خطبة عن (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) مختصرة
يناير 12, 2023خطبة عن (رَبِّي سَيَهْدِينِ ) مختصرة
يناير 12, 2023الخطبة الأولى ( إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ «غَارَتْ أُمُّكُمْ»، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ)، وفي رواية: (قَالَتْ قُلْتُ وَمَا كَفَّارَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «طَعَامٌ كَطَعَامِهَا وَإِنَاءٌ كَإِنَائِهَا»، إخوة الإسلام
من خلال تدبر قصة هذا الحديث النبوي الكريم فيَنبَغي على الزَّوجِ أنْ يُعاملَ زَوجتَه بالتي هي أحسَنُ، وأنْ يَتعامَلَ معها باللُّطفِ، وخاصَّةً إذا وَجَد منها شيئًا مِنَ النَّقصِ أو القُصورِ. فقصة هذا الحديث تبين لنا موقفا تربويا عظيما من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، موقفٌ قد لا يتصرف معه الكثير من الرجال بأقل من السب والشتم ،وربما الضرب والوعيد والتهديد، إن لم يصل الحال إلى الطلاق ،وقد يشعر أمثالنا في مثل هذه المواقف أن رجولته وكرامته قد انتقص منها؛ بسبب تصرف زوجته معه وعنده أصحابه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعالج الموقف معالجةً تربويةً حكيمة، تنطوي على أخلاقٍ عظيمة، ويتبين منها رقي التعامل مع المرأة والزوجة، وتقدير نفسيتها ،وما جُبلتْ عليه من غيرةٍ قد تجعلها تخطئ في التصرف في بعض الأحيان، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع الأمر يمر هكذا دون لفتةٍ إرشادية لأصحابه ولأمته، فقال: “غَارتْ أُمُّكم، غارتْ أُمُّكم”. فربما تخطئ الزوجة في حق زوجها أحياناً؛ كما هو يخطئ في حقها أحيانا أخرى ،وربما يكون خطأه أكثر من خطئها، فلابد أن يعلم الأزواج أنه ليست هناك امرأةً كاملة الأوصاف أو الأخلاق، فالطبيعة البشرية يستحيل معها الكمال؛ فالكمال لله وحده، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ». وإنما يتفاضل الناس بكثرة المحاسن وقلة المساوئ، فأما الاشتمال على جميع المحاسن، والسلامة من جميع المساوئ فهذا لا يوجد في الحياة الدنيا. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يشتم زوجته، ولم يضربها ،ولم يصرخ في وجهها، وإنما راعى نفسيتها، ورأى أن ذلك العمل مبعثُه الحب، نعم حب زوجته الشديد له، وغيرتها عليه من زوجاته الأخريات، فكان أن قدَّر هذا الحب من زوجته ،وراعى هذه الغيرة، وعالج الأمر بكل هدوء وحكمة؛ حتى يقتدي به الأزواج من أمته من بعده، فلنا فيه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (21) الاحزاب، وفي سنن الترمذي: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي)، فوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء، وكريم التعامل، وحسن العشرة معهن، لم يغب عن حياته العملية أبدا، وذلك من خلال تعامله مع زوجاته، وغيرهن من النساء، ففي سنن أبي داود وغيره: ( قال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
أقول قولي وأستغفر الله لك ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الغيرة من أميز ما تتميز به المرأة، فهي من الصفات التي فطرت عليها، ولكنها تتفاوت من امرأة وأخرى، فالله سبحانه وتعالى خلق المرأة ،وكتب الغيرة عليها وركبها في طباعها، وقد وقعت هذه الغيرة من فاضلات النساء ،وأزواج الأنبياء، وأمهات المؤمنين؛ ومن ذلك ما حدث للسيدة سارة زوج نبي الله إبراهيم (عليه السلام) – “فإن سارة امرأة الخليل غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة لما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه ،فأمره الله سبحانه وتعالى أن يبعد عنها هاجر وابنها، ويسكنها في أرض مكة، لتبرد عن سارة حرارة الغيرة ،وهذا من رحمته تعالى ورأفته” (زاد المعاد). ومن صور الغيرة عند أمهات المؤمنين ما جاء في الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِينَ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا) .وفي رواية: (فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ. فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ)، وفي موقفٍ آخر ترويه أيضًا عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ: فَغِرْتُ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ؟ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِي لا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَمَعيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمُ» (رواه مسلم) والضابط في الغيرة الاعتدال: فلا إفراط ولا تفريط؛ فالإفراط في الغيرة يؤدي إلى نتائج كارثية قد تستحيل معها الحياة الزوجية، كالتجسس على المكالمات، وقراءة الرسائل، وغيرها ،ألا فاحذروا الافراط في الغيرة.
الدعاء