خطبة عن الصحابي: (زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ)
يونيو 23, 2018خطبة عن ( يعلمني الإسلام )
يونيو 23, 2018الخطبة الأولى ( أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ « أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ».
إخوة الإسلام
«الرخصة» : هي التيسير والتسهيل : وهي : الحُكم الثابت على خلاف الدليل القائم لعذر شاق ، وفيها توسعة على أصحاب الأعذار، بمعنى أنها بديل شرعي وضعه الشرع لمن عجز عن أداء الأصل. والإنسان بفطرته التي فطره الله عليها هو مخلوق ضعيف ، وتعتريه تغيرات يحتاج معها للتخفيف، وقد تميزت الشريعة الإسلامية بوجود الرخصة كبديل ومقتضى شرعي حال عجز المسلم أو ضعفه عن القيام بما أمر به، تخفيفاً بالناس ورحمة ، قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) «النساء، 28»، وقال الله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) «البقرة: 185». وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ) (صحيح ابن حبان). ومن الملاحظ أن الناس ينقسمون إلى قسمين في التعامل مع الرخص: قسم يُعرض عن الرخصة؛ لأنها مظنة للكسل أو التقاعس ،لذلك فهو يطلب العزيمة ،ويركن إليها، وهو أمر محمود عند جملة من أهل العلم – إذا خلا من الضرر، ولكن الأخذ بالعزيمة وترك الرخصة في محلها ثم الوقوع في الهلاك نوع من التنطع والتشدد الممنوع في شريعتنا، فعَنِ بن عُمَرَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ان اللَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) «صحيح ابن خزيمة». لذلك لا يجوز التكلف في تحمل المشقة فيما يضر الإنسان في نفسه وحياته؛ لأن ذلك ليس من البر، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهم – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى زِحَامًا ، وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ « مَا هَذَا » . فَقَالُوا صَائِمٌ . فَقَالَ « لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ »، وفي الحديث الذي صدرت به هذه الخطبة ، فقد عنف النبي صلى الله عليه وسلم قوماً أبوا أن يفطروا وآثروا الصيام مع المشقة المضرة بهم وبمصالح المسلمين، ظنا منهم بأفضلية ما يصنعون، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وصف أفعالهم بالمعصية، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) «صحيح مسلم».
وأما القسم الآخر من الناس تجاه الرخصة : فهو يحتال ليأخذ الرخص أو يستعملها في غير محلها وهو مفرط في الالتزام، واقع في الهوى والتشهي، وقد نعى القرآن على قوم يحتالون ليستحلوا ما حرم الله تعالى بأدنى الحل، فلما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت نصبوا شباكهم قبل يوم السبت الذي تخرج فيه الأسماك ليخرجوها يوم الأحد، وهو ما عابه عليهم القرآن، قال الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) «لأعراف، 163»، فهو نوع من التحايل يلجأ إليه بعضهم لينفلتوا من أوامر الله تعالى، فينبغي على المسلم أن يكون أميناً في تنفيذ ما أمر الله تعالى به، فيأخذ بالجد إذا وجب، وييسر على نفسه ما يجوز فيه التيسير أو الأخذ بالرخصة ، وروى مسلم في صحيحه (عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ « صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ». وفي الصحيحين : ( حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – جَدَّهُ أَبَا مُوسَى ، وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ « يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا ، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا ، وَتَطَاوَعَا » قال الطبري: ومعنى قوله: (يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا) في ما كان من نوافل الخير ، دون ما كان فرضاً من الله، وفي ما خفف الله عمله من فرائضه في حال العذر كالصلاة قاعدًا في حال العجز عن القيام، وكالإفطار في رمضان في السفر والمرض وشبه ذلك في ما رخص الله فيه لعباده وأمر بالتيسير في النوافل ،والإتيان بما لم يكن شاقاً ولا فادحاً ،خشية الملل لها ورفضها، وذلك أن أفضل العمل إلى الله أدومه وإن قل. إلا أن العلماء حذروا من التلفيق وهو تتبع الرخص بناء على الهوى من غير دليل فهذه يختلف عن التيسير فالمتتبع للرخص لا يهمه إلا البحث عن الشاذ أو الغريب من أقوال أهل العلم من أجل أن يصل إلى مراده فالبعض ربما يستفتي العلماء فان افتوه ذهب إلى غيرهم يقلب عن أراء أخرى تحققاً لرغباته وأهوائه فان عجز انطلق إلى بطن الكتب يبحث فيها عن مخرج يلبي فيها حاجته من غير مراجعة لأهل العلم والفتوى فهذا ومثله ضرب من التحايل على الشرع، والمسلم المؤمن العاقل المتزن هو من إذا أفتي أطاع؛ لأن الطاعة هنا لأمر الله تعالى ومن علامات الإيمان الصادق الطاعة في كل حال والمؤمن هو من يستجيب لما أمر الله تعالى به، قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) «الأحزاب، 36».
