خطبة عن (اهتمام الإسلام بصحة الأبدان)
نوفمبر 4, 2023خطبة عن (حرمة التسول وسؤال الناس أموالهم)
نوفمبر 4, 2023الخطبة الأولى (تُربةُ أرضِنا بريقةِ بعضِنا يُشفى سقيمُنا بِإِذْنِ رَبِّنَا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ لمسلم: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا: «بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا». قَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ «يُشْفَى». وَقَالَ زُهَيْرٌ «لِيُشْفَى سَقِيمُنَا». وفي رواية في صحيح ابن حبان: (أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان ممَّا يقولُ للمريضِ، يقولُ ببُزاقِه بإصبَعِه: (بسمِ اللهِ تُربةُ أرضِنا بريقةِ بعضِنا يُشفى سقيمُنا بإذنِ ربِّنا).
إخوة الإسلام
الرُّقيَةُ الشَّرعيَّةُ: هي أذكار مِن القرآنِ، والأدعِيةِ، والمعوِّذاتِ الثَّابِتةِ في السُّنَّةِ، أو الأدعِيَةُ الأُخرَى المشروعةُ الَّتي يَقرَؤُها الإنسانُ على نفْسِه، أو يَقرَؤُها عليه غيرُه؛ لِيُعِيذَه اللهُ مِن الشُّرورِ بأنواعِها. وقد كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْقي أَحْفادَه وغيرَهم مِن المسلِمينَ، وقدْ رَقَى بعْضَ المرْضى. وهذا الحديث المتقدم فيه عظيم الفائدة، وقد غفل عنه الكثير من الناس، لاسيما الأطباء، فإن المريض قد يعاني أمدًا طويلًا، ويجرِّب ألوان الأدوية، أو يجرَّب عليه أنواع الأدوية، ثم قد لا يخرج بكبير طائل، ولكن هذا العلاج الوارد في هذا الحديث ما إن يفعله الإنسان إلا ويجد نفسه في عافية من الله -تبارك وتعالى، فهذا من الطب النبوي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرض إنسان، أو كان به جرح أو شيء يأخذ من ريقه على أصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب، فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول «بِاسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا».
يقول الاستاذ الدكتور/ خالد بن عثمان السبت: وقد ذكرت في بعض المناسبات كلامًا لابن حزم أنه فعل ذلك في الدمامل قبل خروجها، يعني: حينما تكون تحت الجلد، فإذا وضع ذلك عليه حتى قبل خروجه، فإنه لا يخرج، وينطفئ بإذن الله -تبارك وتعالى، وهو شيء فعلته مرارًا، وأرشدت إليه آخرين، وفعلوه ، فبمجرد ما تفعل له هذا، ففي اليوم الثاني إذا هي تتلاشى وتذهب، أقول ذلك يقينًا، كما أراكم الآن، وليس عندي فيه أدنى تردد حينما أفعله، واليقين له أثر في مثل هذه الأمور، فهذا من العلاج النبوي.
أيها المسلمون
وقد ذكر التطهر والشفاء بالتراب في القرآن الكريم، وفي مواضع عديدة من السنّة النبوية المطهرة، وهو ما يدل على أهمية الشفاء بالتراب للكثير من الأمراض، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ (النساء: 43). وقال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (6) المائدة، وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مِمَّا يَقُولُ لِلْمَرِيضِ بِبُزَاقِهِ بِإِصْبَعِهِ « بِسْمِ اللَّهِ بِتُرْبَةِ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا ». وفي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا « بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا». وفي سنن أبي داود: (أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ «اكْشِفِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ». عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، ثُمَّ أَخَذَ تُرَابًا مِنْ بَطْحَانَ فَجَعَلَهُ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ نَفَثَ عَلَيْهِ بِمَاءٍ، وَصَبَّهُ عَلَيْهِ).
قال ابن القيم: (وقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله، وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، فينضم أحد العلاجين إلى الآخر فيقوى التأثير. وقوله “بريقه بعضنا” يدل على أنه كان يتفل عند الرقية. أي كان يأخذ من ريقه على إصبعه شيئًا ثم يضعها على التراب فيعلق بها موضع الجرح ويقول هذه الكلمات).
ونقل ابن حجر عن البيضاوي: (قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلاً في النضج وتعديل المزاج). وذلك الذي جاءت به السنة المطهرة من الرقية بالريق والتراب هو سهل ميسور لكل مسلم، بغير بحث وجهد ووقت، ويكون مغلفًا بالإيمان، فالذي أودع الحقائق في هذا الكون وسخره ودبره هو الله، وهو سبحانه وحده الذي جعل التراب سببًا للشفاء والعلاج، إذا توفرت الشروط والقواعد والأسس التي تضبطها من قبل المعالِج والمعالَج، والله تعالى هو الذي كتب الأمراض ويسّر الشفاء بأمره سبحانه، يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿إنما قولُنا لشيءٍ إذا أردْناهُ أنْ نقولَ لهُ كنْ فيكونُ﴾ (النحل: 40) ويقول سبحانه في موضع آخر: ﴿بديعُ السماواتِ والأرضِ وإذا قضى أمرًا فإنما يقولُ لهُ كنْ فيكونُ﴾ (البقرة: 117).
