْخَيْرِ، فَذَلِكَ قَلْبٌ مُظْلِمٌ، قَدْ اسْتَرَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ إلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ إلَيْهِ، لأَنَّهُ قَدْ اتَّخَذَهُ بَيْتًا وَوَطَنًا ،وَتَحَكَّمَ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ ، وَتَمَكَّنَ مِنْهُ غَايَةَ التَّمَكُّنِ. أما القلب الثَّانِي: فهو قلب قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الإِيمَانِ، وَأَوْقَدَ فِيهِ مِصْبَاحَهُ، ولَكِنْ عَلَيْهِ ظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ، وَعَوَاصِفُ الأَهْوِيَةِ، فَلِلشَّيْطَانِ هُنَاكَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ، وَمُحَاوَلاتٌ وَمَطَامِعُ، فَالْحَرْبُ فيه دُوَلٌ وَسِجَالٌ. وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُ هَذَا الصِّنْفِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَتِهِ لِعَدُوِّهِ أَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَةِ عَدُوِّهِ لَهُ أَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ تَارَةً وَتَارَةً. أما القلب الثَّالِثُ: فهو قَلْبٌ مَحْشُوٌّ بِالإِيمَانِ، قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الإِيمَانِ، وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ حُجُبُ الشَّهَوَاتِ، وَأَقْلَعَتْ عَنْهُ تِلْكَ الظُّلُمَاتُ، فَلِنُورِهِ فِي صَدْرِهِ إشْرَاقٌ، وَإِيقَادٌ ، لَوْ دَنَا مِنْهُ الْوَسْوَاسُ لأَدْرَكَهُ الاحْتِرَاقُ، فَهُوَ كَالسَّمَاءِ الْمَحْرُوسَةِ بِالنُّجُومِ، فَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، وَلا هُجُومٌ، فَكَمَا أَنَّ السَّمَاءَ مُتَعَبَّدُ الْمَلائِكَةِ الْكِرَامِ ،وَمُسْتَقَرُّ الْوَحْيِ السَّدِيدِ ، فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ مُسْتَقَرُّ التَّوْحِيدِ، وَالإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَجِيدِ، فَهُوَ قلب حَرِيٌّ أَنْ يُحْرَسَ، وَيُحْفَظَ وَيُبْعَدَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَيُدْحَضَ، قَدْ امْتَلأَ مِنْ جَلالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ. فَأَيُّ شَيْطَانٍ يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا الْقَلْبِ.
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث النبوي الكريم والذي هو بين أيدينا اليوم مثل حسن للقلوب، فالقلوب آنية، فإذا كان القلب رقيقا لينا، كان قبوله للعلم والإيمان سهلا يسيرا، ورسخ العلم والإيمان فيه وثبت واثر، وأن كان قاسيا غليظا، كان قبوله للعلم والإيمان صعبا عسيرا ،وآنية الله تعالى في أرضه: (قلوب عباده الصالحين): أي القائمين بما عليهم من حقوق الحق والخلق، فنور معرفته سبحانه تملأ قلوبهم، حتى تفيض على الجوارح، وأحب القلوب إليه سبحانه: (ألينها وأرقها) : فالقلب إذا لان ورق وانجلى صار كالمرآة، فإذا أشرقت عليه أنوار الملكوت أضاء الصدر، وامتلأ من شعاعها، فأبصرت عين الفؤاد باطن أمر الله في خلقه، فيؤديه ذلك إلى ملاحظة نور الله تعالى، فإذا لاحظه فذلك قلب استكمل الزينة والبهاء بما رزق من الصفاء، فصار محل نظر الله من بين خلقه، فكلما نظر إلى قلبه، زاده به فرحا ،وله حبا وعزا، واكتنفه بالرحمة، وأراحه من الزحمة، وملأه من أنوار العلوم، فهذه القلوب اللينة الهينة المستنيرة إذا سمعت آيات الله تتلى عليها ترى جلود أصحابها تقشعر من خشية الله تعالى، فالعلم والإيمان والقرآن إذا خالط القلوب حركها وأثار ما فيها، يثير ما في القلب من الشبهات والشهوات، يثيرها لا ليبقيها في القلب، وإنما يثيرها لينفض القلب نفضاً، فيصفيها من أمراض الشهوات والشبهات، ويذهب بها حتى ينقي القلب من هذه الأدران والأخلاط. وإذا ذهبت الشهوات والشبهات يبقى القلب صافياً من كل ما علق به وكدّره، ويبقى هذا القلب فيه العلم والإيمان والقرآن، يفيد الناس تعليماً، ويفيد النفس خشية، وعملاً، وعبادة، وتطبيقاً، فالعلم والإيمان والقرآن إذا نزل في القلوب، ينبت الله به أشجار العبادة والخشية، زهيّة قائمة على أصولها في قلوب المؤمنين.
أيها المسلمون
إننا في أمس الحاجة في هذه الزمان إلى أن يفتش كل مسلم ومسلمة في حال قلبه، وفي حاله مع ربه تبارك وتعالى، ففي صحيح مسلم: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ »..واعلموا أن قلوب الصالحين قلوب متجردة، فهي لا تعمل إلا لله تبارك وتعالى، ولا تبتغي الأجر إلا من الله عز وجل، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ». وقلوب الصالحين قلوب رحيمة كبيرة، لا تعرف الغلظة، ولا القسوة، ولا تعرف سبل الانتقام، بل هي قلوب امتلأت بالحب لكل مسلم على وجه الأرض، وإن وجد صالح من هؤلاء الصالحين أخاً من إخوانه على معصية، أو على تقصير، اقترب منه، برحمة حانية، وبكلمة رقيقة، فذكره بالله تبارك وتعالى.. وقلوب الصالحين قلوب وجلة خاشعة، روى مسلم في صحيحه: (أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلاَمِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الآيَةِ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) [الحديد:١٦] إِلاَّ أَرْبَعُ سِنِينَ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( آنيةُ ربِّكم قلوبُ عبادِه الصالحينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقلوب الصالحين قلوب تقية نقية، ففي سنن ابن ماجة : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ».وفي صحيح مسلم : (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ». وقلوب الصالحين قلوب سليمة، سلمت من الشرك، وسلمت من الشك، وسلمت من الغل، وسلمت من الحقد، وسلمت من الحسد، وسلمت من البدع، وسلمت من الغفلة، وسلمت من الشهوة، وسلمت من الهوى، وهي قلوب ذاقت طعم الإيمان، قال جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧]، وفي صحيح مسلم : (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً »، وفي الصحيحين : (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ » .
الدعاء