خطبة حول الدعاء، وحديث (اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي)
فبراير 11, 2023خطبة عن (إنَّهَا سَنَوَاتُ الزَّلاَزِلِ وَالآيَاتِ )
فبراير 12, 2023الخطبة الأولى ( حديث: أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا»
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) الذاريات، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ» . قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ». قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ»، وهكذا يتبين لنا أن الحكمة من خلق الإنسان، والغاية من وجوده، هي عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادة الله: هي طاعته والتسليم له، والانقياد لأمره، وهي حق استحقه سبحانه بمقتضى ربوبيته وألوهيته وكماله، فلو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته، لاستحق سبحانه أن يُعبد، ويُعظم لذاته، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36]، وقال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].
وفي العبادة: فرار إلى الله، وهروب من الأثقال والقيود والأغلال التي تقسي القلب وتكدره، يقول الله فيمن هجر عبادته ورتع في شهواته: (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [ الحديد:16].
والعبودية لله: أشرفُ المقامات، وأعلى المراتب، شرُفتْ بها ملائكة الله، كما قال الله عنهم: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 19، 20]. وشرُفَ بها الأنبياء والمرسلون، كما قال عنهم رب العالمين: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 – 173].
فالواجب على الجميع العناية بهذه الغاية، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، والمحافظة عليها، والتفقه فيها، والاستقامة عليها، حتى يلقى العبد ربه، فأصل الدين وأساسه: هو إخلاص العبادة لله وحده، والبراءة من عبادة ما سواه ،وترك الإشراك به سبحانه، وهذا هو معنى: (لا إله إلا الله)، فإن معناها: (لا معبود بحق إلا الله) ،فهي نفي وإثبات، تنفي العبادة لغير الله، وتثبت العبادة لله وحده، كما قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِل) [الحج :62]. ولا صحة لعباداتنا من صلاة وصوم وغير ذلك إلا بعد صحة هذا الأصل، وهو: (توحيد الله، والإخلاص له، وترك عبادة ما سواه كائنا من كان، وعدم الإشراك به)، فلا تصح أي عبادة إلا بعد صحة هذا الأصل، وعلينا أن نحافظ على ذلك، ونستقيم عليه، وندعو إليه، ونحذر من خلاف ذلك.
أيها المسلمون
والعبادة في الإسلام: شاملة لحياة المسلم كلها؛ زمانًا ومكانًا وحالا، فالعبادة شاملة لكل حركات الإنسان وسكناته، في أي مكان، وفي أي زمان، وعلى أي حال، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. فحياة العبد كلها دائرة بين أمرٍ ونهي، ومعصية، ومصيبة ونعمة؛ فأما حق الله عليك في الأمر فأَنْ تلتزم به، وأما حقه عليك في النهي فأَنْ تجتنبه، وأما حقه عليك في المعصية فأنْ تتوب منها، وأما حقه عليك في المصيبة فأَنْ تصبر عليها، وأما حقه عليك في النعمة فأَنْ تشكره عليها.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حَريصًا على التَّيسيرِ على العِبادِ في أداء عباداتهم لله، فلم يُحمِّلْهم ما لا يُطِيقون ولا يَستطيعونَ مِنَ الأعمالِ والعِباداتِ، ولذلك حذَّرَ هم مِن التَّكلُّفِ والتَّشدُّدِ في أداء العبادات، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ». قَالَهَا ثَلاَثًا. والمتنطعون: هم المتشددون في العبادة، المغالون المتجاوزون للحد، وفي الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ»، وفي صحيح البخاري: (أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضي الله عنه – يَقُولُ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي »
أيها المسلمون
وفي هذا الحَديثِ النبوي الشريف، والذي تصدرت به هذه الخطبة: تُخبِرُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَأمُرُ أصحابَه بما يُطيقون مِن الأعمالِ، وبما يَستطيعونَ المُداوَمةَ عليه؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان حَريصًا على المُداوَمةِ على الأعمالِ، لا على الإكثارِ منها، والصحابة الكرام كانوا لشِدَّةِ حِرصِهم على الطَّاعاتِ يُريدونَ الاجتهادَ في العملِ، فطلَبوا الإذنَ في الزِّيادةِ مِن العِبادةِ؛ وذلك رغبةً في الخيرِ ،وزِيادةِ الأجرِ، فقالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، فغضِبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك، وأخبَرَهم أنَّه صلى الله عليه وسلم أتْقاهم وأعلَمُهم باللهِ، أي: ليس الأمرُ كما تَظنُّون، فلو كان في الإسرافِ في العِبادةِ، وتَكليفِ النَّفْسِ ما لا يُطاقُ منها طاعةٌ لله؛ لَسَبَقْتُكم إلى ذلك؛ لأنَّني أكثرُكم عِلمًا بما يُرضي اللهَ، وكلَّما كان العبدُ أكثرَ عِلمًا، كان أكثرَ طاعةً وعِبادةً وتَقوَى. وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ مِن السُّنَّةِ الاقتصادَ في النَّوافلِ، ومُلازَمةَ ما يُمكِنُ الدَّوامُ عليه؛ لأنَّ إرهاقَ النَّفْسِ بالعبادةِ يُؤدِّي إلى كُرهِها، والانقطاعِ عنها.