أيها المسلمون
وإذا تأملنا في خواص الريق والتراب الشفائية كلاً على حدة لوجدنا أن الدراسات تدل على وجود الشفاء فيهما منفصلين، فكيف إذا جُمعا، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. والسؤال: فما وجه الارتباط بين تربة أرضنا، بريقة بعضنا؟:
فمن أهل العلم – وهذا هو الظاهر- من قال: وجه الارتباط غير مدرك بالنسبة إلينا، نحن لا ندركه، وهذا من أمور الغيب؛ لأن لا نعلم ما الارتباط بين الريق وبين التربة، فنؤمن بذلك، ونصدق به؛ لأنه جاء عن المعصوم .
ومن أهل العلم من حاول أن يربط، باعتبار أن التربة هي أصل الإنسان الأول، أي: آدم ﷺ، وأن الريق هو بعض من الإنسان بمثابة النطفة، بمنزلة النطفة، فهذا مع هذا مع هذا الذكر يحصل به الشفاء بإذن الله،
لكن هذا الاستنباط قد يكون فيه بعد، ولكن يكفي أن يطبق الإنسان مثل هذا، وإن لم نعقل وجه الترابط بين التربة والريق، فهذا من الرُّقى، والرقى ما يدرك كل ما جاء فيها، مثل قول النبي ﷺ: صبوا عليّ من سبع قرب، من سبع آبار، من آبار المدينة)، لماذا سبع قرب؟ ولماذا سبع آبار، وآبار المدينة؟ لا نعرف، لكن يُفعل هذا، فيكون فيه العلاج.
وفي قوله ﷺ: تربة أرضنا، هل يختص هذا بأرض المدينة كما قال بعض أهل العلم؟ الجواب: لا، لا يختص بها، وإنما أي تربة، خذ ترابًا نظيفًا، وافعل هذا بنفسك، ولا تحتاج إلى زيد أو عمرو أن يفعله، كل واحد يفعل لنفسه، ويحصل المقصود بإذن الله -تبارك وتعالى، ليس لأحد في هذا مزية، هذا من الرُّقى الشرعية النبوية التي جاءت عن المعصوم ﷺ، فهذا واحد من هذه العلاجات السهلة التي ما تحتاج إلى مواعيد كثيرة، ولا إلى مراهم، ولا إلى مضادات حيوية، ولا إلى غير ذلك مما يجرب على الإنسان، وله آثار أخرى مضرة.
أيها المسلمون
وقد ثبت من خلال دراسات علمية وأبحاث وجود أسباب الشفاء في الريق والتراب للكثير من الأمراض، فقد تبين أن للتراب قدرة في علاج: الأمراض المعدية، وأمراض القروح والجروح وذلك لأن التراب يحوي كمية كبيرة من المضادات الحيوية منها ما يصلح للتناول، وأمراض الأورام عبر تثبيط الخلايا المسببة للأورام. كما يستخدم كوقاية من بعض الوبائيات وكعلاج طبيعي لأمراض الجهاز العصبي وعيوب أعضاء الحركة.
وأما اللعاب فتتضح أهمية قدرته الشفائية في: أن للعاب خواص قاتلة وحالّة للكثير من الجراثيم. وأن اللعاب الطازج يصدّ هذه الجراثيم ويمنع تكاثر بعضها. ويخفف اللعاب بصورة كبيرة من تطور السرطان. كما يوجد فيه نوع من الأجسام المضادة التي تمنع التصاق الميكروبات الضارة بالخلايا الطلائية للأغشية المخاطية.
غير أن كل ما ذكر عن الشفاء في التراب واللعاب لا يشفي إلا إذا ذكر اسم الله العظيم عليه فقد تقاوم بعض تلك الميكروبات بعض تلك المضادات كما قد تمتنع تلك المواد بعضها على بعض فلا ينفع ذلك الشفاء إلا بإذن الله. وبصورة عامة فاللعاب يساعد على شفاء الجروح ويخفف من تأثير المواد المسرطنة ويقضي على الكثير من الجراثيم الممرضة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تُربةُ أرضِنا بريقةِ بعضِنا يُشفى سقيمُنا بِإِذْنِ رَبِّنَا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومما لا شك فيه أن الإسلام ممثلاً بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة جاءنا بالعلاج الشافي لأمراض القلوب والأبدان. قال تعالى: ﴿ ونُنزّلُ منَ القرآنِ ما هوَ شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين﴾ (الإسراء:82)، وإذا كان دواء القلوب بالقرآن، فإن دواء الأبدان يكون بالقرآن وبما دلنا عليه ربنا سبحانه في كتابه أو بما أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أخبرنا الله أنا خلقنا من تراب، قال عزّ وجل: ﴿ ومنْ آياتهِ أنْ خلقكُمْ من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون﴾ (الروم: 20) كما جاءت الدلالة على طهارة التراب وإقامته في مقام الماء في حال تعذّره، في قوله تعالى: ﴿وإنْ كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم منَ الغائط أو لامستمُ النساءَ فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيّبًا﴾ (النساء: 43) فوصفه سبحانه بالطيب، فخلقت منه الأبدان وجعل للطهارة عند تعذّر الماء أو عند حمية المريض عند استعماله، وما ذلك إلا لأن فيه شفاء بإذن الله فيعالج به ما كان في الأبدان من مرض.
أيها المسلمون
ومن الفوائد المستنبطة من هذا الحديث المتقدم : جواز الرقى في كل الآلام، وأن ذلك كان أمرًا معلومًا بينهم. واستحباب وضع سبابته بالأرض مبتلة بالريق، ووضعها على المريض عند الرقية؛ كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-. وجواز الدعاء والتبرك بأسماء الله -تعالى- وصفاته. والأخذ
بالأسباب في التداوي، وسؤال أهل العلم بذلك .
الدعاء