خطبة عن الصحابي: (عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ)
أغسطس 25, 2018خطبة عن (لاَ عَدْوَى ،وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ)
سبتمبر 1, 2018الخطبة الأولى ( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين البخاري ومسلم ( عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) ” . وفي الصحيحين : ( عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ: ( وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ) ؟ ،قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) . قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) ،قَالَ أَنَسٌ: ” فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ” .
إخوة الاسلام
إنَّ المحبة عملٌ جليل من أعمال القلوب ، ولها منزلة عالية وشأن عظيم، ومن المعلوم أن الطاعات والعبادات القصد منها محبة الله والقرب منه ، وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري ،يقول الله :(وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ..) ،والمحبة الإيمانية الشرعية ، التي أمر الله بها عباده ، وندبهم إليها ،هي من عرى الإيمان ، بل من أوثق عرى الإيمان وعلاماته : أن يحب الرجل أخاه ، لا يحبه لدنيا ولا مال ولا جاه ؛ إنما يحبه لله جل جلاله . وقال ابن حجر رحمه الله :” قَوْلُهُ : (إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) ،أَيْ: مُلْحَقٌ بِهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ ” . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْمُحِبِّ مَعَ الْمَحْبُوبِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ لَا يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ ” ،ومن المعلوم أن أعلى درجات المحبة ،وأعظمها ،محبة الله ورسوله، وهي المقصد الأسمى، والمرتبة العليا ،لنيل رضا الله ، فمن أحب الله ورسوله، فقد أصاب الهدف من أقرب طريق، ومحبة الله ورسوله منزلة السابقين المخلَصين قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، ومحبة الله ورسوله أهلها يجدون لها سعادة وطمأنينة لا تُوصف، وفي الصحيحين (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ »، وهكذا هو المؤمن؛ فمحبته سامية عالية ، وشريفة وجليلة، ولذلك فمَن أَحبَّ لله تعالى فإنَّ محبته مِن أعظم ما يقربه إلى الله، فالله جل شأنه شكور، يعطي المتقرِّب إليه أعظم بأضعاف مضاعفة مما بَذَلَ. ومن شكره سبحانه لهذا العبد الذي أحبه ،وأحب رسله، وأحب الخير ،وأحب أهل الخير ، أن يجعله في المنازل العالية ،وإنْ قصر عمله، كما قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، فهؤلاء هم أعلى الخليقة منزلة؛ النبيُّون والصدِّيقون والشهداء والصالحون، فيُلحق بهم المرء ببركة ما قام في قلبه مِن حبه لهم ، تبعًا لحبه لله ولشرعه جل وعلا.
أيها المسلمون
ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) ، أي : يكون معه يوم القيامة حيث الحشر والنشر، وحيث الجزاء أيضًا، وقد يسأل السائل كيف يكون المؤمن مع أحب ،رغم تفاوت المنزلة، ويجيب عن ذلك الحافظ ابن حجر بقوله : “قوله: « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ »، أي: ملحق بهم حتى تكون من زمرتهم، وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة ، فكيف تصح المعية؟ فالمعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما، ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية وإن تفاوتت الدرجات”. فمن أحب رسول الله كان معه ،ولا يلزم أن يكون في تلك المنزلة العالية للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه يَحظَى بمعيته ،وبجواره ،بوجه من الوجوه، كما نبَّه العلماء ، وإن تفاوتت الدرجات. ومن المؤسف أن الكثير من الناس يدعى المحبة من غير تحقيق، قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]، قال بعض السلف: ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فأنزل الله هذه الآية، فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته، وترك مكروهاته، والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا عظيماً، فمن كان أعظم نصيباً من ذلك، كان أعظم درجة عند الله. وأما من أحب شخصاً لهواه، مثل أن يحبه لدنيا يصيبها منه، أو لحاجة يقوم له بها، أو لمال يتآكله به، أو بعصبية فيه، ونحو ذلك من الأشياء فهذه ليست محبة لله، بل هذه محبة لهوى النفس، وهذه المحبة هي التي توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان،
أيها المسلمون
