خطبة عن (من الجوانب الحضارية في سيرة خير البرية)
أبريل 7, 2018خطبة عن اسم الله (الْعَلِيُّ، الْأَعْلَى، الْمُتَعَالِ)
أبريل 7, 2018الخطبة الأولى (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ ، فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا ، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الشريف ، يذكر لنا الصحابي الجليل (أَبِو وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ) ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس في المسجد ذات مرة ، وحوله أصحابه يحدثهم ، وفي أثناء حديثه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ثلاثة نفر من باب واحد ، فلما وصلوا إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأوا الصحابة متحلقين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقبل اثنان منهم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج الثالث من المسجد ، فأما الاثنان ، فأحدهما وجد فرجة ( أي مكانا خليا بين شخصين ) فجلس فيه يستمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما الآخر : فرأى الصحابة متزاحمين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحياء منه لم يرغب في مزاحمة الجالسين ، والتضييق عليهم في جلستهم ، والتفريق بينهم ، لذا ، فقد جلس خلفهم ، يتابع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعدما انتهى النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديثه ،أخبر الجالسين عن نبإ النفر الثلاثة ، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ : أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ ، فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا ، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ »
وهكذا ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن هؤلاء الثلاثة فقال صلى الله عليه وسلم :، (أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ ، فَآوَاهُ اللَّهُ ) ، والمعنى : أنه دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مجلس فيه ذكر الله تعالى ، وبه مجمع المؤمنين من أوليائه وأصفيائه الاتقياء البررة ، فانضم إلى ركب الصالحين ،ومتع عينه بالنظر إلى رسول رب العالمين ، فآواه الله أي : قبله ،وقربه ، ورحمه ، وأوجب له جنته ، ودار مقامته، وهذا الحكم ليس قاصرا على هذا الصحابي فحسب، بل هو لكل مؤمن آوى إلى الله ، وآمن برسوله صلى الله عليه وسلم ، ورغب في دينه ، وأحب الصالحين من عباده ، وجالس أهل الذكر والمرحمة ، فالإقبال على الله يلم شعث القلوب ، ويزيل كدرها، وينير لها الطريق ، ويفتح أمامها أبواب الرحمة ، فمن أوى إلى الله آواه ،ومن فوض أمره إلى الله كفاه ،ومن باع نفسه إلى الله اشتراه ، فطوبى لمن آواه ربه وكفاه ..واشتراه فرضي عنه وأرضاه ، وروى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ . قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا . قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ .قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ . قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا ، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا . قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا ، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا ، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً . قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا ، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً . قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ . قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ . قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ » ، وفي سنن الترمذي بسند حسن :(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا ».
أيها المسلمون
وقال صلى الله عليه وسلم عن شأن الرجل الآخر (، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا ، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، ) ، والمعنى : أنه استحيا أن يزاحم أصحابه ، وأن يضيق عليهم في مجلسهم ، حياء من الله تعالى ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم ومن الحاضرين ، (فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ) ، أي : رحمه الله ، ولم يعذبه ، بل غفر ذنوبه ، وقيل : جازاه بالثواب . وقالوا : ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول في الفضيلة الذي آواه وبسط له اللطف وقربه . لأنه كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فعلى قدر قربك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وطريقته ونهجه تكون درجة قربك من الله تبارك وتعالى . والحياء صفة مدحها النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي صحيح مسلم أن (عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ ». وفي سنن ابن ماجة :(عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا – أَوْ قَالَ خَائِبَتَيْنِ ». فالحياء خلق فاضل ،يحمل على ما يجمل ويزين، وعلى ترك ما يدنس ويشين،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن قصة حديث النفر الثلاثة : أما عن شأن الرجل الثالث ، فقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ ) ، فهذا الشقي الجافي المعرض ، أعرض عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعرض عن ذكر الله ، وأعرض عن العلم النافع ، وأعرض عن مجالسة الصالحين ، وأعرض عن التمتع بالنظر إلى رسول رب العالمين ، فكان الجزاء من جنس العمل ، فأعرض الله عنه؛ وإعراض الله تعالى عنه يعني : أنه حُرم من رحمته ، وأبعد من رضوانه ، وكُتب من الأشقياء ، لأنه قدم هواه ، واتبع شيطانه فأغواه ، وآثر دنياه ، وباع آخرته بدنياه ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » .
أيها المسلمون
ويستفاد من هذا الحديث ، وقصة أولئك النفر الثلاث : أولا : استحباب التحلق في مجالس الذكر والعلم ، وأن الذي يتخلف عن هذه الحلق ، لحطام الدنيا الفانية، أو الأمور التافهة، أو الكسل، أو النوم، والتراخي، فإنما يفوته الخير الكثير والله تعالى يقول : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) الكهف 28، ويستحب أن يجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يقيم رجلاً من المجلس ، ولا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما، ويستأذن عند القيام ، ويوقر المجلس، وينصت فيه، ويستفاد من هذا الحديث : ثانيا : استحباب جلوس العالم لأصحابه وغيرهم في موضع بارز ظاهر للناس ، والمسجد أفضل ، فيذاكرهم العلم والخير .ويستفاد من هذا الحديث : ثالثا : الثناء على من فعل جميلا فإنه صلى الله عليه وسلم قد أثنى على الاثنين في هذا الحديث، ويستفاد من هذا الحديث :رابعا : فضيلة المبادرة للخير، وأن درجة العبد عند ربه ،على قدر قربه منه تعالى ، ومن دينه ، وشرعه ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويستفاد من هذا الحديث : خامسا : أن الإنسان إذا فعل قبيحا ومذموما وباح به ، جاز أن ينسب إليه ، وجواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم ، للزجر عنها ،وأن ذلك لا يعد من الغيبة المحرمة .
الدعاء