خطبة عن قوله تعالى (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ)
يوليو 7, 2018خطبة عن (حجاب المرأة المسلمة: معناه وشروطه وفضائله)
يوليو 7, 2018الخطبة الأولى ( تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى ابن ماجة في سننه وصححه أحمد شاكر والألباني : ( عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ « الْجَمَاعَةُ ». وروى الترمذي بسند حسن : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِى مَا أَتَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِى مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ».
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر للأحاديث السابقة ،وغيرها ممن هو في معناها ، يتبين له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من الافتراق في الدين، ومن الإحداث في الدين ما ليس فيه ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً) ، فيه إشارة إلى أن الخلاف الموجب للافتراق هو الخلاف في الأصول ،والعقائد ، لا في الفروع ،والأحكام الفقهية . وفي قوله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية : (وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) وفي رواية : (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) يؤكد ذلك أيضاً ، فمن خالف في الفروع لم يكن بذلك خارجاً عن الجماعة ، ولا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقد اختلف الصحابة في فروع شتى ، ولم يوجب ذلك افتراقهم وتفرقهم ، ولا قال قائل إنهم بذلك يدخلون في حديث الفرق ، بل هم جماعة واحدة ، على نهج واحد ، وأصول اعتقادية واحدة ، وهكذا الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ومن سواهم من أهل العلم والفضل ، هم الجماعة ، والفرقة الناجية ، وأهل السنة ، وأما من شذ عن أصولهم ،واعتقاداتهم ،فهو الحري بأن يكون من أهل الفرقة الضالة ، والابتداع ، والزيغ . ولهذا قال الشاطبي رحمه الله : ” هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين ، وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً ، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية ؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب لا يختص بمحل دون محل ، ولا بباب دون باب ” الاعتصام ،
ومن الملاحظ أن بعض الفرق التي تنتسب إلى الإسلام ، فيهم من ضلّ في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته فقالوا :إنّ الوجود كله هو الله أو أنّ الله حلّ في خلقه – تعالى الله عن قولهم – بل هو سبحانه وتعالى فوق سماواته ،مستو على عرشه ،منفصل عن خلقه ، ومن الفرق من ضلّ في باب الإيمان : فأخرجوا العمل من الإيمان ،وقالوا :إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص ،والصحيح أنّ الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة ،وينقص بالعصيان ، ومنهم من ضلّ بإخراج مرتكب الكبيرة من الإسلام ،والحكم عليه بالخلود في النّار ، مع أنّ الصحيح أنّ مرتكب الكبيرة – غير الشرك والكفر الأكبر – لا يخرج من الإسلام ، ومن الفرق من ضلّ في باب القضاء والقدر، فقالوا :إنّ الإنسان مجبور على أفعاله ، مع أنّ الصحيح أنّ الإنسان له إرادة ،ومشيئة ،بناء عليها يحاسب، ويتحمّل تبعات فعله ، ومن الفرق من ضلّ في باب القرآن ، فقالوا : هو مخلوق ،مع أنّ الصحيح ،أنّه كلام الله، منزّل غير مخلوق ، ومن الفرق من ضلّ في باب الصحابة ، فكفّروهم ،وسبّوهم ،مع أنّهم أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذين نزل الوحي بينهم ،وهم أعلم الأمّة ،وأعبد الأمّة ،وجاهدوا في الله حقّ جهاده، ونصر الله بهم الدّين ، رضي الله عنهم أجمعين . وهكذا سائر الفِرَق التي انحرفت عن الإسلام ،وابتدعت في دين الله ،كل فرقة بما لديهم فرحون ،قد سلكوا سبُل الشيطان ، مخالفين قول الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153) الأنعام .
فالواجب على جميع أهل الإسلام ،أن يَزِنوا أقوالهم ،وأعمالهم ،وعباداتهم ،بما قاله الله ورسوله، وما شرعه الله، وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بما وافق الشرع ،وما جاء في كتابه ، وما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم ،ويعرضوها عليها ،فهذا هو الحق المقبول، وما خالف كتاب الله، أو خالف السنة الصحيحة، من عباداتهم ،وطرقهم ،فهو المردود، وفي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » ،وهذا كله يتعلق بما يتعبد به الناس، وبما يقصد به الناس القربى، أما ما أحدثه الناس من الصنائع ،والاختراعات ،كالسلاح، أو من المركوبات ،أو الملابس أو المآكل ،فهذا كله غير داخل في هذا، وإنما الحديث يتعلق بالعبادات ،التي يتعبد بها الناس، ويتقربون بها إلى الله، هذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ، فَهْوَ رَدٌّ » .وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الألقاب التي اشتهرت بها الطوائف المنتسبة للإِسلام سمات تعرف بها الفرق الثنتان والسبعون الضالة ، ولا عنوانًا يتمايز به بعضها عن بعض، وإنما جعل أمارتها مفارقة الكتاب والسنة ،وإجماع الخلفاء الراشدين ،وسائر الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وذلك اتباعًا للظن وما تهوى الأنفس، وقولاً على الله بغير علم ، وعصبية لمتبوعهم – سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يعادون في ذلك ويوالون، كما جعل صلى الله عليه وسلم شعارًا للفرقة الناجية : اتباع الكتاب والسنة ،ولزوم جماعة المسلمين، وإيثار ذلك على مداركهم ،وظنونهم ،وأهوائهم، فهواهم تبعًا لما جاءت به الشريعة الإِسلامية، يوالون في ذلك ويعادون، فمن يتخذ ميزانًا ،يزن به الطوائف ،سوى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويعرف به فرقها، ليميز الفرقة الناجية ،من الفرق الهالكة ،فقد تكلم بغير علم ،وحكم في الفرق بغير بصيرة ، فظلم بذلك نفسه، وظلم الطوائف المنتسبة للإِسلام، ومن رجع في تمييز الفرقة الناجية ،من الفرق الهالكة ،إلى بيانه صلى الله عليه وسلم ،عدل في حكمه، وعرف أن جماعات الأمة درجات متفاوتة، فمنهم من هو أحرص على اتباع الشريعة، والاستسلام لها ،وأبعد الناس عن الابتداع في الدين ،والتحريف في نصوصه، والزيادة فيه ،أو النقص منه ،فهؤلاء أسعد الناس ،بأن يكونوا من الفرقة الناجية، ومنهم من يرتكب معصية ،أو يبتدع بدعة ،لا يخرج بها عن حظيرة الإِسلام، فهو مؤمن، مطيع لله بما فيه من طاعة، مسيء بما ارتكب من معصية وابتدع من البدع ،فكان في مشيئة الله، إن شاء الله غفر له ،وإن شاء عذبه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء 48، وقال تعالى 🙁وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة (102)
الدعاء