أيها المسلمون
ومما ينبغي على المسلم أن يعلمه أن تطبيق الأوامر الشرعية لا يخلو من المشقة، فالمشاق قسمان : أحدهما : لا تنفك عنه العبادة كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الأطول والمخاطرة بالنفوس في الجهاد ونحو ذلك لا يوجب تخفيفاً في العبادة؛ لأنها قررت معه، والقسم الثاني : تنفك العبادة عنه وهو ثلاثة أنواع : نوع في المرتبة العليا : كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع، فهذا يوجب التخفيف لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثالها، ونوع في المرتبة الدنيا : كأذى وجع في إصبع فتحصيل هذه العبادة أولى من درء ،هذه المشقة لشرف العبادة وخسة هذه المشقة ، وأما النوع الثالث: مشقة بين هذين النوعين : فما قرب من العليا أوجب التخفيف وما قرب من الدنيا لم يوجب، ولأجل ان يتحسس العبد حلاوة الإيمان ولذة الطاعات ينبغي أن يتحمل ما تقرر من المشقة مع بعض العبادات، فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى رفع منزلة العبد بسبب أعمال لا تخلو من مشقة، فعن أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْـخُطَا إلى الْـمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) «رواه مالك في الموطأ».
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى هذا السؤال : أيهما أفضل للمسافر: الفطر أم الصوم؟ فنقول : هذه من المسائل التي اختلف فيها العلماء رحمهم الله على أقوال، فمنهم من قال: إنه مُخيَّر. ومنهم من قال: إن شق الصوم فالفطر أحسن. ومنهم من قال: الفطْر أحسن مطلقاً شق الصوم أم لم يشق. وهذه كلها أقوال، وكلٌّ من هؤلاء استند إلى دليل من الأدلة، بل من أهل العلم من ذهب إلى وجوب الفطر على المسافر استناداً إلى ما جاء في الصحيح من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الذين استمروا صياماً مع فطر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقوله: «أولئك العصاة، أولئك العصاة»، وكذلك ما جاء في حديث ابن عمر وجابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من البرِّ الصوم في السفر»، «وليس الصيام من البر في السفر»، وهذا كله يدلنا على أن المسألة فيها نصوص تنازعتها الآراء، فمنهم من أخذ بهذا النص، ومنهم من أخذ بذاك النص .وأقرب الأقوال وأجمعها للنصوص: أن الفطْر رخصة، وأما بالنسبة للفضيلة فالفضيلة تختلف باختلاف أحوال الناس، فمن شَقَّ عليه الصوم فالأفضل له الفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ، « لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ » رواه البخاري ،ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين « ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ »، ولقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : « أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ». أما إذا كان الإنسان يقوى على الصوم ،ولا يشُقُّ عليه ، وتركه للفطر، ليس زهداً في رخصة الله تعالى، وإنما لأجل أن يوافق فضيلة الوقت، ولأجل أن يبرئ ذمته عاجلاً، ولأجل أن يشهد الشهر مع الناس ، ويوافقهم في صيامه، ولغير ذلك من الأسباب التي تختلف باختلاف أحوال الناس؛ فإذا كان الأمر كذلك فإن الصوم أفضل، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء استناداً إلى أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام في سَفَره، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ – قَالَ – فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَكْثَرُنَا ظِلاًّ صَاحِبُ الْكِسَاءِ وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِى الشَّمْسَ بِيَدِهِ – قَالَ – فَسَقَطَ الصُّوَّامُ وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ وَسَقَوُا الرِّكَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ ». ومعنى هذا أنهم كانوا في حرٍّ شديد ولا يوجد ما يتوقَّون به شدة الحر، فأفطروا رضي الله عنهم ولم يكن منهم صائم إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم أيضا (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلاَ يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ ) . وهذا يدل على أن المسألة واسعة، وأن الإنسان ينظر إلى ما هو أرفق به وأهيأ له. وما هو السفر الذي يبيح الفطر؟ هل هو فقط في أثناء المسير؟ أو طوال مدة السفر حتى لو وصل إلى الجهة التي قصدها؟ فالقصر والفطر -وهما رخصتان من رخص السفر- ثابتتان للمسافر منذ خروجه من بلده إلى أن يرجع، ومعنى هذا: أن السفر لا يُنظر فيه فقط إلى وقت المسير، بل السفر هو كل المدة التي يقضيها المسافر منذ خروجه إلى أن يرجع.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويستفاد من سياق الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ » ، وذلك لسببين : الأول : أنهم صاموا مع المشقة . والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر من أجل أن يقتدوا به ، فكأنه أمرهم بالفطر فلم يفعلوا فسماهم عصاة . قال النووي : وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ . . . وَيُؤَيِّد هذا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ : ( إِنَّ النَّاس قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ ) , وعلى هذا لا يَكُون الصَّائِم فِي السَّفَر عَاصِيًا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وقال ابن القيم في تهذيب السنن : وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أُولَئِكَ الْعُصَاة ” فَذَاكَ فِي وَاقِعَة مُعَيَّنَة , أَرَادَ مِنْهُمْ الْفِطْر فَخَالَفَهُ بَعْضهمْ فَقَالَ هَذَا . . . فَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَفْطَرَ بَعْد الْعَصْر لِيَقْتَدُوا بِهِ , فَلَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَعْضهمْ قَالَ : “أُولَئِكَ الْعُصَاة” وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيم الصِّيَام مُطْلَقًا عَلَى الْمُسَافِر. وقال الحافظ : ونَسَب النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمِينَ في السفر إِلَى الْعِصْيَانِ لأَنَّهُ عَزَمَ عَلَيْهِمْ فَخَالَفُوا وعلى هذا ؛ فالحديث ورد في حال خاصة ، ولا يصح تطبيقه على جميع الصائمين في السفر . ومما يدل على ذلك أيضاً أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ، ولو كان ذلك معصية لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم .
الدعاء