وهذا الحديث المتقدم: ((المرء مع مَن أحبَّ)) هو مِن جوامع كَلِم النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه العبارة ،مع أنها مقتصرة على ثلاث كلمات ،لكن تحتها معانٍ غزيرة ،ودلائلُ جليلة، ولذا قال العلماء: وإنَّ مما تضمَّنه هذا الحديث التحذيرُ الشديد مِن محبة أهل الفسوق والعصيان، فإنَّ المحبة دليل على قوة اتصال بمن يحبه هذا المحب، ومناسبته لأخلاقه واقتدائه به، وهو نوع مِن سوء الأدب مع الله، فالله لا يحب أهل العصيان، ولا أهل الفسوق والكفران، ولا مَن يحادُّه بالعصيان، فيأتي هذا الإنسان ليحب هؤلاء المحادِّين لله، فأي سوء أدب يحصُل مِن هذا الإنسان! ألا ترون في حياة الناس كيف أن الإنسان إذا كان محبًّا لأحد يقدِّره؛ ممن له عليه فضل ومعروف؛ من والدَين ،أو قرابة ، أو غيرهم ممن يحبهم ويجلُّهم، وألا ترون أنه يجافي مَن يجافيه محبوبه ومقدِّره هذا؟ وهذا مِن مقتضى الأدب معه؛ لا يليق أن تحب إنسانًا ثم تتقرب إلى مَن يُعاديه ،ومَن يُسيء إليه، هذا مقتضى العقل والرشد والأدب . وأعظم هذا العقل وأعظم هذا الرشد والأدب، أن يكون هذا موقفك مع من يحادُّ الله ورسوله، فالذين يستعلِنون بالعصيان، ويُبارزون الله بالكفران ،واجب عليك أن تخلِّص قلبك مِن حبهم، بل واجب عليك أن يستقر في قلبك بُغضُهم ومجافاتهم. ولذلك تكون الندامة الكبرى يوم القيامة لأولئك الذي أحبوا مَن حادُّوا الله ورسوله، كما أخبر الله في كتابه الكريم ، بقوله تعالى : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 – 29]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وليس المقصود في هذا المقام الحبُّ الدنيويُّ الفطري الذي باعِثُه قرابة أو صداقة أو مقتضًى مِن مقتضى التعايش، الذي يؤدِّي بك إلى إسداء الخير لهذا الذي ارتبطتَ به ارتباطًا فطريًا أو اجتماعيًا، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان عمُّه أبو طالب برغم عدم إقراره بالتوحيد، لكنه كان محبًّا له، وكان يخدمه عليه الصلاة والسلام، وكان أيضًا له جارٌ يهودي فلم يمنعه أن يزوره لما مرض، وكان في جواره في المدينة مِن اليهود مَن تَعامَل معهم فباع واشترى، وقبِل الهدية، هذه التعاملات المعيشية لا تَمنَع الشريعةُ منها، وها هو رسولُنا عليه الصلاة والسلام يقُوم بها على هذا الوجه العظيم الشريف، ولكنَّ الذي تَمنَع منه الشريعة أن يكون في قلب المسلم محبةٌ لهؤلاء باعتبار ما هم عليه من الأخلاق والاعتقاد، ومتابعتُهم على ما هم فيه مِن الانحراف، ولذلك يُحْذر الحذر الشديد لأولئك الذين تتعلق قلوبهم بمن يستعلنون بالمعاصي ثم يُتابَعون عليها، إما حضورًا لمجالسهم التي يُعصى اللهُ فيها أو استماعًا لما يتلفظون به من العصيان أيًّا كان نوع هذا الكلام. وهذا الحديث الشريف الذي قرَّر فيه النبي عليه الصلاة والسلام هذا الأصل العظيم : (المرء مع مَن أحب) ، هو مؤيَّدٌ بالقرآن العزيز؛ كما يدل عليه قول ربنا سبحانه: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير: 7]؛ أي: جُمِعَ كلُّ شكْل إلى نظيرِه، قال العلماء؛ أنه في يوم القيامة يُضمُّ إلى كلِّ صنف مَن كان مِن طبقته مِن الرجال والنساء، فيُضمُّ أهل الطاعات إلى أمثالهم، والمتوسطون فيها إلى نظرائهم، وأهل المعاصي إلى أمثالهم، فالتزويج يوم القيامة ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾: أن يُقرَن الشيء بمثله، والمعنى أن يُضمَّ كل واحد إلى طبقته في الخير والشر. وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ﴾ [الزمر: 71]، وقوله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ﴾ [الزمر: 73]، وفي هذا يقول العلَّامة ابن القيم رحمه الله: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾؛ أيْ: قَرَنَ كُلَّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ وَنَظِيرِهِ، فَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ، فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ شَاءَ أَوْ أَبَى. وتأمَّلوا رحمكم الله في هذا الوعيد الربَّاني الذي جاء في القرآن خبرًا عما يكون في مشهد يوم القيامة؛ أمرٌ رباني إلى الملائكة، قال تعالى : ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات: 22 – 24]؛ أي: اجمعوا الظالمين وأشباههم ونظراءهم فاهدوهم إلى النار ليدخلوها جميعًا. قال العلماء: والمراد بقوله سبحانه: ﴿ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ في قوله: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ يعني: أشباههم ونظراءهم وأمثالهم في الشِّرْك والكفر والعصيان، وهذا التفسير مأثور عن عددٍ من الصحابة والتابعين؛ منهم عمر، والنعمان بن بشير، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وغيرهم. أخي المسلم : فاختر محبوبك من الآن ، واسأل قلبك: مَن تحب؟ فإن كان محبًّا لأهل العصيان فأنت على خطر عظيم، وإن كنت محبا لله ورسوله والمؤمنين ، فأنت مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
الدعاء