خطبة عن (ميلاد الرسول ميلاد لأمة)
سبتمبر 6, 2025الخطبة الأولى (أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه: (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما – قُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا).
إخوة الإسلام
هذا الحديث النبوي الكريم يحمل بين طياته الكثير والكثير من المعاني العظيمة، والحكم الجليلة ،ومنها: الحكمة والهدف والغاية من ارسال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا واضح وجلي في قوله: (وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ)، فالله تعالى أرسل رسوله (شَاهِدًا): فهو شاهد لمن آمن به من أمته بالتصديق، وشاهد على مَن كفَر منهم بالتكذيب، وهو أيضا شاهد للرسل قبله بالبلاغ. قال الله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) (41) ،(42) النساء، فهو صلى الله عليه وسلم شاهد على الأمة أمام الله، بعدما أكمل المهمة، ونصح الأمة، وبلغ الرسالة خير بلاغ.
والله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم: (مُبَشِّرًا): للمطيعين بالفوز العظيم، بجنات النعيم، قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) الاحزاب (47) ، وقال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (72) التوبة، وقال الله تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) (50) : (54) ص،
والله تعالى أرسل رسوله: (نَذِيرًا): فهو نذير للعاصين بنار الجحيم، والعذاب الأليم، قال الله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (46) سبأ ، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ. فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي، فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ »
والله تعالى أرسل رسوله: (حِرْزًا للأُميِّين): فهو صلى الله عليه وسلم (حرز) والحِرْز: هو الموضِع الحصين، والكهف المنيع، فالمؤمنون يتحصَّنون برسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الشَّيطانِ الرجيم، ويَتحصَّنونَ به من غوائل الدهر، ومن سَطْوة العَجَم، ومن عذاب الله في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (33) الانفال ؛ وفي صحيح مسلم: (قَالَ صلى الله عليه وسلم :« النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ ». فهو صلى الله عليه وسلم: (حِرْزًا للأُميِّين) أي للعرب، وإنما خصَّ العرب بالذِّكر؛ لشرفهم، ولإرساله بين أظهرهم، وإنما دعوته صلى الله عليه وسلم عامةٌ، ورسالته إلى الناس كافة.
أيها المسلمون
ثم ذكر الحديث بعضا من صفات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما جاءت في الكتب المقدسة، ومنها: (أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ): فهو صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ – رضي الله عنه – يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»،
وقد سماه الله تعالى المتوكل: (سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ)، لأنه صلى الله عليه وسلم حقق التوكل بكل معناه، فأخذ بالأسباب ،وتوكل قلبه على الله، فأنت أيها الرسول المتوكل: لعظيم ثقتك بي، وكريم اعتمادك عليَّ، وجميل صبْرك فيَّ، تَقْنع باليسي، وتجود بالكثير، وتُفوِّض أمرك كله إليَّ. وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ قَالَ «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»، وحينما كان مهاجرا وصاحبه من مكة إلى المدينة، وأحاط كفار مكة بالغار، كان صلى الله عليه وسلم في غاية الأمن، لأنه متوكل على الله، قال تعالى: (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) التوبة (40)، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي بَكْرٍ – رضي الله عنه – قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»، وفي رواية في الصحيحين: (قَالَ أبو بكر: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ «لاَ تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا». فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا)،
ومن صفات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما جاءت في الكتب المقدسة، أنه صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ)، فهو صلى الله عليه وسلم: ليس بفظٍّ ولا جافٍ، ولا غليظ الطباع، ولا قاسٍ في معاملاته، بل كان اللين شيمته، والرفق سجِيَّته، ما لم يُؤْمر بالشدة والغِلَظة مع الكفار في القتال، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
ومن صفاته: (وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ): ففي سنن الترمذي: (أن أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَلاَ صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ)، فما حاجته إلى الصَّخب واللغط، وهو مجبولٌ على الرِّفق والتواضع، ومطبوع على السكينة والوقا،
ومن أخلاقه: (وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ): امتثالاً لأمره تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [المؤمنون: 96]، وكان – صلى الله عليه وسلم – خُلُقه القرآن. وفي سنن النسائي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا نَقْعُدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا قَامَ قُمْنَا فَقَامَ يَوْمًا وَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى لَمَّا بَلَغَ وَسَطَ الْمَسْجِدِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ مِنْ وَرَائِهِ – وَكَانَ رِدَاؤُهُ خَشِنًا – فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّكَ لاَ تَحْمِلُ مِنْ مَالِكَ وَلاَ مِنْ مَالِ أَبِيكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لاَ أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِمَّا جَبَذْتَ بِرَقَبَتِي». فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ لاَ وَاللَّهِ لاَ أُقِيدُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لاَ وَاللَّهِ لاَ أُقِيدُكَ. فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الأَعْرَابِيِّ أَقْبَلْنَا إِلَيْهِ سِرَاعًا فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «عَزَمْتُ عَلَى مَنْ سَمِعَ كَلاَمِي أَنْ لاَ يَبْرَحَ مَقَامَهُ حَتَّى آذَنَ لَهُ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ «يَا فُلاَنُ احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا وَعَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «انْصَرِفُوا».
ومن أخلاقه: (وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ): فلا يرضى خُلُقُه العظيم ألا يَجزي السيئة بمثلها؛ وإنما يَسْترها فلا يُجابِه بها، وفي سنن ابي داود: (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ مَا بَالُ فُلاَنٍ يَقُولُ وَلَكِنْ يَقُولُ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا»، وفي الصحيحين: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ وَهْوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَجِئْنَا، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ «إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ، وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قُلْتُ اللَّهُ. فَشَامَهُ، ثُمَّ قَعَدَ، فَهْوَ هَذَا». قَالَ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -)، وفي المستدرك للحاكم: (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف فقال: من يمنعك مني قال :الله قال: فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال: من يمنعك قال: كن خير آخذ قال: تشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله قال: أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال: فخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس). هذا كله ما لم تُنتهَك حُرُمات الله، فإذا انتُهِكت حرمات الله، فإنه ينتقم لله بها.
ومن صفاته صلى الله عليه وسلم كما جاء في كتب النبيين السابقين: (وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا): فلن يقبِض الله روح نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى يُقيم به ملة ابراهيم، ويُعيدها سيرتَها الأولى، من بعد أن عوَّجها العرب، وبدَّلوها تبديلاً. وقد صدق الله وعدَه، ونصر عبده، ومنَّ به على المؤمنين، فاجتمعوا على كلمة الله، واعتصموا بحبل الله، وفي مسند أحمد: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)،
وفي صحيح البخاري: (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً. فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ. فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا فَالدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ،وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ)، وفي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ. أَيُّ يَوْمٍ هَذَا». قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ . قَالَ «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا». قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ . قَالَ «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا» . قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ . قَالَ «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا». فَأَعَادَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ – «فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
الدعاء