خطبة عن ( من فوائد دراسة السيرة النبوية )
مارس 24, 2018خطبة عن (الأذان: معناه وحكمه وفضائل الأذان والمؤذنين)
مارس 31, 2018الخطبة الأولى (خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ .. يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ » ،وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أيضاً رضي الله عنه الله عنه أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ. قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ ) .
إخوة الإسلام
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأنه سيأتي زمان ،تكثر فيه الفتن والحروب والمحن، فتصعب الحياة ، ويشتد البلاء بالمسلمين، فيصبح المسلم لا يأمن على دينه ونفسه، فيشعر بالغربة بين المسلمين ، ويجد دينه في خطر؛ فأرشد الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى ما فيه خير لهم، ولدينهم وصيانة لهم، وهو الاعتزال والفرار بالدين من الفتن وعدم السعي فيها. وأرشـدهم إلى الاعتزال في الأماكن الخالية من الناس ،والبعيدة عن مواقع إقامتهم، ومن تلك الأماكن : الشعاب ،وبطون الأودية ،ورؤوس الجبال. وفي هذا الارشاد والتوجيه رحمة الله عز وجل بعباده، وحفظ لهم ولدينهم من شرور الخلق ، ومحن الزمان. وقد اختلف علماء السلف في أصل العزلة، فقال الجمهور : الاختلاط أوْلى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية ،للقيَام بشعائر الإسلام ،وتكثير سواد المسلمين ،وإيصال أَنواع الخير إليهم ،من إعانة ،وإغاثة ،وعيادة ،وغير ذلك. وقال فريق من العلماء : العزلة أولى ،لتحقق السلام ،بشرط معرفة ما يتعين، وقال النووي: المختار هو تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أَنه يقع في فتنة أو معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أَولى. وقال غيره: يختلف الأمر باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتم عليه أَحد الأمرين ، ومنهم من يترجح؛ فمن يتحتم عليه المخالطة ،من كانت له قدرة على إزالة المنكر ، فيجب عليه عينا ،وإما كفاية ،بحسب الحال والإمكان، وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وذكر الخطابي في “كتاب العزلة” أن العزلة والاختلاط يختلف باختلاف متعلِّقاتهما ، فتحمل الأدلة الواردة في الحض على الاجتماع على ما يتعَلق بطاعة الأَئمة ،وأمور الدين وعكسها في عكسه، وأما الاجتماع والافتراق بالأبدان فمن عرف الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه فالأولى له الانكفاف عن مخالطة الناس بشرط أن يحافظ على الجماعة والسلام والرد وحقوق المسلمين من العيادة وشهود الجنازة ونحو ذلك، وقال القشيري في ” الرسالة “: طريق من آثر العزلة أن يعتقد سلامة الناس من شره لا العكس.
أيها المسلمون
ومن قال من العلماء بأفضلية الاختلاط ، فقد استدل بأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم ،ومنها ما رواه ابن ماجة في سننه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ». قال الصنعاني في كتابه “سبل السلام”: (فيه أفضلية من يخالط الناس مخالطة يأمرهم فيها بالمعروف ،وينهاهم عن المنكر ،ويحسن معاملتهم ،فإنه أفضل من الذي يعتزلهم، ولا يصبر على المخالطة، والأحوال تختلف باختلاف الأشخاص، والأزمان ،ولكل حال مقال). وأما من قال من العلماء بأفضلية العزلة فاستدل بأدلة ، ومنها ما رواه الترمذي بسند حسن (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَتْلُوهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّى حَقَّ اللَّهِ فِيهَا أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلاَ يُعْطِى بِهِ » ،وأيضا ما رواه البخاري في صحيحه : (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ – رضى الله عنه – حَدَّثَهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ » . قَالُوا ثُمَّ مَنْ قَالَ « مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِى اللَّهَ ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ » قال الحافظ ابن حجر في “الفتح” : (هو محمول على من لا يَقدر على الجهاد فيستحب في حقه العزلة ليسلم ويسْلم غيره منه).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ .. يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد أجاب الجمهور عن أحاديث العزلة بأنها محمولة على الاعتزال في زمن الفتن والحروب، أو هي فيمن لا يسلم الناس منه، ولا يصبر عليهم، أو نحو ذلك من الخصوص، وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين، فيحصلون منافع الاختلاط ،كشهود الجمعة ،والجماعة ، والجنائز ، وعيادة المرضى ، وحلق الذكر، وغير ذلك . أما في زمن الفتن فالنصوص واضحة الدلالة على أفضلية العزلة، وصيانة الدين من الفتن، ومن تلك النصوص ، ما روي في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ » ،وروى مسلم في صحيحه 🙁 أن أَبَا بَكْرَةَ يُحَدِّثُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلاَ ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا أَلاَ فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ ». قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلاَ غَنَمٌ وَلاَ أَرْضٌ قَالَ « يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ». قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي قَالَ « يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ». فالمتأمل في النصوص ، يتبين له جليا أن العزلة تشرع في زمان المحن والفتن ، ولا تشرع فيما عداها ،لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع . وقد ذكر الله سبحانه وتعالى قصة أصحاب الكهف ،وفرارهم بدينهم من فتنة الملك ، ومحاولته ردهم عن دينهم، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : (إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم وأمر بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه وكان هذا من لطف الله بهم فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة … فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم وأختار الله تعالى لهم ذلك وأخبر عنهم بذلك في قوله تعالى : {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا الله} الكهف 16، أي : وإذ فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله ،ففارقوهم أيضا بأبدانكم ، قال تعالى : {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} الكهف 16،أي : يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم.. وقال العلماء: الاعتزال عن الناس يكون مرة في الجبال ،والشعاب ،ومرة في السواحل والرباط ، ومرة في البيوت، ولم يخص موضعا من موضع ، وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر وأهله ،بقلبك ،وعملك ، إن كنت بين أظهرهم .
أيها المسلمون
ومن الفوائد والدروس والعبر التي نستخلصها ونتعلمها من هذا الحديث: – أنه سيأتي زمان على الناس تكثر فيه الفتن ويخاف المرء على دينه منها. ومن الفوائد والدروس :– أنه يتوجب على المسلم إذا أتى هذا الزمان أن يفر بدينه من الفتن فلا شيء أغلى من الدين. ومن الفوائد والدروس: – أنه سيكون مكان فرار المرء المسلم في هذا الزمان هو الجبال والصحاري وسيكون زاده هو الغنم يشرب من لبنها ويأكل من لحومها.
الدعاء