والمتدبر لهذا الحديث يجد فيه فوائد جمة، وارشادات متعددة، ومنها: الفائدة الأولى : أن الأعمال الصالحة ترقي صاحبها إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيئات ; لأنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينكر عليهم استدلالهم ولا تعليلهم من هذه الجهة ، بل من الجهة الأخرى . الفائدة الثانية : أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها ، استبقاء للنعمة ، واستزادة لها بالشكر عليها . الفائدة الثالثة : الوقوف عند ما حد الشارع من عزيمة ورخصة ، واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له . الفائدة الرابعة : أن الأولى في العبادة القصد والملازمة ، لا المبالغة المفضية إلى الترك ، كما جاء في الحديث الآخر ” المنبت – أي المجد في السير – لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ” . الفائدة الخامسة : التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير . الفائدة السادسة : مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي ، والإنكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم ، تحريضا له على التيقظ . الفائدة السابعة : جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة لذلك عند الأمن من المباهاة والتعاظم . الفائدة الثامنة : بيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة الكمال الإنساني لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية ، وقد أشار إلى الأولى بقوله ” أعلمكم ” وإلى الثانية بقوله ” أتقاكم ” ووقع عند أبي نعيم ” وأعلمكم بالله لأنا ” بزيادة لام التأكيد ، وفي رواية أبي أسامة عند الإسماعيلي ” والله إن أبركم وأتقاكم أنا ”
أيها المسلمون
نعم، فمما لا شك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلمنا بالله، وإذا كان هو أعلمنا بالله، فهو أشدنا إيمانا بالله، فكلما قويت المعرفة بالله، قوي الإيمان به، وكلما قويت معرفتك بالله ومعاني صفاته عز وجل، ازددت محبة له ،فإذا ذكرت أوصاف الإحسان والإنعام ازددت محبة لله عز وجل، وإذا ذكرت أوصاف السلطان والعظمة ازددت خوفا منه، فتجمع في سيرك إلى الله بين الخوف والرجاء، ولهذا يقال: ” من كان بالله أعرف كان منه أخوف “،
ومن كان في الله أعرف فلا شك أنه يحب الله أكثر، ويخافه أكثر، وتكون معرفته معرفة إجلال وتعظيم واحترام وهيبة، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (2) :(4) الانفال، ومهما بلغت مرتبة العبد ودرجته ومكانته عند الله عز وجل فإنه لا يترك العمل أو يقصر فيه أو يهمله، بل هذا يستوجب منه العكس، وهو الإستزادة في العمل والمداومة عليه شكرا للخالق على نعمته وفضله، ففي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ « أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا» . فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ ، فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ) ، فرفع الدرجات لا يُوجب التقصير. لذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بما يطيقونه ويسهل عليهم ليداموا عليه، ولا يُصابوا بالفتور والملل فينقطعوا، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته واجبة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) الانفال (20)، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر (7)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حديث: أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم بشرع الله وحكمته، وهو أتقى لله، فلا بد من الاقتداء به صلى الله عليه وسلم واتباعه، وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَمْرٍ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ». قال النووي رحمه الله: (وإنما يكون القرب إليه سبحانه وتعالى, وَالخشية له على حسب ما أمر, لا بمخيلات النفوس، وتكلف أعمال لم يأمر بها)، فالدِّينُ يُسرٌ لا عُسرٌ، وقد أرشَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه إلى الطَّريقِ الأرشدِ للدِّينِ والتَّديُّنِ، فأوضَحَ أنَّه يَنْبغي على المؤمنِ أنْ يَقومَ بما يُطِيقُه مِن العِبادةِ، مع التَّرغيبِ في القصْدِ في العملِ؛ حتَّى لا يُصابَ بالمَلَلِ والفُتورِ. وفي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « مَنْ هَذِهِ » . قُلْتُ فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ. فَذُكِرَ مِنْ صَلاَتِهَا فَقَالَ «مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»، فإنَّ الدِّينَ في مُتابَعةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والعمَلِ بسُنَنِه، وليس في التَّشديدِ على النَّفسِ وإرهاقِها بالعِبادةِ، فاشتَغِلوا مِن الأعمالِ بما تَستطيعون المُداوَمةَ عليه، وافعَلوا ما تَقدِرون عليه مِن الصِّيامِ والقيامِ، ولا تَشُقُّوا على أنفُسِكم. وفي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا إِلَى اللَّهِ، وَإِنْ قَلَّ»، وفي رِوايةِ: (سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ « أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ». وَقَالَ «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ»؛ لأنَّه بالدَّوامِ على القليلِ تَدومُ الطَّاعةُ والذِّكرُ، والمُراقَبةُ، والنِّيَّةُ والإخلاصُ، والإقبالُ على الخالِقِ سُبحانه وتعالَى، ويُثمِرُ القليلُ الدائمُ بحيث يَزيدُ على الكثيرِ المُنقطِعِ أضعافًا كَثيرةً.
الدعاء