خطبة عن (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
يناير 27, 2018خطبة عن اسم الله ( العَفُوّ )
يناير 27, 2018الخطبة الأولى (أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ قَالَ صَلَّى بِنَا عَمَّارٌ َصلاَةً فَأَوْجَزَ فِيهَا فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالُوا بَلَى. قَالَ أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهِمَا بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو بِهِ :« اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلِذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ » ، وفي سنن البيهقي : (عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّ إِحْدَى إِصْبَعَيَّ لَفِي جُرْحِهِ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَهُوَ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنِّي لاَ أَخَافُ النَّاسَ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا أَخَافُكُمْ عَلَى النَّاسِ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ اثْنَتَيْنِ لَنْ تَبْرَحُوا بِخَيْرٍ مَا لَزِمْتُمُوهُمَا الْعَدْلُ فِي الْحُكْمِ وَالْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ مَخْرَفَةِ النَّعَمِ إِلاَّ أَنْ يَعْوَجَّ قَوْمٌ فَيَعْوَجَّ بِهِمْ ).
إخوة الإسلام
من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتقدم : (أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ … وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا) ، وأما عن دعائه صلى الله عليه وسلم : (أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) : فخشية الله في الغيب والشهادة هذه هي درجة المراقبة ، وخشية الله في السر والعلن ، وفي الغيب والشهادة تمنع المسلم من ارتكاب ما نهى الله عنه، وتحثه على فعل ما أمر الله به ، فإن حصل للعبد غفلة عن ملاحظة خوفه وتقواه ، فارتكب مخالفة مولاه ، لجأ إلى التوبة ثم داوم الخشية” .ومن خاف الله في السر فقد خافه في العلانية، وقد امتدح الله من كان هذا حاله فقال تعالى : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء (49)، وقوله تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) ق (33)، وخشية الله ومراقبته في السر والعلانية هي الوصية التي أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذا ، حينما قال له صلى الله عليه وسلم « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ » ، أي: في السر والعلانية، حيث يراك الناس ،وحيث لا يرونك، وفي الليل والنهار، وفي الغيب والشهادة، وفي كل وقت ، وعلى كل حال. ومن يراقب الله ويخشاه سراً وعلانية، ويجعل بينه وبين ما حرم الله حاجزاً ،يكرمه الله يوم القيامة ،بأن يظله في ظل عرشه ،يوم لا ظل إلا ظله، فقد جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » رواه البخاري ومسلم ، وجاء في حديث أبي أمامة –رضي الله عنه- قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله) ، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس خشية لله، فقد جاء في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي ثُمَّ أَرْفَعُهَا لآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا ». وفي البخاري 🙁حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » ، ومن الأسباب والوسائل المعينة على خشية الله ومراقبته في السر والعلانية، وترك معاصيه : أن يعلم العبد أن الله يراه، وأنه مطلع عليه، قال ابن رجب -رحمه الله- مبيناً لذلك: “فإن من علم أن الله يراه حيث كان، وأنه مطلع على باطنه وظاهره، وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته؛ أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر”، وقد كان بعض السلف يقول لأصحابه: “زهدنا الله وإياكم في الحرام ،زهد من قدر عليه في الخلوة، فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته”، وقال الشافعي: “أعز الأشياء ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف”.. وقال رجل لوهب بن الورد: عظني؟ فقال له: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك”، ودخل بعضهم غيضة ذات شجر فقال: لو خلوت هاهنا بمعصية من كان يراني؟ فسمع هاتفا بصوت ملأ الغيضة: ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك (14)، وراود بعضهم أعرابية، وقال لها: (ما يرانا إلا الكواكب) ، فقالت: فأين مكوكبها؟!
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم (وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ) ، فإذا عدل المسلم في أقواله وأفعاله وأحكامه حال الرضا والغضب- صار ميزانا للحق، لا يستفزه الغضب، ولا يميل به الرضا، فكلامه للحق لا للنفس، فكثير من الناس إذا غضب لم يبال بما يقول، ولا بما يفعل” ،أما من تخلق بخلق العدل في حال غضبه ورضاه ، دلّ ذلك على شدة إيمانه، وأنه يملك نفسه، فهو الشديد حقًا؛ كما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » ، ولذلك حرص السلف الصالح على العدل في الرضا والغضب؛ يقول مورق العجلي -رحمه الله-: “ما تكلمت بشيء في الغضب ندمت عليه في الرضا” ، وقال عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-: “ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم فيهدم عمر خمسين سنة أو ستين سنة أو سبعين سنة، ورب غضبة قد أقحمت صاحبها مقحما ما استقاله”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد أمر الله –تعالى- بالعدل والقسط في مواضع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ) النحل (90)، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ) النساء (135)، وقال تعالى : (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) الأنعام (152). فالعدل هو الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، قال تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد (25). وقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يعدل بين الناس، فقال أمراً له أن يقول للناس: ( وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) الشورى (15). ولعظم شأن العدل والقسط فإن صاحبه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ( فعَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ) متفق عليه ، بل إن أهل العدل والقسط على منابر من نور على يمين الرحمن يوم القيامة ؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ». فكن عادلا أخي المسلم في رضاك وغضبك، وﺇلا فقدت رصيدك من الحسنات يوم القيامة، ثم طُرحت في النار بسبب ظلمك وأكلك أموال الناس بالباطل، كما في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ». وعلى من يقضي بين الناس في خصوماتهم أن يلتزم هذه الوصية، فلا يمنعه رضاه عن بعض المتخاصمين أو غضبه على بعضهم أن يقضي بالعدل، التزاما بقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ ( المائدة 8).
الدعاء