خطبة عن (السَّكِينَةُ)
أبريل 29, 2024خطبة عن (الأُسْوَةُ الحَسَنَةُ)
مايو 1, 2024الخطبة الأولى (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ التُّقَى)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ التُّقَى وَالْهُدَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى».
إخوة الإسلام
لقد علَّمَنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في سُنَّتِه الكثيرَ مِن الأدعيةِ والأذكارِ، الَّتي تَحفَظُ المُسلِمَ مِن الشُّرورِ، وتَجلِبُ له الخيرَ والبركاتِ، ولقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذا الهدي النبوي الكريم، الذي يسأله فيه صلى الله عليه وسلم ربه: (التُّقَى، وَالْهُدَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى)، وهذا الدعاء المبارك هو من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تجمع فيها قلة الألفاظ والمباني، وكثرة المعاني، وسعة مدلولاتها، ومقاصدها في الدارين، فهو من أجمع الأدعية وأنفعها، وهو يتضمن سؤال خير الدين، وخير الدنيا؛ فإن الهدى هو العلم النافع، والتقى هو العمل الصالح، وترك ما نهى الله ورسوله عنه، والعفاف هو الكف عن الخلق، وعن الأمور السيئة، والغنى هو أن يستغني بالله وبرزقه، والقناعة بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية،
وقد جاء في السنة النبوية المطهرة الكثير من الأحاديث التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبين فيها جملة من الأخلاق الكريمة الفاضلة، التي يجب على المسلم أن يتخلق بها، وأن يدعو الله تعالى أن يرزقه إياها، ومنها ما رواه مسلم في صحيحه: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ». وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ «هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ». وفي صحيح مسلم: (عن أَبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي»
أيها المسلمون
ونريد أن نتوقف قليلا عند هذه المعاني القيمة، التي تحملها كلمات هذا الحديث النبوي، الذي تصدرت به هذه الخطبة، فقوله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ التُّقَى): فقد سَألَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ربَّه التُّقَي، أي: أن يوفِّقه إلى تقوي الله، لأنَّ الله – عزَّ وجلَّ – هو الذي بيده مقاليدُ كلِّ شيءٍ، فإذا وكل العبدُ إلى نفْسِه ضاع، ولم يحصل على شيء، فإذا وفقه الله عزَّ وجلَّ، ورزقه التُّقَي، صار مستقيمًا علي تقوى الله عزَّ وجلَّ.. و(التُّقَى): بمعنى التقوى: وهي اسم جامع لفعل ما أمر اللَّه به، وترك ما نهى عنه، قال الطيبي: (أطلق الهدى والتقى؛ ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك، والمعاصي، ورذائل الأخلاق، وطلب العفاف)، فالتقوى جماع الدين، فالدين تقوى، وإيمان، وهدى، وإسلام، والتقوى هي طاعة الله ورسوله، وتوحيد الله، واتباع شريعته، «والتُّقى» هو الخَوفُ منَ اللهِ، والحَذَرُ مِن مُخالَفَتِه، وكُلَّ ما يَجِبُ أن يَتَّقيَ مِنه مِن الشِّركِ والمعاصِي، ورَذائلِ الأَخْلاقِ،
ومما يزيد التقوى في القلوب: اجتهاد الإنسان في طاعة الله تعالى، فإن الله يكافئه على ذلك بزيادة الهداية والتقوى، فيعينه على القيام بما أمر الله به، ويفتح له من أبوب الخير والطاعات، وييسرها له ما لم يكن يسيرا عليه من قبل، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد: 17. ومما يصل بالإنسان إلى التقوى: الحرص على الصيام، والإكثار منه؛ فإن الله تعالى جعل فيه خاصية تعين العبد على الطاعات وتحببها إليه، ولذلك قال الله تعالى عن فرض الصيام : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183. ولذلك أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: ” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ) ” رواه أحمد وصححه الألباني . ومما يزيد التقوى في القلوب: التخلق بأخلاق وصفات المتقين التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) البقرة: 177. وقال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران: 133-136. ومما يزيد التقوى في القلوب: التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والابتعاد عن البدع المحدثة في الدين، قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام: 153. ومن ذلك أيضا: الابتعاد عن حرمات الله، قال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) البقرة: 187. ومن ذلك أيضا: التفكر في آيات الله الشرعية والكونية، قال تعالى: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يونس: 6. ومن ذلك أيضا: الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، ومصاحبة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر والبدعة، وقراءة سير المتقين، من المؤمنين الصالحين، من أهل العلم والزهد والعبادة.
