خطبة حول قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)
يونيو 27, 2020خطبة حول (موقف الاسلام من الشذوذ الجنسي أو زواج المثلية أو عمل قوم لوط)
يوليو 4, 2020الخطبة الأولى ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روي في البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ »
إخوة الإسلام
الشريعة الإسلاميّة تمتاز بالشمولية ، وكذا الاهتمام بجميع قضايا الحياة ، وذلك من خلال ما قرّرته من أحكام ، وما حثت عليه من آداب ، كلها جاءت لتتناول كل ما يحقّق مصالح الناس ، في معاشهم ومعادهم ، ويسهم في رقيّ السلوك ،وتهذيب الأخلاق ، وفي هذا الحديث النبوي خير شاهد ، فهو يحكي لنا قصّة أحد الناس ،الذين تملّكهم الحرص على الآخرين ، فبينما هو يمشي في بعض حاجته ، أبصر في وسط الطريق غصن شجر مليء بالأشواك ،يؤذي الناس ، ويعيق الطريق ، فاستوقفه ذلك ، ثم فكّر في الأذى الذي قد يسبّبه وجود مثل هذا الغصن على الناس ودوابّهم ، فقال في نفسه : (وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ ) كما في رواية لمسلم ، وبكل رجاءٍ أردف قائلا : ( فَقَالَ : لأَرْفَعَنَّ هَذَا لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ لِي بِهِ) كما جاء ذلك في رواية أحمد ،فإماطة الأذى عن طريق الناس هو عملٌ قليلٌ ، قد لا يُكلّف المرء من الجُهد أو الوقت شيئاً ، ولكنّ الله تعالى بواسع رحمته ، وعظيم كرمه ،جعل ما فعله هذا الرجل سبباً في مغفرة ذنوبه ، ودخوله الجنة ، فاستحق ذلك بنيّته الحسنة ، وكرم الله وفضله الواسع . فالقضيّة الأساسيّة التي تناولها الحديث هي : (سعة رحمة الله وفضله) ، فكان التجاوز عن ذنوب ذلك الرجل ، والصفح عنها ،مكافأة له على يسير عمله ، وما ذلك إلى لعظم تلك الرحمة الإلهيّة . كما يدلّ هذا الحديث أيضا : على مكانة أعمال القلوب ، فإن أفعال العباد ،وإن اشتركت في الصورة الظاهرة ، فإنها تتفاوت عند الله تعالى بحسب ما في قلب صاحبها من الإخلاص والصدق وصفاء النيّة ،ومن القضايا التي جاء بها هذا الحديث أيضا : إعطاء الطريق نوعاً من الحقوق ،والدعوة إلى العمل بها ، فإن طرق الناس ملك للجميع ،ومسؤوليّتها مشتركة بين جميع أفراد المجتمع ، وهذا يعكس اهتمام الإسلام بحماية الممتلكات العامّة ،ونظافتها ورعايتها ، على أساسٍ من الوازع الديني . ومن القضايا التي جاء بها هذا الحديث أيضا : ما ورد في نصّ الحديث : (فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ ) ، فمن صفات الله تعالى : ( الشكور ، والغفور ) ، والشكور هو الذي يزكو وينمو عنده القليل من أعمال العباد ،فيضاعف لهم الجزاء ، والغفور هو الذي يغفر ويتجاوز عن المعاصي والذنوب تفضلا منه وتكرما ورحمة
أيها المسلمون
ويبين لنا هذا الحديث أيضا : أن طرق الخير كثيرة جداً، وليس لأحد عذر في القعود عن طاعة الله -عز وجل-، فالكثير من الناس يكسل عن عمل الطاعات ، ويغلب عليه حال البطالين ، وربما يعتذر الإنسان بأنه ليس عنده مال فيتصدق به، فيقال لمثل هذا: أن أبواب الحسنات ، وكنوز الطاعات لا تقتصر على ذلك ، ولكن عليك بما ينفع الآخرين ، مما هو في استطاعتك ومقدورك ، فالإنسان لا يعجز عن تحصيل الثواب، ولو كان ذلك في أقل الأعمال: كأن يرشد إنسانًا ما لكي يعرف الطريق، أو يعينه على حمل متاعه، وكذلك الابتسامة، والكلمة الطيبة صدقة، والتسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، فكل ذلك من الصدقات، فمن الذي يعجز عنها؟، وفي الحديث أيضاً دليل على أن الجنة موجودة الآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الرجل يتقلب في الجنة ، وهذا أمر دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة ؛ بأن الجنة موجودة الآن، ولهذا قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133) ، وفي هذا الحديث دليل أيضا : على أن من أزال عن المسلمين الأذى ،فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيً، فكيف بالأمر المعنوي؟ ، ولذلك قال الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (33) فصلت ،وقال الله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) آل عمران
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى الفوائد المستخلصة ، والدروس المستنبطة من هذا الحديث، ومنها : أولا : أنَّ الله لا يُضِيعُ على الإنسان مثقال ذرَّة من عمله ، وأن فضله واسع وكرمه عميم ثانيا : في الحديث بيان لفضل إماطة الأذى عن الطريق. ثالثا : في الحديث الحث على الاستكثار من الخير، وألا يُستقلَّ منه شيء، ولا يحتقر منه عمل ، رابعا : أنَّ قليل العمل قد يَغفِر الله به كثير الذنوب. خامسا : حرص الإسلام على النظافة، واهتمام الإسلام بطرق الناس ، وأنَّ للطريق حقوقًا؛ منها إماطة الأذى عنه. سادسا : أن الحديث يبين أن النفع المتعدي أمرُه عند الله عظيم ، وأنَّ الجزاء من الله قد يكون أكثر من جنس العمل. سابعا : أن مَن أزال عن المسلمين الأذى، فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيٍّ، فكيف بالأمر المعنوي؟ ، ثامنا : أن الشجرة التي يجوز قطعها هي المؤذية للمسلمين ، أما إذا كانت نافعة للمسلمين كالشجرة التي يستظل الناس في ظلها، فلا يجوز قطعها ،
الدعاء