خطبة عن قوله تعالى (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ
سبتمبر 9, 2017خطبة عن الرفق بالنساء وحديث ( رِفْقاً بِالْقَوَارِيرِ)
سبتمبر 9, 2017الخطبة الأولى (أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً جَاءَهُ فَقَالَ أَوْصِنِي :فَقَالَ سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ قَبْلِكَ « أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلاَمِ وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ وَذِكْرٌ لَكَ فِي الأَرْضِ ».
إخوة الإسلام
لقد وصى الله عز وجل عباده بالتقوى في آيات كثيرة من آيات كتابه العزيز، وهذا يدلنا على أهميتها وعظم مكانتها، يقول سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، ويقول سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء: 131]. كما وصى أنبياء الله ورسله أقوامهم بتقوى الله سبحانه، يقول الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام مخاطبا قومه: ( وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ ) [آل عمران: 50]. وأورد سبحانه في كتابه العزيز وصية مجموعة من رسله لأقوامهم، فكان كل رسول ينادي قومه بقوله تعالى 🙁 فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ ) الشعراء 108. وهذا هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد حرص على وصية أصحابه رضوان الله عليهم والأمة من بعدهم بتقوى الله ، وذلك دلالة لهم على الخير ، وتحذيرًا لهم من التهاون والتفريط، وذلك في أحاديث كثيرة ومتعددة ، ومنها هذا الحديث الذي أوردته في بداية هذه الخطبة ، ومنها أيضا ما جاء عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ».أخرجه أبو داود.
أيها المسلمون
والتقوى معنى إذا تحقق انطبع على كل أعمال وعبادات المسلم؛ لهذا فقد ربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقلب الذي هو مضغة الصلاح أو الفساد في الإنسان، والذي يعوّل عليه في صلاح الأعمال وصدقها، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ». فالتقوى أمر يحصل في القلب، فتتسدّد به أعمال ابن آدم وتصلح. قال ابن عباس: (المتقون هم المؤمنون الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعة الله)، وقال طلق بن حبيب كما في سير أعلام النبلاء: “التقوى هي العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله”، وعن أبي سليمان الداراني قال: “التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك”، وعرّف الصحابي الجليل أبي بن كعب التقوى تعريفًا جميلاً عندما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن التقوى فقال كما في تفسير ابن كثير: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟! قال عمر: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمّرت واجتهدت ـ أي: اجتهدت في تفادي الشوك ـ، قال: فذلك التقوى. هذه هي التقوى ،وتلك هي معانيها السامية اللطيفة التي يجدر بكل مسلم أن يتفهمها ويتشربها ويعمل بها.
أيها المسلمون
وإذا تأملنا الحديث النبوي الذي صدرت به خطبتنا هذه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : « أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلاَمِ وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ وَذِكْرٌ لَكَ فِي الأَرْضِ ».ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي صحابته وأمته من بعده بتقوى الله ، ويبين لنا صلى الله عليه وسلم أن التقوى رأس الأمر كله ، وأن من اتقى اللّه حفظه الله من أعدائه ،ونجاه من الشدائد ،ورزقه من حيث لا يحتسب ، وأصلح عمله ،وغفر زَلَلَهُ ، وتكفل له بكفلين من رحمته ، وجعل له نوراً يمشي به من بين يديه ومن خلفه ، وأكرمه وأعزه ، ونجاه من عذاب النار .وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلاَمِ ) أي : فالزم الجهاد ، وكن مع المجاهدين : (فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلاَمِ )، فالجهاد رهبانية الاسلام ، والرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها ، فلا أزهد ، ولا أفضل من بذل النفس في سبيل اللّه، فكما أن الرهبانية أفضل عمل أولئك الرهبان من النصارى ، فالجهاد أفضل أعمالنا – نحن المسلمين – والجهاد هو الزهد والتخلي الحقيقي عن الدنيا؛ ولا أفضل مِن بذل النفس في سبيل الله. ومَن عجز عن جهاد العدو باليد والمال، فإن مِن أعظم الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الأعداء بالعلم وإظهار الحق، ومجاهدة أهل الشهوات والشبهات ، قال الله تعالى : ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 27-28).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : «وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ»، فقد قال الله تعالى في محكم آياته : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ (الأحزاب: 41- 42). وقال ابن عباس: «إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله، فقال تعالى:﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ (النساء: 103) فالزم ذكر الله بالليل والنهار، وفي البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال». وقالت عائشة: «كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ». (رواه مسلم). وقال النبي: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ». (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني). والذكر عبادة جميع الكائنات وليس الإنسان وحده: قال الله تعالى في محكم آياته : ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾. (الإسراء: 44). وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ رُوحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرٌ لكَ فِي الأَرْضِ»؛ أيأن تلاوة القرآن هي سبب حياتك عند الله ، قال الله تعالى : ﴿ وكذلك أوحينا إليكَ رُوحًا مِنْ أمْرِنَا﴾ (الشورى: 52). وعن عقبة بن عامر أن رسول الله قال: « لَوْ كانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَا أَكَلَتْهُ النَّارُ». (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)؛ أي: لو كان القرآن في إهاب – جلد لا قيمة له- لم تمسه نار جهنم إن جُعِل فيه القرآن إجلالًا له؛ فكيف تمس النار مؤمنًا هو أجلّ قدرًا عند الله مِن الدنيا وما فيها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: – «وذِكْرٌ لكَ في الأرْضِ»؛ أي تلاوة القرآن شرف لك، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ (الزخرف: 44). وقال النبي: ﴿إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ﴾ (رواه مسلم).ألا فاعملوا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكونوا من المفلحين والفائزين في الدنيا والآخرة ،قال الله تعالى في شأن رسوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (54) النور
الدعاء