خطبة عن (وقفات وتأملات في سورة العصر)
يناير 20, 2018خطبة عن (تعظيم الله) (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)
يناير 20, 2018الخطبة الأولى ( أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران 110، وقال الله تعالى : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (92) الأنبياء، وفي سنن أبي داود ومسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُمَّتِى هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِى الآخِرَةِ عَذَابُهَا فِى الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ ». وروى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ حَدَّثَنِى أَبِى أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ مَرْحُومَةٌ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَذَابَهَا بَيْنَهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الأَدْيَانِ فَقَالَ هَذَا يَكُونُ فِدَاءَكَ مِنَ النَّارِ » .وفي مسند أحمد : (عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى »
إخوة الإسلام
إن هذه الأمة الإسلامية هي أفضل الأمم عند الله -تبارك وتعالى- وهذا أمر لا شك فيه ، ويجب أن يدركه كل مسلم ، فأمة الإسلام هي بيقين قطعي، وبمحكمات الكتاب والسنة ، هي أفضل من الأمم السابقة، أفضل من أمم أهل الكتاب؛ من اليهود في زمانهم، ومن النصارى في زمانهم، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى :(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس) [آل عمران:110] ، وقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة:143]. وفي الصحيحين، عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ النبي – صلى الله عليه وسلم – فِى قبة فقال : ” أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟” . قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ :”أتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : “أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟” . قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ”، وهكذا أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم وبشر هذه الأمة أن نصف من يدخلون الجنة هم من أتباعه عليه الصلاة والسلام ، وقال ابن كثير في تفسيره : «وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد ، فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يُعْطَه نبيّ قبله ولا رسول من الرسل»،
والله تبارك وتعالى قد رحم هذه الأمة برحمات متعددة، لم تنلها قبلها أمة من الأمم، ففي حديث أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُمَّتِى هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِى الآخِرَةِ عَذَابُهَا فِى الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ ». والمعنى أنهم مجزيُّون بخطاياهم في الدنيا بالمِحَن والأمراض وأنواع البلايا، وقد ورد هذا في قوله تعالى( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) 123 النساء ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : « لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِى الآخِرَةِ » أي أن عذابهم ليس كعذاب الكفار ، كما أن الغالب في حقهم المغفرة ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَىٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ ». وعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ ». رواه مسلم ، قال النووي رحمه الله في شرحه : «ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة؛ خلفه الكافر في النار؛ لاستحقاقه ذلك بكفره، ومعنى « فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ » أنك كنت معرّضًا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر لها عددًا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم؛ صاروا في معنى الفكاك للمسلمين ، ومن مظاهر رحمة الله بهذه الأمة أن الله لا يهلكها بعذاب وقحط يشملهم جميعًا ويعمهم، ولله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد هذا ما جاء في صحيح مسلم (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِىَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّى سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِى أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّى أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». ومن مظاهر رحمة الله بهذه الأمة أن خيريتها لا تنقطع، فالخير يعمها، وهو باقٍ فيها إلى يوم القيامة من أولها إلى أخرها، كما جاء في الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ». رواه الترمذي ومعنى الحديث أن الخير شامل لجميع الأمة ، ومن مظاهر رحمة الله بهذه الأمة أنه يضاعف لها الأجر، فتعمل العمل القليل، وتأخذ عليه الأجر الكبير، كما في صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِى إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً ، قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا قَالُوا لاَ . فَقَالَ فَذَلِكَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ » ، قال ابن حجر « وفي الحديث تفضيل هذه الأمة، وتوفير أجرها مع قلة عملها» فتح الباري ، ومن رحمة الله بهذه الأمة وفضله الواسع عليها أن عفا عن حديث النفس والوسوسة، فلا يحاسبهم عليها،ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِى عَنْ أُمَّتِى مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ » ، قال ابن حجر «وفي الحديث إشارة إلى عظيم قدر الأمة المحمدية؛ لأجل نبيها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِى) وفيه إشعار باختصاصها بذلك، بل صرّح بعضهم بأنه كان حكم الناسي كالعامد في الإثم، وأن ذلك من الإصر الذي كان على من قبلنا» ، ومن مزايا هذه الأمة: يوم الجمعة، والتأمين، والقبلة تجاه الكعبة، والتحية بالسلام، والصلاة في الصفوف، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود قوم حُسَّد، وهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على السلام، وعلى آمين) ، وقال عليه الصلاة والسلام عن اليهود: (وهم قوم حسد، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث: رد السلام، وإقامة الصف، وقولهم خلف إمامهم: آمين) رواه الطبراني .وكذلك أخبر عليه الصلاة والسلام بوقوع الطعن والطاعون في هذه الأمة، وأنه شهادة للمسلمين، أي: إن أجر الشهيد يكتب لمن قتل بالطاعون، وبالطعن أيضاً، وقال عن الطاعون: (وخز أعدائكم من الجن) ، وهو شهادة لكل مسلم. وهذه الأمة يأتون معلَّمين بعلامة يوم القيامة تميزهم عن بقية الأمم، فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ حَوْضِى أَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَلآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ وَإِنِّى لأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ « نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَىَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ ». وهذا يدل على فضيلة الوضوء، وعلى أهمية إسباغه، وعدم التفريط فيه، قال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ أُمَّتِى يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » رواه البخاري
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ » ،وكذلك التيمم من خصائص هذه الأمة، وهو من التوسعة عليها لم يكن لأمة أخرى من قبلنا، وأعطيت هذه الأمة خواتيم سورة البقرة (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِىٌّ قَبْلِى » رواه احمد. ومن خصائصنا: أن اللحد لنا والشق لغيرنا، واللحد هو الميل عند حفر القبر، يمال به ليكون الميت في تلك الحفرة، ثم يهال عليه التراب، وهذا عند القدرة والاستطاعة. وكذلك من خصائص هذه الأمة: أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) روى أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا » ، ومعنى (يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ) : أي: يحيي السنة، ويحيي الحق، ويعيد الناس إلى الصواب، ويكشف البدع، وينفي الباطل، ويوضح المنهج الصحيح، هذا عمل المجددين، إنهم يجددون للناس الدين، يعني: أنهم يوضحونه على الأصل الذي نزل، وينفون عنه انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ومن رحمته أنه: أحل لنا ميتتان ودمان، ففي مسند أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ ».
أيها المسلمون
هذه طائفة من الأخبار الصحيحة في القرآن والسنة على فضل هذه الأمة، وعلى خيريتها، وأهمية العلم بها للمسلم فيرفع بها المؤمن معنوياته في زمن الانهيار، ويتذكر أن غلبة المنهج الصحيح ،والدين الصحيح أهم من غلبة القوة العسكرية، والتفوق المادي، وهذا لا يمنع أن نكون متفوقين في ذلك ، ويعلم المسلم أن التوحيد الذي أكرمنا الله به أغلى من كل شيء، وأعلى من كل شيء، وليس عند أحد إلا عندنا نحن المسلمين. وهكذا تتألق هذه الأمة المباركة، ويترادف عليها فضل الله وكرمُه، وتتقلب في إنعامه وإحسانه، فيا فوزنا ويا سعدنا أن كنا من أمة هذا النبي الكريم العظيم، فهل شكرنا الله حق شكره أن جعلنا من هذه الأمة؟ وهل كنا على مستوى هذا التكريم؟ هل أعطينا العالم صورةً حسنة عن هذه الأمة المحمدية؟ أليس من المأساة أن يقولَ بعضُ من أسلم من الغربيين: أحمد الله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين وإلا لما أسلمت، فقد قرأ عن الإسلام فسرّه ما فيه فاعتنقه، فلما رأى المسلمين هاله البونُ الشاسع بين المقروء والمشاهَد، وظن أنه لو رأى المسلمين وحالَهم قبل أن يقرأ عن الإسلام لما فكر في اعتناقه، فلا بد أن نحقق في أرض الواقع هذه الخيرية ونحملَ هذا الإسلام فنبشرَ به العالمين ونحيي به موات الدنيا، فإن الأرض عطشى إلى مطر المسلمين، مشتاقة إلى وقع أقدامهم وهتاف تكبيرهم
الدعاء