خطبة عن ( قصة أَصْحَاب الْكَهْفِ )
ديسمبر 9, 2017خطبة عن ( قصص للإعتبار )
ديسمبر 9, 2017الخطبة الأولى ( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يوسف (5) ،وقال الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (53) الاسراء ، وقال الله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (6) فاطر ،وروى الترمذي في سننه بسند حسن صحيح :(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِينَا فَقَالَ : (…. أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ ». وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ وَالْعَامَّةِ والْمَسْجِدِ »
إخوة الإسلام
« إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الإِنْسَانِ» هكذا يخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تشبيه رائع ، يجسم لنا فيه الصورة المعنوية في صورة حسية، نرى فيها أن الذي يبتعد عن الجماعة – سواء جماعة المسجد ،أو السفر ، أو جماعة المسلمين -، إنما يستهويه ويضله الشيطان ،كما يأكل الذئب من الغنم الشاذة والقاصية والجنيبة، وسواء أكان البعد بالخروج عن منهج الصحابة ، أو الخروج على المسلمين بالسلاح ، أو اعتزال جماعة الصلاة. ومن المعلوم أن كل من ابتلي بهذا الانفراد ، تتمكن منه وساوس الشيطان ، وتكون عليه قوية ، بخلاف ما إذا كان بين إخوانه ، فيمكنه بسهولة رد هذه الوساوس الشيطانية. ولفظ الجماعة الناجية (الذي ورد في حديث افتراق الأمة) فالمقصود بهم هم الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن سار علي نهجهم بإحسان إلى يوم الدين ، سواء أكانوا أفرادًا أو جماعة؛ فإن الجماعة ما وافق الحق ،وإن كنت وحدك، كما قال ذلك عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ،و كما قال ابن المبارك -رحمه الله- لما سئل عن الجماعة قال: “أبوبكر وعمر”، قيل: “هؤلاء ماتوا. .فمن الأحياء؟” قال: “أبوحمزة السكري”. نعم فمن كان متمسكاً بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، فهو الجماعة ، حيث قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} البقرة 137، وقال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ} البقرة 13، فباتفاق المفسرين أن المقصود بالناس في هذه الآية هم الصحابة – رضي الله عنهم –وقد أمرنا الله – تعالى – أن نسأله الهداية إلى صراطه المستقيم سبع عشرة مرة في اليوم والليلة في الصلوات الخمس ،لما في هذه الهداية من ضرورة كضرورة الماء والهواء لحياة الإنسان نفسا وجسدا، فالعبد يحتاج إلى إرشاد ربه ،وتوفيقه إلى صراطه المستقيم ، ثم تثبيته عليه حتى الممات .ولقد بين لنا الله تعالى- صراط من نسلك، فقال سبحانه: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة 7، والمنعم عليهم هم المذكورون في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) (69) ،(70) النساء
وأمرنا الله تعالى بلزوم العلماء وسؤالهم عندما تنزل بنا نازلة في حكم شرعي أو فتن في مال أو دم أو عرض، فقال تعالى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النحل 43، وقال سبحانه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} النساء 59، وقال تعالى : {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} النساء 83، فالعلماء هم مصابيح الدجى ، وألوية الهدى ،ولاسيما عند نزول الفتن، وفي سنن الترمذي بسند صحيح (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكما أمرنا الله تعالى بلزوم العلماء ،كذلك أمرنا بلزوم الجماعة ،والحذر من وساوس الشيطان في الخروج عنهم ،والابتعاد منهم؛ فإن ذلك بداية الانفراد، والضياع، ينفرد الشيطان بالإنسان، ويكثر له من الوساوس ،حتى يبعده عن إخوانه الذين كان محبا لهم، متآلفا معهم، يتعاون معهم على البر والتقوى، كما أمر الله تعالى ،فلما ينفرد به ، يأكل دينه والتزامه أكلا ، قال ابن مسعود : “إن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة”، فالحذر الحذر من وساوس الشيطان بتنفيرك من إخوانك ومفارقتهم ، وإن وقع شيء من ذلك؛ فاعلم أنه من الشيطان ، وأنه نذير ضعف الإيمان ، فالبعد عن الجماعة فيه من الخطورة بمكان ، حيث يصبح فريسة سهلة لتلاعب الشيطان ، وما يترتب عليه من الوقوع في معصية الرحمن ، وعن معدان بن أبي طلحة قال: قال لي أبو الدرداء: “أين مسكنك؟” قلت: “في قرية دون حمص”، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية “رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني وعن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد” رواه أحمد وغيره، وبحبوحة الجنة: أي وسطها وخيارها. فالشيطان يتربص بالإنسان ليصطاده ،لأنه اتخذ الانسان عدوا ،فعلينا أن نتخذه عدوا ، وأن نحذر منه ،ونعد العدة له ،ونحمي أنفسنا منه ،
وإذا كان الشيطان ذئب يريد أن يفترس الإنسان، فإن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لهذا الذئب اللعين على الانسان سلطانًا ، قال الله تعالى في محكم آياته :(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر (39) :(42) ،وقال تعالى : (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) (62) :(65) الاسراء ، ولكن إذا استسلم الانسان لهذا الذئب المفترس بنفسه وبيده ، بل وسالمه وصادقه ووادعه، و دعاه فلبى دعوته ، وأجاب أمره ، ولم يتخلف عن دعوته ، بل أقبل نحوه سريعا مطيعا ، وفارق حمى الجماعة ،هنا ، يصبح الانسان صيدا ثمينا للشيطان ، ولابد له من معصية الرحمن ، وعندها لا يلوم الانسان إلا نفسه ، لأنه صحب الشيطان وأطاع أمره، وسوف يتبرأ منه الشيطان يوم القيامة ، قال الله تعالى : {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22]
الدعاء