وأما عن فوائد وثمرات التقوى: فإن ثمرات التقوى كثيرة، ومنها: أنَّ أكرم الناس هم أهل التقوى؛ قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13]؛ ومن ثمرات التقوى: محبة الله، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:4]، وفي التقوى أمانٌ من الخوف ومن كلِّ سوءٍ ومكروهٍ في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف:35]، ومن ثمرات التقوى: حصول سعة الرزق وفتح الخيرات؛ قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96]، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]. ومن ثمرات التقوى: تيسير الأمور؛ قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]، ومنها: النجاة من الشدائد؛ قال تعالى: (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر:61].
أيها المسلمون
وفي الحديث: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه: (الْهُدَى): والهدى كلمة شاملة، تتناول كل ما ينبغي أن يُهتدى إليه من أمر الدنيا والآخرة: من حسن الاعتقاد، وصلاح الأعمال، والأقوال، والأخلاق. و«الهدى»: قد يأتي بمعني العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم محتاج إلى العلم كغيره من الناس؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال له: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]. وقال الله له: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء:113]، فهو عليه الصلاة والسلام محتاجٌ إلى العلم، فيسأل الله الهدي. والهدي إذا ذُكر وحده يشمل العلم والتوفيق للحق، أمَّا إذا قُرِن معه ما يدلُّ على التوفيق للحق فإنَّه يفَسَّرُ بمعني العلم،
كما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه: (الْعَفَافَ): والعَفاف: مِن العِفَّةِ، وهي الابتعادُ عن كُلِّ ما حَرَّمَ اللهُ عليه، والتنزُّه عما لا يُباح، والصيانة عن مطامع الدنيا، فيشمل العفاف: (العفاف عن الزنا كله بأنواعه: زنى النظر، وزنى اللمس، وزنى الاستماع، وزنى الفرج)، والتعفُّف عن الكسب، والرزق الحرام. فالمراد: أن يمنَّ الله عليه بالعفاف والعفة عن كل ما حرم الله عليه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ التُّقَى)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
كما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه: (الْغِنَى): فالمُرادُ به: الغِنَى عَنِ الخَلْقِ، فَالإنسانُ إذا وَفَّقَه اللهُ، ومَنَّ عليه بِالاستغْنَاءِ عنِ الخَلْقِ، صار عَزيزَ النَّفْسِ، غَيرَ ذَليلٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ إلى الخَلْقِ ذُلٌّ ومَهانَةٌ، والحاجَةُ إلى اللهِ تَعالَى عِزٌّ وعِبَادَةٌ. فغنى النفس: أن يستغني العبد عن الناس، وعمّا في أيديهم، فيستغني العبد بما أعطاه اللَّه، سواء أُعطي قليلاً أو كثيراً، وهذه الصفة يحبها اللَّه عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ)، فالمؤمن غني عما سوي الله، فلا يفتقر إلى أحدٍ سوى ربِّه عزَّ وجلَّ. فينبغي لنا أن نقتدي بالرَّسول عليه الصلاة والسلام في هذا الدُّعاءِ، وأن نسأل الله الهدي والتُّقَي والعفاف والغني.
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث دليلٌ علي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يملكُ لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وأنَّ الذي يملك ذلك هو الله. وفي دليل أيضا على إبطال من تعلَّقوا بالأولياء والصَّالحينَ في جلب المنافع، ودفع المضار، كما يفعل بعض الجُهَّال، فإنَّ هؤلاء ضالون في دينهم، وسفهاء في عقولهم، لأن هؤلاء المدعوين هم بأنفسهم لا يملكون لأنفسهم شيئًا، قال الله تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام:50]، وقال تعالى: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأعراف: 188]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن:21،22]. فالإنسان يجب أن يعلم أن البشر مهما أوتوا من الوجاهة عند الله عزَّ وجلَّ، ومن المنزلة، والمرتبة، فإنهم ليسوا بمستحقين أن يدعوا من دون الله، بل إنَّهم يبرؤون تبرؤنا تاما ممن يدعونهم من دون الله عز وجل.
ومن الفوائد التي يرشد إليها هذا الحديث: الخضوع لله تعالى- واللجوء إليه في جميع الأحوال. وحاجة النفس إلى مكارم الأخلاق، لتستقيم على أمر الله تعالى، ولتخاف عقابه، وترجو رحمته. وبيان فضل هذه الصفات التي كان يسألها عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم الناس بالله، وأخشاهم له.
الدعاء